المدينة الجديدة علي منجلي تخطف الساهرين من المدينة القديمة بقسنطينة لبست المدينة الجديدة علي منجلي هذا الشهر حلة جديدة، فتمكنت من خطف الساهرين من وسط مدينة قسنطينة، فهذه المدينة الفتية اشتهرت في ظرف قياسي بكثرة الحركة فيها على مدار أيام الأسبوع، و بكونها مدينة لا تنام خاصة خلال الشهر الفضيل، فبمجرد مرور ساعة عن موعد الإفطار تطرح المدينة لباس الهدوء والسكينة وتتحول إلى فضاء واسع مفعم بالحيوية والنشاط، وبالنظر لطبيعة النسيج العمراني المشكل من عمارات ووحدات جوارية، يتجه السواد الأعظم من الساهرين والراغبين في التسوق وقضاء الحاجيات ومعهم الباحثين عن لحظات للراحة والاسترخاء، والتمتع بنسمات الليل هروبا من حر البيوت و تعب النهار، صوب "وسط المدينة" الذي يفتح أحضانه لاستقبال أمواج بشرية من مختلف الشرائح والأعمار، التي تحركها نشوة التسوق ليلا، فتبقى في غدو ورواح وفي تدفق مستمر على المكان حتى الساعات الأولى للفجر. روبورتاج: نورالدين - ت سهرات الرجال بين التراويح وساحات المقاهي المتجول في المدينة الجديدة علي منجلي بعد الإفطار يخيل إليه أنه في مدينة أخرى غير قسنطينة، المعروف عن سكانها تمسكهم بعادات وتقاليد وطقوس يفتقدونها في مدينتهم الجديدة، حيث أن سهرات المدينة تختلف عما عهده القسنطينيون، من جلسات اعتاد عليها رجال المدينة "القديمة"، أين عادة ما يتجمع الكثير منهم حول موائد القهوة والشاي وممارسة هواية لعب الورق و الدومينو و الضامة، فبالنظر لحداثة عهد الكثير منهم بالمكان، الذي انتقلوا إليه في السنوات الأخيرة، تجد أن الرجال في علي منجلي يتحاشون البقاء في الأحياء وأمام مداخل العمارات، فتكون الوجهة بيوت الله لأداء صلاة العشاء والتراويح، وبعدها التنقل جماعيا صوب مقاهي المدينة المعروفة بساحاتها الواسعة، والتي عادة ما توفر لزائريها فرصة ارتشاف القهوة والشاي وحتى المثلجات في الهواء الطلق، بعيدا عن القاعات المغلقة التي ينفر منها الكثير في فصل الحر، وهو عامل أسهم كثيرا في إطالة سهرات رواد المقاهي التي تم تهيئتها بشكل يسمح لها باستقبال أكبر قدر من الزبائن، في صورة مقاهي "كوسيدار" الشهيرة، أين تكثر الحركة على مدار السنة لتواجده وسط المدينة وفي الشارع الرئيسي، الذي يقصده سكان المدينة والعابرين بها. ومع ذلك هناك من الرجال من حافظ على قعدات الأرصفة وممارسة هواية لعب الورق و الدومينو على حواف الطرقات، وفي مختلف الوحدات الجوارية، كما أن تهيئة ساحات اللعب وتحويلها إلى ملاعب تتوفر على الإنارة ومحاطة بالسياج وذات أرضية مغطاة بالعشب الاصطناعي، ساهم كثيرا في بعث الحركية وسط الأحياء أين تقام المباريات والدورات الكروية، التي تستقطب جمهورا غفيرا، كما هو حال هواة لعبة الكرة الحديدية الذين تزايد عددهم ليلا بشكل لافت منذ دخول الشهر الفضيل. نجاح الأجهزة الأمنية وراء انتعاش الحركة وتسوق النساء ليلا وعلى النقيض من الرجال ترغب النساء بالتسوق ليلا عبر المحلات والمراكز التجارية والبازارات التي تكاثرت وانتشرت بسرعة البرق ، حيث أن متعة التسوق والخروج ليلا لا تتاح للقسنطينيات إلا في هذا الشهر الكريم ومرة في السنة، فعلى الرغم من الازدحام الذي تشهده المحلات والمراكز التجارية إلا أن التسوق ليلا يكون عبارة عن مزيج بين قضاء الحاجة والتنزه، فتكثر الحركة في هذه الفضاءات التجارية، التي تبين لنا من خلال جولة عبر البعض منها أنها صارت القبلة المفضلة للنساء، ومنهن اللائي يقصدن المراكز التجارية قادمين إليها من المدينة القديمة وعديد أحيائها رغم بعد المسافة، وقد أرجع حسام – ب صاحب محل أحذية نسائية بالمركز التجاري صالح باي الأمر إلى استتباب الأمن بالمدينة ونجاح الأجهزة الأمنية في إشاعة الأمان عبر عموم الوحدات الجوارية والطرقات، ما جعل العائلات والنسوة خصوصا يتجولن ويتسوقن حتى الساعات الأولى في أمان ودون أن يتعرض لهن