مناسباتية، كرنفالية، تصرف فيها أموال و لا تترك أثرا كيف هو واقع ومستوى المهرجانات والملتقيات الثقافية في الجزائر؟، وإلى أي مدى خدمت هذه المهرجانات الثقافة الجزائرية، وماذا أضافت لها، وهل مثلا،أبرزت كُتابًا وقدمتهم إلى المشهد الثقافي والأدبي وأسهمت بشكل ما في الإضاءة حول أعمالهم وكتاباتهم بما يليق بالإبداع والمبدعين حقا، أم أنها لا تعدو أن تكون مجرد ترف متجدد في حلقة المشهد الثقافي الجزائري إجمالا وتحت عناوين وغِطاءات ثقافية مختلفة. أيضا ما الجدوى من هذه المهرجانات؟،ما مكاسبها، خاصياتها، ومآزقها و انزلاقاتها؟.حول هذه المسألة وإشكالاتها والتباساتها،يتحدث بعض الكُتاب والأدباء في ملف كراس الثقافة لعدد اليوم. استطلاع/ نوّارة لحرش محمد مفلاح/ كاتب وروائي يغلب عليها الطابع المناسباتي ومن الواجب ترشيد المال العام المرصد لها سمحت لي مشاركتي في بعض المهرجانات الثقافية والملتقيات الأدبية المنظمة في الجزائر، بالتعرف على بعض الجوانب من واقعها، وقد تشكلت لدي نظرة عن مستواها وجدواها، وهي أن تنظيم هذه المهرجانات والملتقيات الأدبية ومهما كانت النقائص التي يلاحظها أي مشارك فيها، تبقى فضاءً ضروريًا يلتقي فيه بعض الكُتّاب والمبدعين والباحثين لتبادل التجارب والاستفادة من هذا الاحتكاك الثقافي.أما السلبيات والنقائص التي تحد من فعالية هذه المهرجانات والملتقيات، فهي كثيرة،وجل هذه النشاطات الثقافية يغلب عليها الطابع المناسباتي، ويظهر ذلك جليًّا في العمل الارتجالي سواء في التحضيرات لها أو في الجو السائد أثناء أشغالها، ومن سلبياتها اختيار مشاركين غير مؤهلين لمواضيع هذه الملتقيات أو قبول مساهمات متواضعة، بالتالي لا يُكتشف في مثل هذا الجو المتسرع كتّاب جدد، ولا يظهر فيه باحثون متميزون يقدمون أعمالا تضيف جديدا في الساحة الثقافية. وتنظيم جل المتلقيات تمليها المناسبة كما أشرت إلى ذلك آنفا، ويقوم بها بعض الفاعلين الثقافيين المتطوعين أو بعض مسؤولي الإدارة المكلفة بتحقيق برنامج ما لا يخضع لتفكير معمق. وهكذا وبمجرد الانتهاء من الطبعة الأولى للملتقى أي بمرور المناسبة المرتبطة بتواريخ وطنية أو شخصيات يُحتفى بها، تختفي هذه الملتقيات. وبالتالي لا يمكن للجهة المنظمة دراسة هذا الواقع لتفادي النقائص والاستفادة من التجربة. والملاحظ أن المهرجانات والملتقيات التي تشرف عليها لجان علمية متخصصة، تحقق نسبة مقبولة من النجاح، وهي في أغلبها ملتقيات جامعية، تُجمع أشغالها في مجلة محكمة. فعلا من الواجب ترشيد المال العام المرصد لتنظيم هذه المهرجانات والملتقيات لتحقيق إضافة نوعية في الحياة الثقافية، ولكن هذا الهدف يبقى اليوم بعيد المنال لأسباب كثيرة ذكرتُ بعضها سابقا، ولكن هذا الواقع لا يبرر دعوة بعض الأقلام لإلغاء مثل هذه الفضاءات، لأن معالجة النقائص ممكنة جدا وذلك بتنصيب لجان علمية متخصصة تواكب أشغال هذه الملتقيات، وتسمح للإعلام بمتابعة هذه النشاطات الثقافية حتى يكون لها تأثيرها في الحياة العامة. خيرة حمر العين/ كاتبة وناقدة أكاديمية آمال محدودة وآفاق مسدودة تعد المهرجانات الثقافية في العالم فرصة للشباب المبدع الخلاق لإبراز قدراته، ومواهبه وهي في الحقيقة دافع معنوي ومادي لإظهار هذه الإمكانات واكتشافها،وتعمل الهيئات المعنية وهي في أغلبها كُتاب ومبدعون على إنجاح مثل هذه الفعاليات وجعلها أداة للإنتاج المعرفي وتأسيس الهوية الثقافية وبعث تراثها، كما تصر الهيئات الثقافية في العالم على كسب ثقة الجماهير بتقديم الجيد والجديد والمذهل واللامتوقع وهي في الغالب هيئات تجديدية غير نفعية، أما المهرجانات الثقافية في الجزائر فهي فرصة للسب والشتم واللعنات وتصفية الحسابات، وأكثر المشرفين على تنظيمها وتسييرها من أصحاب المراتب الطاعنة في هرم السلطة يصنعون زيف تاريخهم ويلمعون أسماءهم.