عبد القادر نطور قرأت مقالا صحفيا بجريدة النصر بتاريخ 2013.03.27 موسوما بعنوان غريب وعجيب وخاصة وأن صاحبه سيف الدين بكيني نسبه الى مفكر ومؤرخ كبير نكن له كل التقدير والاحترام هو أستاذنا الفاصل الدكتور أبو القاسم سعد الله الذي درسني خلال السبعينيات عندما كنت بصدد تحضير دبلوم مهندس دولة في التهيئة العمرانية وكنا نحن الطلبة ننتظر محاضرته بفارغ الصبر وأذكر أنني تحصلت على نقطة جد مرتفعة في امتحان آخر السنة الجامعية وكان وسيبقى أستاذا وأبا لي ولكل الزملاء. ولكن أستاذي الفاضل أسمح لي أن أوجه لك لوما لوم طالب لأستاذه على ما جاء على لسانك إن صح ذلك لأنني لحد كتابة هذه الأسطر لا أزال غير مصدق ما جاء في المقال المنشور بالجريدة بداية من العنوان الموسوم بالأدب الشعبي مضر باللغة القومية وتراثها وعاجز عن تأسيس حضارة. أيعقل أستاذي أن يكون الأدب الشعبي مضرا باللغة القومية وهو الذي حافظ عليها خلال الهيمنة الاستعمارية على كل المنطقة العربية وهل يتجرأ أحد منا ليقول عن الذين أبدعوا قصائد خالدة مثل قصيدة حيزيه وما أطول ذا الليل أو نصوص إبداعية مثل ألف ليلة وليلة وسيرة بني هلال وعنترة بن شداد والمقامات الخ ... أن أصحاب هذه الأعمال الأدبية الراقية هم جهلة وأميون وغير مثقفين؟ وهل هذا إنتاجا مبتورا؟ وأين اللغة السوقية العامية في هذه الإبداعات؟ وأكثر من هذا وذاك يا أستاذنا الفاضل أنه لا يجب أن نصف هؤلاء المبدعين بأن مستواهم الثقافي والاجتماعي والأخلاقي منحط وأنت تعلم أن الأغلبية الساحقة منهم من حفظة القرآن الكريم والمتفقهين في العلوم الشرعية والقواعد النحوية أمثال مصطفى بن ابراهيم وغيره. كما أن الباحثين في ميدان التراث الشعبي الذين تطلق عليهم مصطلح غريب وعجيب أيضا (بباحثي الاستعمار) أيعقل أستاذي الفاضل أن يكون: محمد عيلان، العربي دحو، عبد الحميد بورايو، عبد المالك مرتاض، عبد القادر نطور وغيرهم عملاء للاستعمار؟ وأنت المؤرخ الكبير فما عليك إلا أن تبحث في تاريخ عائلات الباحثين المذكورين آنفا وستجد أنهم من عائلات ثورية أستشهد الكثير من عائلاتهم من أجل تحرير البلاد من أذران المستعمر الفرنسي الغاشم وهم (الأبناء) الآن يواصلون جهادهم بالقلم من أجل تنقية الأدب الشعبي من الشوائب العالقة به وتنميته ليواكب العصر مثله مثل باقي العلوم المعرفية الأخرى. وأنت العارف يا أستاذي بأن الاهتمام بدراسة الأدب الشعبي في بلادنا جاء متأخرا عن البلدان الأخرى لأن البعض منا يرى ماتراه أنت إن كنت أنت فعلا ما قال الكلام المنشور في الجريدة. وأنت الأديب الكبير تعرف بدون شك طه حسين لو كان الأدب الشعبي ليس منهلا معرفيا للأجيال وينحدر بالمستوى الثقافي والاجتماعي وحتى الأخلاقي كما تؤكد. لو كان كذلك فعلا ما قبل عميد الأدب العربي الإشراف على أطروحة دكتوراه في الأدب الشعبي المرسومة بألف ليلة وليلة للأستاذة الناقدة سهير القلماوي ولو كان الأدب الشعبي غير جدير بالبحث والدراسة. ما تجشم معاناة البحث في ميدانه مثقفين كبار أمثال بالسياح بوعلام وعمار يزلي والمرحوم التلي بن الشيخ ويسمح لي الذين نسيتهم وهم غير كثيرين طبعا لحداثة دراسة هذا المعرفي الهام في الجزائر. وخلاصة القول أكرر ما قلته سابقا أنني لازلت غير مصدقا ان كانت هذه الأقوال صادرة عن أستاذنا الفاضل الدكتور أبوالقاسم سعد الله لأنني قرأت بشغف واهتمام تاريخ الجزائر الثقافي ووجدت أن الأستاذ الدكتور أبوالقاسم سعد الله يشيد بالدور الذي لعبه الأدب الشعبي في الثورة التحريرية وقال بالحرف الواحد في الصفحة 547 من الجزء العشر متأسف عن ضياع أشعار شعبية رائعة (ومن حسن الحظ أن هناك بعض الباحثين قد اعتنوا بالشعر الشعبي واستخرجوه من ذاكرات أصحابه أو من رواته ودرسوه فأصبح مرجعا للباحثين في تراث الثورة الأدبي) أعتقد أن من يقول هذا الكلام لا يصف الأدب الشعبي والباحثين فيه بباحثي الاستعمار. أما إذا كان الأستاذ الفاضل يشير إلى الأدب العامي فهو محق لأننا نحن الباحثين في الأدب الشعبي لا نعده أدبا معرفيا بل هو مجرد كلام ينتهي بانتهاء المشكلة التي يعالجها ويكون محصورا في منطقة معينة ويتوسل باللهجة الدارجة فقط ولا يرتقي إلى الدراسات الأكاديمية كما يؤكد الدكتور محمود دهني أما الأدب الشعبي فهو يتوسل باللغة العربية الفصحى في الكثير من الإبداعات أذكر منها ألف ليلة وليلة وسيرة بني هلال، وعنترة بن شداد. وعلي الزئبق والمقامات وكذا يتوسل باللهجة العامية القريبة من اللغة العربية. وكذا إن كان أستاذنا يقصد بعض المتطفلين على الشعر الشعبي فإننا نشاطره الرأي لأن هناك الكثير من المتطفلين يعتقدون بأنهم شعراء شعبيين، والشعر الشعبي برئ منهم مثلهم مثل المتطفلين على الشعر الفصيح وما أكثرهم. وفي الأخير نؤكد كما أكد أستاذنا بأن الأدب الشعبي كنز ثمين أسهم عبر الأجيال المتلاحقة في إنشاء الحضارة العربية والإسلامية وهو نافع للفرد والمجتمع ومؤرخ صادق للمجتمعات التي تناستها أقلام المؤرخين الذين كان همهم الوحيد تدوين تاريخ الحكام من ملوك وسلاطين وللأدب الشعبي الفضل في استحداث مدارس أدبية ومناهج نقدية ومعارف علمية جديدة، ولا يمكن لنا في عجالة وبأسطر قليلة حصر فوائد وأهمية الأدب الشعبي.