قلة من الرجال تترك كل هذا الاثر النضالي وتظل على مثابرتها حتى يحين موعد رحيلها.. احمد بن بله ينتمي بالتأكيد الى هذه القلة، وهو يغادر عن عمر 96 سنة، بهدوء يخالف كل كفاحه الصاخب، لا من اجل الجزائر الذي انتزعه من براثن الاستعمار، قبل 50 سنة بالضبط، فحسب، وانما من اجل القضايا التحررية في العالم، بما فيها وطنه العربي الاكبر. عن عمر يناهز 96 عاما رحل احمد بن بلة ولم ترحل الذاكرة التي تحكي مسيرة نضاله الطويل ،كان الرجل الذي لا يتعب ولا يتأخر في تنوير الطريق لشعب عاش أسير الإستدمار أحقابا طويلة ،فلم تخطيء قدماه مسلك الحرية التي شربها كأسا من علقم وراودها من كل أبوابها في شبابه وكهولته ، فخاض نضالات سياسية ومسلحة الى أن تحقق حلم الجزائر الحرة المستقلة التي كان رئيسها الأول. ولد أحمد بن بلة في25 ديسمبر 1916 بمغنية (تلمسان) انضم أحمد بن بلة إلى حزب الشعب الجزائري بعد مجازر 8 ماي 1945 التي ارتكبها المستعمر الفرنسي في حق السكان الجزائريين و هو مسؤول بالمنظمة السرية بمنطقة وهران شارك في الهجوم على مكتب بريد وهران في 1949 إلى جانب حسين آيت احمد. و بعد حظر حزب الشعب الجزائري من قبل الإدارة الاستعمارية التحق باللجنة المركزية للحركة من أجل انتصار الحريات و الديمقراطية قبل أن يتولى المسؤولية الوطنية للمنظمة السرية خلفا لحسين آيت احمد ،و بعد توقيفه بالجزائر العاصمة في ماي 1950 قضى 7 سنوات في السجن بتهمة المساس بأمن الدولة. و هو مسجون بالبليدة تمكن من الفرار سنتين من بعد رفقة علي محساس. و في 1953 التحق أحمد بن بلة بآيت احمد و محمد خيدر بالقاهرة (مصر) حيث كلف بمهمة نقل الأسلحة و الدخيرة إلى الجزائر بعد اندلاع حرب التحرير الوطني في الفاتح نوفمبر 1954 و تم توقيف بن بلة الذي كان عضوا بالوفد الخارجي لجبهة التحرير الوطني من قبل مصالح الامن الفرنسية بعد تحويل الطائرة "أطلس للطيران" و هو عائد من المغرب رفقة محمد بوضياف و حسين آيت احمد و محمد خيدر و مصطفى لشرف ،كما تم حبسه بإيل داكس و قصر تروكانت و أولنوي إلى غاية 18 مارس 1962و هو تاريخ التوقيع على اتفاقيات ايفيان. و احتل احمد بن بلة الذي كان عضوا في المجلس الوطني للثورة الجزائرية من1956 إلى 1962 على التوالي منصب نائب رئيس المجلس (و هو في السجن) في 19 سبتمبر1958 و في 18 جانفي 1960 و اخيرا في 27 اوت 1961 (كذالك و هو في السجن). و إثر إطلاق سراحه في 1962 شارك في مؤتمر طرابلس حيث كان على خلاف مع الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية و في 27 سبتمبر 1962 أصبح رئيسا للمجلس و رئيس الحكومة. و في 15 سبتمبر1963 تم انتخابه رئيسا للجمهورية و رئيسا للمجلس . بدأ بن بله بتطبيق النظام الاشتراكي عبر تأميم المصانع وتحول لأحد رموز دول العالم الثالث المناهضة للاستعمار. وطوال سنواته النضالية، لم تكن الجزائر قضيته الوحيدة. بقي بن بله، مدافعاً شرسا عن القومية العربية والوحدة