العدالة تقرر الذهاب بعيدا في التحقيق في فضيحة سوناطراك - طلب تنقل قاضي التحقيق وضباط لمحكمة ميلانو - استدعاء المتورطين أو إصدار أوامر ضدهم بعد التأكد من تورطهم أكّدت النيابة العامة لدى مجلس قضاء الجزائر أن التحقيق في قضية سوناطراك سيعرف وتيرة أسرع عندما يتحصل قاضي التحقيق على نتائج الإنابات القضائية الدولية، حيث سيلتمس استدعاء المتورطين في الفضيحة أو إصدار أوامر قضائية ضدهم، وكشفت أن قاضي التحقيق أصدر إنابات قضائية دولية للسلطات القضائية في كل من ايطاليا سويسرا والإمارات العربية المتحدة متعلقة بذات الموضوع، كما التمس من السلطات القضائية الايطالية الموافقة على تنقله شخصيا رفقة ضباط من الشرطة القضائية الجزائرية إلى "ميلانو" للقاء القضاة الايطاليين المكلفين بالتحقيق في هذه القضية، لكن النيابة العامة أوضحت بالمقابل انه حتى وإن أًطلع الرأي العام عن هوية بعض الأشخاص الجزائريين المتورطين في هذه القضية بمن فيهم وزير الطاقة السابق فان القانون الجزائري لا يسمح للسلطة القضائية بأن تقوم بالتحقيق معهم أو استدعائهم ما لم يتم توجيه الاتهام لهم بشكل رسمي. تعتزم السلطات القضائية الجزائرية الذهاب بعيدا في التحقيقات حول فضيحة سوناطراك -إيني التي فجرتها العدالة الايطالية قبل أسابيع قليلة، والتي قالت أن وزير الطاقة والمناجم الجزائري السابق شكيب خليل وإطارات من سوناطراك ووسطاء آخرين متورطين فيها، مشيرة لأول مرة إلى إمكانية توجيه تهم بشكل رسمي للمتورطين فيها وإصدار أوامر قضائية ضدهم بعد ذلك. وعلى هذا الأساس أكّدت أمس النيابة العامة لمجلس قضاء الجزائر أن التحقيق في هذه القضية سيعرف و"تيرة أسرع" فور توصل قاضي التحقيق إلى نتائج الإنابات القضائية الدولية، وبعدها سيتم التماس استدعاء المتورطين أو إصدار أوامر قضائية ضدهم. ويضيف بيان النيابة العامة التي سبق لها وان أمرت بفتح تحقيق فيما يعرف بقضية سوناطراك 2 أن قاضي التحقيق تبعا لذلك لجأ إلى إصدار إنابات قضائية دولية موجهة للسلطات القضائية في سويسرا وإيطاليا والإمارات العربية المتحدة. وفضلا عن كل هذا يقول بيان النيابة العامة لمجلس قضاء الجزائر "وفي نفس الإطار فان قاضي التحقيق التمس من السلطات القضائية الايطالية الموافقة على الانتقال "شخصيا" معية ضباط من الشرطة القضائية الجزائرية إلى محكمة ميلانو بايطاليا بغية لقاء زملائه الايطاليين المكلفين بالتحقيق في الملف المفتوح لديهم في شان وقائع مماثلة". وتضيف النيابة العامة انه موازاة مع كل التدابير سالفة الذكر وبما أن المرحلة الحالية للإجراءات تعتبر مرحلة جمع المعلومات والأدلة فان قاضي التحقيق قام بعدة إجراءات على المستوى الوطني، إذ كلّف مصالح الضبطية القضائية بمهام البحث والتحري في جوانب محددة ومدققة من الوقائع المخطر بها وذلك بموجب إنابات قضائية منها ما أنجز ومنها ما هو في طور التنفيذ. لكن بيان النائب العام ورفعا لكل لبس يوضح "أنه حتى وإن تم فعلا الإفصاح وإطلاع الرأي العام عن هوية بعض الشخصيات الجزائرية بما فيهم وزير وإطارات من شركة سوناطراك في إطار هذه القضية من طرف وسائل الإعلام الوطنية والدولية فان القانون الجزائري لا يسمح للسلطة القضائية بأن تقوم بذلك ما لم يتم توجيه الاتهام لهم بشكل رسمي". ويعني هذا أن وزير الطاقة السابق شكيب خليل والإطارات العاملة في سوناطراك والوسطاء المذكورين في القضية حسب ما ظهر في تحقيقات العدالة الايطالية لا يمكن في الوقت الحالي استدعاؤهم للتحقيق، أو إصدار أوامر قضائية ضدهم ما لم يتم توجيه التهم لهم بصفة رسمية لكن ذلك غير مستبعد بعد الحصول على نتائج الإنابات القضائية، ولن توجه لهم التهم التي تحدثت عنها العدالة الايطالية حتى استكمال التحقيقات التي تجريها العدالة الجزائرية على مختلف المستويات وفي كل الاتجاهات. كما توضح النيابة العامة لمجلس قضاء الجزائر أنه ب"النظر لمصدر المعلومات التي على أساسها تم تحريك الدعوة العمومية في الوقائع المذكورة