نحن نحتاج اليوم إلى إعادة بناء تاريخنا الفني والأدبي والتأسيس للمعرفي والثقافي بالمعطيات العالمية وإطلاق الرصاص على هوس المدعين وفك أسر المبدعين،نحن بحاجة إلى تأجيج أسئلة الواقع والحلم والممكن والمستحيل لا أن نندس في ثياب مزركشة بالتملق و الزيف، وإعلان خطاب التمرد بدلا من تكريس الفتن والسخط، نحن بحاجة إلى مخاض فكري يعيد تجديد الأدب الجزائري، نحن بحاجة إلى انبعاث في اللغة والرؤيا والتسمية والمصطلح،نحن مدعوون إلى ربيع أدبي يزلزل كآبات الدنيا ويعيد إلينا سحر الحياة. إن العودة إلى ينابيع الكلمة النبوءة هو الحل الأسمى لمآزق المغالطات والوهم وإعادة بناء الصورة التي كرسها الإعلام بخاصة ونحن نشهد اليوم ثورة حقيقية بين الوهم والحقيقة، بين ما ينتجه الواقع وما تفرزه التوقعات،بين ما يفرضه الإعلام من صور وشهادات وبين ما يحتمل من رد فعل المتلقي،يجب تبني إستراتيجية جمالية معرفية ثقافية لمواجهة تحديات المجتمع وإشباع حاجاته من قيم جمالية وفنية بدل الزج به في مزالق ومكائد لا شأن له بها،يجب أن نتعلم كيف ننظر لصنع المجتمع المثقف وهي مسألة سوسيولغوية، أو بمعنى آخر إن المعركة ليست معركة لغة أو مجتمع،إنها معركة فهم،ولكي نفهم علينا أن ندرك قوانين التخاطب والحوار الحر. إسماعيل يبرير/ شاعر و روائي مهرجاناتنا تعمل لتبرير الميزانيات المصروفة و ليس لإنجاح قضيتها ومحاورها في الجزائر أكثر من 200 مهرجان ثقافي؟ بين محلي ووطني ودولي، يوجد ضمنها مهرجانات مكررة للرقص وبعضها للثقافات الشعبية وعدد منها لطقوس أخرى،تلك المهرجانات تهتم بالفولكلور وتقدمه على أساس أنه ثقافة، يعني أن الوزارة المعنية تعتبر أن الثقافة هي ما يدور في فلك الفولكلور، بينما يوجد تصور بأن المهرجان الثقافي أو الأدبي أو الملتقى هي شؤون يمكن للجامعات القيام بها، يجب الوقوف هنا وتأمل دور أكثر من ثلاثين جامعة. إذا كان هذا توصيف للواقع ويبدو ناقما، فالسبب أنه الواقع، وإذا تم تنظيم مهرجان هنا أو هناك فسيكون فرصة للقاءات الحميمية، يدعو القائمون عليه أصدقاء ورفاقا للسمر، بينما يكون الجانب المعرفي هو الغائب الأكبر، في ذاكرتي ملتقى للسرد أقيم منذ أشهر، وعندما نشر صورة للمشاركين فيه اكتشفت أنهم شعراء؟ والأهم أنهم من الشلة نفسها. أعتقد أن الملتقيات والمهرجانات المتعددة التي تلتهم ميزانيات غير مبررة تصاب بالفشل بسبب الميول الشخصية لمنظميها، ولكن أيضا بفعل تحولها إلى فضاء حميمي وهو ما يفترض فيه أن يكون نتيجة وفقط وليس سبب إقامتها. وليس علينا أن نشير إلى ملتقى بعينه عندما نقول أن المواضيع التي تعتمدها الملتقيات مستهلكة، وهي مواضيع تُقام لها ملتقيات في كل زوايا العالم، وكان حري بنا أن نميل إلى ملتقيات تحتفي بالثقافة الجزائرية، تناقشها وتدفعها للمقاومة بكل أشكالها ضد الثقافات المهيمنة.