العربية وفي صلبهما القضية الفلسطينية. كان يقول «أنا عربي وفلسطين لا تهم الفلسطينيين وحدهم بل أنها قضية كل العرب. و بعد تنحيته من الحكم في 19 جوان 1965 بقي احمد بن بلة تحت الإقامة المحروسة إلى غاية جويلية 1979 و بعدها تم وضعه تحت الإقامة الجبرية بالمسيلة (شرق الجزائر) قبل ان يطلق سراحه في اكتوبر 1980. و اثر ذلك انشأ بفرنسا الحركة من اجل الديمقراطية بالجزائر. و عاد الى الجزائر بصفة نهائية في 29 سبتمبر 1990 و قد ساند احمد بن بلة سياسة المصالحة الوطنية التي طبقها رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة. و كان منذ 2007 رئيسا للجنة العقلاء للاتحاد الافريقي و هي هيئة من اجل الوقاية والتدخل في الأزمات التي تهز القارة الافريقية و قد كتب على وجه الخصوص نصين تحت عنوان "الاسلام و الثورة الجزائرية"و "النسب المنعول. محمد الشريف عباس : بن بلة كان "رجلا كبيرا وهامة شامخة من أبناء الجزائر"
أكد وزير المجاهدين محمد الشريف عباس في كلمة تأبينية خلال تشييع جنازة الرئيس الأسبق أحمد بن بلة بأن الفقيد يعتبر "رجلا كبيرا وهامة شامخة من أبناء الجزائر الذين أحبوا هذا الوطن وضحوا من أجلهغير آبهين بالصعاب والمطبات التي تعترضهم". كما عدد وزير المجاهدين خصال الرئيس الراحل ونضاله الدؤوب من أجل انتزاعالاستقلال بدءا من انضمامه الى الحركة الوطنية وهو في مقتبل العمر وصولا الى مشاركته في تفجير ثورة أول نوفمبر التي توجت بالنصر وحصول الجزائر على استقلالها. وقال السيد محمد الشريف عباس أن الفقيد كان أول من قاد البلاد بعد الاستقلالو"ساهم في وضع اللبنات الأولى للدولة الجزائرية التي كانت ساكنة في قلبه" معتبرا رحيله "خسارة للجزائر وللأمة العربية والاسلامية ولكل الشعوب التواقة للحريةوالانعتاق". وأوضح أن "التاريخ لن ينسى المواقف المشرفة للرئيس الراحل فيما يتعلق خاصةبوقوفه الى جانب سياسة الوئام والمصالحة وكذا إسهامه في الحفاظ على العدالة والمساواة". وذكر وزير المجاهدين في كلمته التأبينية بأن الأجيال اللاحقة "ستبقى تذكرالرئيس الراحل وسيبقى قدوة لها ورمزا في مسيرتها المستقبلية" مضيفا بأن "هذا الراجل العظيم قد وهب نفسه للجزائر وظل مناضلا من أجل حريتها واستقلالها ثمرافقها في تطورها وازدهارها وسيبقى بعد رحيله ذلك الرجل المثالي". واستطرد محمد الشريف عباس قائلا "لقد شاء القدر أن يغادرنا الرئيسبن بلة والجزائر تتأهب للاحتفال بالذكرى ال50 لاستقلالها" هذا الاستقلال الذي—كما قال— "شارك الراحل بن بلة في استعادته ولذلك سيبقى الراحل المناضل الرمز و القائدالمحنك". وأضاف أن الراحل "كان يتميز ببعد النظر والعقل الحكيم ويحمل رسالة الحريةوالسلم وحب الوطن والتضحية من أجله ومن أجل الكرامة والعزة". "نم قرير العين أيها الرجل العظيم الى جوار رفقائك ممن سبقوك. فالجزائربخير وستبقى كذلك بفضل رجالها الأوفياء وأبنائها المخلصين" يضيف السيد عباس في تابينيته.