والمتمثل في مختلف الإنابات القضائية التي تلقتها السلطات الجزائرية من نظيراتها الأجنبية في إطار التعاون القضائي الدولي سيما خلال سريان التحقيق القضائي في قضية سوناطراك1 فان قاضي التحقيق المكلف بالملف كان عليه أولا أن يدعم هذه المعلومات ويتأكد من نجاعتها ومصداقيتها وذلك لدى الجهات الواردة عنها أصلا". واعتبرت النيابة العامة في بيانها أن قضية سوناطراك 2 "امتداد" لقضية سوناطراك 1 التي انتهى التحقيق بشأنها بإحالة المتهمين المتورطين فيها على محكمة الجنايات بموجب قرار الإحالة الصادر عن غرفة الاتهام بتاريخ 30 جانفي الماضي، كما أن الوقائع التي أخطر بها قاضي التحقيق في ملف سوناطراك 2 تتمثل في جرائم الرشوة واستغلال النفوذ و سوء استغلال الوظيفة وتبييض الأموال. ويعتبر ما ذكر في بيان النيابة العامة خطوة جريئة من العدالة الجزائرية في إطار التحقيق في قضية الرشاوى التي تحدثت عنها العدالة الإيطالية والتي يكون وزير الطاقة والمناجم الجزائري السابق شكيب خليل وبعض المسؤولين الجزائريين قد تلقوها من طرف الشركة الايطالية "إيني" مقابل حصولهم على صفقات بملايير الدولارات في الجزائر بداية من سنة 2004 والتي قدرت قيمتها ب 11 مليار دولار. وتظهر العدالة الجزائرية وفقا للإجراءات التي تعتزم القيام بها مستقبلا مواصلة للتحقيق في هذه الفضيحة التي هزت الرأي العام الوطني والدولي أنها تعمل بدقة و هدوء وتأن ولا تريد استباق الأحداث أو القفز على المراحل المطلوبة في مثل هذه القضايا الشائكة، لذلك حرصت على التأكيد على انه لا يمكن توجيه تهم بشكل رسمي لمن وردت أسماؤهم في تحقيقات العدالة الايطالية ما لم تتحصل العدالة الجزائرية على نتائج الإنابات القضائية الدولية، وكذا بناء على التحقيقات التي سيقوم بها شخصيا قاضي التحقيق الجزائري في محكمة ميلانو الايطالية. وتحرص العدالة كما يبدو على تتبع كل خيوط القضية والاطلاع على كل الملفات المتعلقة بها، وما طلب تنقل قاضي التحقيق إلى ايطاليا إلا خطوة في هذا الاتجاه، كما أن إصدار إنابات قضائية في كل من سويسرا وايطاليا والإمارات العربية المتحدة إلا دليل على توسيع عملية التحقيقات. وفي نفس السياق يعتبر تأكيد النيابة العامة على التماس استدعاء المتورطين في الفضيحة وإصدار أوامر قضائية ضدهم التزام واضح من العدالة الجزائرية على معاقبة كل من يثبت تورطه في هذه الفضيحة الكبيرة التي هزت الرأي العام الوطني بعدما تتأكد أنهم فعلا متورطين فيها، وهو ما ينتظره كل الجزائريين الذين يتمنون أن يروا يوما من عبث بأموالهم أمام العدالة. ونشير في هذا الصدد أن رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة الذي كان قد قال أن فضيحة سوناطراك تثير "سخطنا واستنكارنا" عبّر عن ثقته في العدالة الجزائرية لفك خيوط هذه الفضيحة، وقال الرئيس في رسالة وجهها إلى الأمين العام للإتحاد العام للعمال الجزائريين بمناسبة الذكرى المزدوجة لإنشاء الاتحاد وتأميم المحروقات يوم 23 فيفري الماضي أنه "في هذا المقام لا يجوز لي أن أمر مرور الكرام على ما تناولته الصحافة مؤخرا من أمور ذات صلة بتسيير شركة سوناطراك" مشيرا إلى أنها أمور "تثير سخطنا واستنكارنا"، "لكنني على ثقة من أن عدالة بلادنا ستفك خيوط هذه الملابسات وتحدد المسؤوليات وتحكم حكمها الصارم الحازم بالعقوبات المنصوص عليها في قوانيننا". كما كان وزير المالية كريم جودي قد أكّد من جهته بعد تدشين مقر الديوان المركزي لقمع الفساد قبل أسبوع أن السلطات العليا للبلد و على رأسها رئيس الجمهورية عازمة على شن حرب دون هوادة على الفساد بكل أشكاله و لن تدخر أي جهد لتحقيق ذلك. للإشارة فجّرت فضيحة سوناطراك حملة تنديد واستنكار كبيرين في أوساط الطبقة السياسية الوطنية ومنظمات المجتمع المدني والمواطنين بصورة عامة الذين طالبوا بان تقوم العدالة بمهامها على أكمل وجه لكشف كل خيوط وملابسات القضية وتقديم المتورطين فيها أمام القضاء ومعاقبتهم، والتحقيق في كل قضايا الفساد.