نافس الفرنسيين و اليهود بأول استديو عربي ويحتفظ بصور نادرة لرؤساء الجزائر يرى عميد المصوّرين و أول كميرامان بقسنطينة ابراهيم بورجيبة(81سنة) بأن الجيل الجديد ولد و بفمه ملعقة من ذهب إشارة إلى التسهيلات التي سخرها التقدم المتواصل في مجال أجهزة التصوير، مقارنة بزمنهم حين كانوا يتعبون لساعات طويلة من أجل الحصول على صورة مقبولة مثلما قال. النصر زارت الفنان ببيته بالخروب و توقفت معه بأهم محطات حياته المفعمة بالذكريات و الأحداث المهمة التي عايشها ضمن الأسرة الصحفية بالإذاعة و التلفزيون الجزائري و قبلها كصاحب أول استديو تصوير عربي بقسنطينة إبان الاستعمار الفرنسي. يتذكر العم ابراهيم بورجيبة الذي يتمتع بذاكرة قوية، كيف أن ولعه و حبه لفن الصورة الفوتوغرافية دفعه لمتابعة دروس عن بعد لصقل موهبته بتلقيه بشكل منتظم مجلات متخصصة من مركز للتكوين بفرنسا استطاع بفضلها احتراف مهنة الفوتوغرافيا و فتح استديو بالخروب ليكون أول استديو ملكا لمواطن جزائري بقسنطينة في عهد الاستعمار و كان ذلك في بداية خمسينيات القرن الماضي، حيث تمكن من فرض نفسه بين خمس استديوهات كانت جميعها ملكا للفرنسيين و اليهود منها استديو "ريغو" في شارع كرمان سابقا بحي ديدوش مراد و المصوّر "جوش"بالقرب من البلدية، و غونزاليس بالإضافة إلى "شيلت" بأقواس حي عبان رمضان حاليا و الاستديو الخامس كان ملكا ليهودي لم يتذكر اسمه لكنه يتذكر جيّدا موقعه بالقرب من مقر جريدة لاديباش دو كوستونتين آنذاك بشارع العربي بن مهيدي المعروف باسم " طريق جديدة " والتي أصبحت تحمل اسم " النصر" بعد الإستقلال. صوّر أول زيارة رسمية للرئيس بن بلة لقسنطينة و عن التحاقه بالإذاعة و التلفزيون الجزائري قال محدثنا بأنه لا زال يتذكر جيّدا تلك الأيام التي جمع فيها فريق"آر تي أف" الفرنسي أغراضه من الأستديو الصغير الذي كان مقره حينها بوسط حي قدور بومدوس بمحاذاة حي الهواء الطلق "بال إير"و الذي حوّل فيما بعد إلى مدرسة ابتدائية، آسرا بأنه لم يفكر يوما في الالتحاق بالإذاعة و التلفزيون و إنما جاء ذلك صدفة بعد اتصال عبد الحميد بلمجات به بمجرّد تنصيبه على رأس الإذاعة في أكتوبر 1962 طالبا منه الانضمام إلى الأسرة الإعلامية، فرفض في البداية لارتباطاته الخاصة بعمله داخل استديوه الخاص، لكن صديقه المسؤول أقنعه بأن اقتراحه لم يكن عرض عمل بقدر ما هو التزام و واجب نحو الوطن، فلّب الطلب بروح وطنية باعتباره المصوّر المحترف الوحيد الذي بإمكانهم الثقة في كفاءته لانعدام التقنيين الجزائريين وقتها، فبدأ العمل رسميا في نوفمبر 1962. و كانت أول مهمة كلّف بها ذلك الشهر تصوير الزيارة الرسمية للرئيس أحمد بن بلة لمدينة قسنطينة. و توّقف محدثنا عند هذه النقطة مسترجعا بدقة كشريط فيلم محفوظ بإتقان، كيف أن عدم توّفر إمكانيات الإخراج و تركيب الفيلم إلا بالعاصمة اضطرهم إلى إرسال الشريط إلى هناك ليتم تحميضه و تركيبه ليبث الفيلم بعد ثلاثة أيام من الزيارة و تلقيه تهاني المسؤولين حينها. و واصل المصوّر المحترف حديثه عن مهنة "الكاميرامان" التي تعلمها بطريقة عصامية و احترفها لأكثر من 15سنة تعامل خلالها مع نخبة من الإعلاميين و الشخصيات المعروفة قبل أن يضطر للاستقالة بسبب ظروف قال أنها لم تكن مشجعة على العمل لعدم تكافؤ الفرص بين جيل ضحى بوقته و شبابه لأجل التزامه بخدمة الوطن ،فلم تسمح له الظروف بمتابعة دراسته و الحصول على دبلومات و جيل ساعدته شهاداته التعليمية على تجاوز من هم أكثر خبرة و احترافية من حيث الراتب الشهري و الامتيازات الكثيرة، فانسحب بكل هدوء لعدم تقبلّه الوضع كما قال ليعود لتجارته الحرّة لكن هذه المرة ليس كمصوّر و أنما كمسيّر لمدرسة سياقة و ذلك في بداية الثمانينات. كان المصوّر و السائق معا و استعاد ذكريات مع زملائه في العمل و كيف كان يلعب دور المصوّر و السائق في ذات الوقت في المهام