علة ملتقياتنا ومهرجاناتنا أنها تعمل لتبرير الميزانيات المصروفة وليس لإنجاح قضيتها ومحاورها. خالد ساحلي/ روائي وكاتب لا تعدو أن تكون بهرجة إعلامية استهلاكا للمال العام وهي قائمة على الواسطة والشللية المهرجانات الأدبية والثقافية في الجزائر لا تعدو أن تكون بهرجة إعلامية استهلاكا للمال العام ويافطة إعلانية تبريرا للمؤسسات الثقافية التابعة للدولة أمام الوزارة الوصية على الثقافة كون هيئاتها التابعة لها والتي تعطى أموالا طائلة كأنها تقوم بواجبها في التنوير وهذه مغالطة كبيرة تقوم بها هذه الهيئات، هذا ليس حكما قطعيا على كل النشاطات والملتقيات والندوات والجلسات أو إنقاصا من شأن بعضها، لكن الحقيقة ماذا قدمت الملتقيات في الجزائر؟ وهل كشفت عن وجوه جديدة مختفية أو مقصية وهل أظهرت الكُتاب الذين نالهم الظلم والتعسف؟ وهل خرجت بتوصيات طبقت أو زادت في وتيرة الثقافة أو حركت الوضع القائم؟. المهرجانات لا تعدو أن تكون فرصة للقاء وتبادل المجاملات والوجبات، قد يحضر الجميع ويغيب الأدب والفكر ولا مشكلة في ذلك مادامت الأموال موجودة وتصرف في الهباء والكلام، من حق الوزارة مساءلة القائمين على الملتقيات أو المهرجانات ومطالبتهم بالحصيلة ومحاسبتهم على عدم استقطاب العامة إلى داخل القاعات ومشاركتهم الأدباء والمفكرين فيما قدموه، فهل يقع الوزر على العامة أم على المنظمين؟.لا شك إن كثيرا من الأدباء والكُتاب الذين يحضرون هم أول من يغيب عن الجلسات والقراءات والمحاضرات ويتركون القاعة رفضا لسماع الآخر فكيف للعامة أن تسمعنا؟، هناك من حمل التحدي واستطاع بإمكانيات قليلة أن يؤسس بعض التقاليد للملتقى وللجلسات، كانت الإرادة سلاحه الوحيد وبعضا مما أقتطعه من راتبه الشهري ومن ميزانية الأسرة لأجل أن تستمر الطبعات لسنين فانتصرت الإرادة على الإدارة، في حين فشلت كثير من الملتقيات مدعومة بأموال طائلة، لهذا نقول دائما أخرجوا الثقافة من ديار الثقافة لأنها لا تدفن في الإسمنت إنما مكانها في حياة الأفراد، لم أتعجب يوما وأنا أتابع مبادرة بعض الأصدقاء في اليمن قبل ثورته حول لقاءات في الهواء الطلق وفي الساحات العامة تتخللها قراءات شعرية وقصصية، لقد كسروا الحاجز واحتكموا للعامة، هذا ما نحتاجه بالفعل، ثم كم من رواية ومن مجموعة قصصية وديوان شعر ودراسات فكرية ونقدية طبعت لكن تغيب في ملتقياتنا، كم رواية وصلت للقائمة القصيرة للبوكر وكم من مجموعة قصصية نالت مراتب مشرّفة ولكنها لم تكن حدثا أو شيئا مذكورا، إنها ثقافة القطيع، أرى المثقف يتواطأ مع نفسه على نفسه ويتواطأ مع غيره على المثقف ذاته وبذلك شغلوا واشتغلوا بالهامش وتخلوا عن المركز. دائما وفيما يخص المهرجانات، فالذين يسرفون في صرف المال العام ينتصرون للزق والرق على العقل والفكر والجمال وعلى القرطاس والقلم. في الحقيقة الإقصاء يطال كل الذين يتمسكون بالقيمة الأخلاقية والالتزام في أعمالهم، يطال الذين لا يلوثون ألسنتهم ولا يلطخونها بالذل ويرفضون مهرجانات هي أقرب إلى الكرنفالية، كثيرا من الملتقيات يغلب عليها الطابعالسياسي أيضا فيحاكم كثير من الكُتاب عن صراحتهم ونقدهم للواقع فيُغيّبون عمدا، بعض الكُتاب وقع عليهم تعسف المسئولين ومدراء الثقافة بسبب قناعاتهم وهذه ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة لأن الملتقيات في الجزائر قائمة على أساس الواسطة والشللية، المصيبة أن المثقف ذاته يعاني من هذه العقدة ولا يؤمن بتعدد وجهات النظر والتنوع الثقافي، وينشىء عصبته مع المسؤولين لتمتد يده إلى الممحاة.وكما قلت في تصريح سابق لجريدة وطنية ليست الوزيرة من تتحمل المسئولية بل الحاشية الدائرة حولها والمصالح التي لها علاقة مباشرة بمتابعة شأن الكُتاّب وتسخير الأموال لهم لطرح انشغالاتهم وقضايا الثقافة لحفظ كرامة المثقف والكاتب. محمد بن زيان/ ناقد وباحث تعم مهرجانية طاغية تكرس نمط الزردة،والإشكال في التسيير الحديث عن واقع ومستوى المهرجانات والملتقيات الأدبية في الجزائر، يفرض علينا ربط الموضوع بالسياق العام وما يكتنفه من ملابسات، ولا ينبغي تنميط التوصيف في الحديث عن جملة ما عرفته وتعرفه البلاد من مهرجانات وملتقيات أدبية. في السنين السابقة شكلت بعض المهرجانات والملتقيات معالم وعلامات في المشهد الثقافي والأدبي الوطني، كما حققت ما يراكم أسهم بعض المدن في الرصيد الرمزي. ونذكر منها مهرجان محمد العيد الشعري ببسكرة وملتقى القصة بسعيدة وملتقى الرواية بقسنطينة وملتقى النقد بوهران وملتقى الأدب والثورة بسكيكدة.. ثم برز ملتقى العلمة وملتقى الجلفة... ولا يمكن أن ينكر أي متابع ودارس الأثر الهام لهذه الفعاليات. ولقد خدمت تلك المواعيد الحياة الثقافية من جوانب متعددة، منها ما كانت تعرفه المدن المذكورة من تفعيل يبث الحيوية في يومياتها، كما أنها خدمت المبدعين بتمكينهم من إطار للاحتكاك والحوار وتوصيل الصوت.وراهنا وبالربط مع السياق العام كما ذكرت تعم مهرجانية طاغية اكتسحت لتكرس نمط الزردة وتكرس النمط الزبائني بفرض أسماء معينة وبتغييب أي نوعية في النقاش. لكن هناك من يجتهدون ببرمجة فعاليات يجدر بنا التنويه بها وتعضيد الساهرين عليها، فعاليات تبقي بصيص الضوء، منهم بعض الذين يديرون مديريات ودور الثقافة ويبذلون جهودا معتبرة لبث الحياة في الساحة الثقافية مما يؤكد أن الإشكال في التسيير وليس فقط في مبررات البعض الذين يتذرعون بالظروف والعراقيل البيروقراطية.والقضية ليست متصلة فقط بمؤسسات الدولة بل تعني أيضا التنظيمات الجمعوية التي رغم عددها الهائل لا يحضر إلا بعضها من الذين يسكنهم الهاجس الثقافي فيدفعهم للمبادرة بإمكانيات محدودة ما يستدعي التنويه.بعض الملتقيات توارت رغم ما كانت تنبض به، وملتقيات أخرى تعرضت لما يشبه القرصنة وملتقيات ضاعت بذهاب المسؤول عنها، والأمر مرتبط بإشكالية أخرى حاضرة في مختلف القطاعات وهي غياب الارتكاز على التأسيس المؤسساتي الذي لا يرتبط بعهدة مدير أو وزير أو أي مسؤول آخر، هذا الغياب الذي بدد الكثير من الجهود وأعاق تحقق التراكم الذي يظل الشرط الضروري لنضج أي تجربة.لعله من نافلة القول التذكير بأن بلدنا للأسف صارت تفتقد أمكنتها للروح، صارت كتل إسمنتية تنزف بمد العنف والتفسخ، وذلك من انعكاسات غياب ما يتحقق بفعاليات تبلور بهجة الجمال وجلال العرفان ونور المعرفة. مدن العالم تختزلها المعالم وتصنع حضورها مواعيدها الثقافية "مهرجانات، ملتقيات"، فما محلنا من الإعراب؟. عمر عيلان/ باحث وناقد وأستاذ التعليم العالي -مخبر البحث في الترجمة وتحليل الخطاب- في جامعة خنشلة تخضع للأهواء الشخصية والصدفة و هي أسيرة مجموعة المنظمين تطرح جملة أسئلة حول المهرجانات الثقافية من حيث الجدوى والفعالية والوصول إلى الغاية التي سطرها منظموها. بل ويذهب البعض إلى عد هذه المهرجانات الثقافية إهدارا للمال العام خاصة وأن جميع هذه التظاهرات الثقافية ممولة من الخزينة العمومية عبر مختلف الهيئات الثقافية سواء أكانت في المستوى المحلي أو الوطني. والسؤال الأكثر إلحاحا هو: هل نحن فعلا بحاجة لمثل هذه الأنشطة والفعاليات الثقافية في الوقت الذي يفترض أن تصرف الأموال المخصصة لها في قضايا أكثر أهمية؟.