الصحفية رفقة نخبة من الصحفيين المعروفين منهم فاروق بلاغة و الشريف زروالة، عمار بلعلى، البشير مزهود، ابراهيم بلبحري و غيرهم من الصحفيين الذين تقلدوا مناصب عليا فيما بعد. كما تذكر زمن اللامركزية و كيف كان لكل محطة برنامجها الخاص ، مؤكدا أن مقر الإذاعة وقتها كان بشارع قدور بومدوس حيث توجد اليوم مدرسة ابتدائية قبل أن يتم الانتقال إلى المقر الحالي بمحاذاة جامعة العلوم الاسلامية الأمير عبد القادر. و كانت مساحة استديو التلفزيون كما قال لا تتعدى الست متر مربع بالإضافة إلى استديو ثاني مستغل كمحطة راديو. وذكر بأن البث المحلي كان يتم عن طريق هوائي وضع وقتها فوق عمارة عالية بحي "بال آر" ، قبل استحداث جهاز إرسال آخر بحي باب القنطرة لتمكين أكبر عدد ممكن من الأحياء من التقاط الصورة تبعه وضع أجهزة إرسال أضخم بالكاف لكحل حوالي عام 1967 و التي وسعت عملية التقاط الصور إلى مسافات أبعد عن الخمس كيلومترات خارج حدود قسنطينة. و تذكر تفاني زميله عمر بورمانة المختص في البرمجة و باقي رفاقه و كذا أجواء التكافل التي كانوا يعملون فيها "كنا عائلة واحدة و لا زال زملائي من الصحفيين يزورونني حتى اليوم". و لا زال يتذكر أهم الرؤساء الأجانب و الشخصيات السياسية التي مرّت على قسنطينة ذكر منهم على سبيل المثال فيدال كاسترو ،سيغوتوري..و غيرهم، كما تحدث عن الكم الهائل من الصور الفوتوغرافية و الأفلام التي صوّرها لرؤساء الجزائر كأحمد بن بلة، هواري بومدين و الشاذلي بن جديد، بالإضافة إلى المغامرات التي عاشها رفقة زملائه خلال قيامهم بمهام خارج الولاية أهمها التغطيات الرياضية التي استعاد منها ذكريات قال أنها بقيت راسخة في ذهنه كمقابلة العودة التي جمعت الاتحاد الرياضي لكرة القدم بخنشلة بنظيره اتحاد العاصمة حوالي عام 1971 في الربع النهائي لكأس الجزائر، و ما عاشوه من رعب حينها، جرّاء غضب المناصرين و تدخل الأمن لمكافحة الشغب لدرجة إطلاق النار و اضطراره للاختباء تحت المركبة و قيامه بتلطيخ لوحة الترقيم التي كانت تحمل ترقيم العاصمة بالوحل خوفا من انتقام المناصرين، و لم ينته الكابوس على حد تعبيره إلى غاية تدخل المسيّرين و نقل فريق الصحفيين و التقنيين خارج الملعب في سيارة تابعة لدائرة خنشلة مؤكدا بأن عنف الملاعب ليس وليد اليوم و إنما يعود لسنوات السبعينات متذكرا حادثة مشابهة تقريبا عاشوها بقالمة. راقبه المستعمر الفرنسي بسبب صور المجاهدين و عن ظروف العمل بالأمس و اليوم قال محدثنا بأن عملهم كان ممتعا بقدر ما كان متعبا عكس اليوم ، فرغم قيام الآلة بكل شيء لم يعد المصوّر مرتاحا في عمله متذكرا كيف كانت الكاميرا ثقيلة و متعبة و كذلك عملية استخراج الفيلم و تركيبه و الجهد الذي يبذلونه في وضع الإكسسوارات للحصول على صورة مقبولة خاصة في مجال الإضاءة . و سرد موقفا عاشه مع فريق من الصحفيين و التقنيين الجدد الذين زاروه في البيت من أجل إجراء لقاء معه باعتباره عميد المصورين بالجزائر و بمؤسسة الإذاعة و التلفزيون سابقا، معترفا بأنه استغرب عندما رأى فريق العمل يصوّر دون استعمال الأضواء الكاشفة "بروجيكتور " و كذا عند اقتراب أحد تقنيي الصوت منه مادا يده لفتح زر قميصه فعلّق ضاحكا "هل ستفحصني" ليخبره هذا الأخير بأنه بصدد وضع المايكروفون فقط له. و لا تخلو ذكريات عمي ابراهيم بورجيبة من الأحداث التاريخية و ما عاشه من قلق خلال ثورة التحرير عندما تفاجأ بمراقبة المستعمر لاستديوه باستمرار بعد وصول أخبار عن قيامه باستخراج صور لمجاهدين كان بعض الشباب من المدنيين يلتقطون صورا رفقتهم بالجبل مما دفعه لتنبيه المناضلين من الخطر الذي يتربص بحياتهم و حياة المدنيين الذين يلتقطون صورا معهم. و حياة عميد المصوّرين ابراهيم بورجيبة جديرة بأن تكون محور فيلم مطوّل لثرائها بالشهادات الحية للكثير من الأحداث التاريخية المهمة التي عايشها كشاهد بالصوت و الصورة.