إن المتتبع للشأن الثقافي في الجزائر يسجل حركية كبيرة في الأنشطة والفعاليات التي تؤثث المشهد الثقافي على مدار السنة، وهذه الفعاليات تتباين في أهميتها وفعاليتها وتفاعلها مع الجمهور المتلقي.وإذا كنا نقر أننا مجتمع بحاجة إلى تثمين الحركية الثقافية والتمكين لها عبر وسائط متعددة منها المهرجانات الثقافية فإننا نرى بأن الفعل الثقافي في الجزائر غير خاضع لإستراتيجية دولية تتولى النخبة التنظير والتأسيس لمساراتها بما يخلق ديناميكية ثقافية منسجمة مع نظرة متكاملة لبناء ثقافة جزائرية تملك الخصوصية المحلية ومنفتحة على آفاق العالمية. بعيدا عن هذه النظرة تنتظم المهرجانات الثقافية في الجزائر، وتخضع في الأغلب الأعم لطابع انتقائي أو مناسباتي احتكاري لمجموعات محددة أحيانا، ولا تمثل ديناميكية مستمرة مبرمجة في إطار رؤية كليانية منسجمة، مما يجعل المهرجانات الثقافية على تعدد موضوعاتها سواء أكانت في السينما أم المسرح أم الشعر أم الغناء أم الرقص... لا تؤدي إلى خلق تفاعل ثقافي مجتمعي معها لأن الإرتجالية والقطيعة مع سيرورة الفعل الثقافي اليومي يجعلها مجرد عناوين لا تحدث التأثير المطلوب في الواقع الثقافي، وسرعان مايُنسى المهرجان بمجرد انتهاء فعالياته، كما أن غياب الاستمرارية على تنظيم هذه النشاطات التي غالبا ما تكون متصلة بأسماء محددة توفر لها الدعم باسم المهرجانات الثقافية بطابع الصدفة، هذا عن المهرجانات المحلية التمويل، أما عن تلك المدرجة في البرنامج الوطني لوزارة الثقافة فإنها على الرغم من أهمية موضوعاتها أو محاورها فإنها أسيرة مجموعة المنظمين الذين لا يخضعون المشاركات والمساهمات لمنطق الجدوى بل لمنطق آخر تماما. ولعل غياب مجالس علمية عن المهرجانات الثقافية في الجزائر جعلها تخضع للأهواء الشخصية والصدفة، فالجزائر البلد الوحيد في العالم الذي يغيب الباحثين والنخب المثقفة من الجامعيين عن تنظيم وتأطير الفعاليات الثقافية ويجعل الإدارة هي صاحبة الرأي الفصل، فقد يتدخل مدير ثقافة في ولاية من الولايات ليلغي مؤتمرا أدبيا متميزا مثل ملتقى بن هدوقة على سبيل المثال، دون أن يقدر القيمة والأهمية التي لمثل هذا الملتقى الذي صار محجا للباحثين والطلبة الجامعيين.إن المهرجانات الثقافية ضرورة اجتماعية لكنها بحاجة إلى ترشيد وإعادة تأهيل، حتى تؤدي دورا يناسب ما تستهلكه من أموال دافع الضرائب الجزائري. إن النشاط الثقافي ضرورة مجتمعية حيوية تنفق عليها كل المجتمعات لإثبات وجودها وتثمين خصوصيتها وتأهيل أفراد المجتمع بما ينسجم وسياقات الحركة الثقافية العالمية لاسيما ونحن الآن نعيش عالما متعدد الوسائط متعدد الثقافات. فالفعل الثقافي في الجزائر سواء أكان عبر المهرجانات الثقافية أو غيرها، عليه أن يندرج في سياق إستراتيجية شاملة تؤسس لقيم الهوية الوطنية والعودة إلى الذات بعيدا عن كل المركزيات مهما كانت، وترسيخ قيم ثقافة المجتمع الجزائري المتعدد الأبعاد بعروبته ومزوغته و زنوجته. وإقامة مصالحة مع الذات ومع التاريخ والذاكرة الجماعية.