أحد، كما أن ترسخ ثقافة التسوق لدى رواد المراكز التجارية التي عادة ما يكثر فيها النشاط ليلا، كونها توفر الأمن والنظافة والنوعية للزبائن، علاوة على أن قاصدها عادة ما يتمكن من قضاء حاجياته دون الحاجة إلى دخول عديد المحلات المتباعدة: " انتشار المراكز التجارية في المدينة الجديدة غير من سلوكات وعادات العائلات عموما والنسوة على وجه الخصوص، فمن خلال تجربتي عبر محلات الدقسي ووسط المدينة (شارع فرنسا تحديدا) وقفت على أن الزبونات اللائي كن يتحاشين دخول المحلات المزينة بواجهات زجاجية والمكيفة والمضاءة بكيفية عصرية، ظنا منهن أن الأسعار بها مرتفعة، تخلين عن هذه الفكرة وصرن يفضلن التسوق في المراكز التجارية خاصة في الفترات الليلية " وأضاف حسام "لقد امتد نشاطنا في شهر رمضان إلى ما بعد منتصف الليل، نتيجة الإقبال الكبير للنساء والعائلات" في حين كشفت لنا إحدى زبونات المحل بأنها صارت تتسوق في المراكز التجارية خصوصا في الليل لما توفره المحال بها من سلع ذات نوعية رفيعة وماركات لا تتوفر في المحلات العادية، وعن سر التسوق ليلا ردت : " في النهار أكون منشغلة بتحضير الفطور وباقي الأشغال المنزلية، كما أن حرارة الطقس وعامل الصيام يدفعانني إلى الخروج ليلا، سيما في ظل توفر الأمن ووسائل النقل". الترامواي ومسرح الهواء الطلق والمعارض التجارية لها نصيب وبعيدا عن التسوق كشفت لنا سيدة تمتهن الحلاقة بمركز تجاري أن الكثير من زائرات المحل يقصدنه نهارا لتسريح الشعر والاستعداد للقيام بالزيارات العائلية منها العادية ومنها التي تندرج في إطار حفلات الختان والاحتفال بنجاح الأبناء في مختلف الامتحانات الدراسية، ومنهن من تفضل السهر خارج البيت كاللائي يفضلن حضور الحفلات المقامة في مسرح الهواء الطلق بمناسبة ليالي سيرتا، ومن المظاهر التي وقفنا عنها الأسبوع الماضي كثرة العائلات التي تقصد المعارض التجارية المقامة في المدينة الجديدة وخارجها، وقد أسهم الترامواي في انتشار ظاهرة التسوق والخروج ليلا، لجمعه بين الأمن والراحة وحتى الفضول لاكتشاف هذه الوسيلة التي زينت ديكور المدينة، ورممت الجسور بين المدينة القديمة والجديدة، خاصة وان الكثير ممن التقيناهم في محطة التراموي يفضلون قضاء السهرة في أحيائهم ووسط جيرانهم في المدينة القديمة قبل العودة في آخر الليل إلى مدينة علي منجلي، التي يعتبرونها " حي مراقد" فقط لارتباطهم الوثيق بالأحياء القديمة المفعمة بالحياة والحيوية على حد تعبير أحد المرحلين هذه السنة من حي واد الحد. وبالعودة إلى المدينة الجديدة فإن محلات المثلجات المنتشرة خاصة في وسط المدينة قد أسهمت كثيرا في إحيائها ليلا، ولو أن اقتصار العديد من المحلات على تقديم المثلجات، دون توفيرها أماكن لجلوس العائلات، يبقى النقطة السلبية، على اعتبار أن الكثير من العائلات الباحثة عن لحظات للراحة والتخلص من عناء يوم حار أمام كوب مثلجات تضطر للتجول حاملة أكواب المثلجات أو ركوب سياراتها وحتى الجلوس على حافة الطرقات، كما تفتقر المدينة الجديدة إلى النشاطات الفنية الليلية من حفلات وسهرات، كما تفتقد العائلات إلى المنتزهات وحدائق التسلية التي توفر لها ولأطفالها فضاءات للراحة والاستجمام والترفيه، تجارة الأرصفة تزاحم المساحات الكبرى وتزيد من حركية المدينة وفي الأسبوعين الأخيرين من شهر رمضان تحول وسط المدينة الجديدة إلى سوق مفتوحة ، نتيجة انتشار الباعة المتجولين وتجار الأرصفة الذين افترشوا الأرض لعرض منتوجاتهم من الملابس ولوازم الحلويات والأواني المنزلية، ما جعل ليالي المدينة تشهد تزاحم أعداد هائلة من العائلات على المحلات والمراكز التجارية وخاصة على تجار الأرصفة بغية اقتناء ملابس العيد. وتقول السيدة كريمة التي كانت رفقة ابنتها الصغيرة وإحدى جاراتها بأنها خرجت للتسوق ليلا رغم الزحام : " لقد فضلت الخروج ليلا بالنظر لعامل الصيام نهارا وارتفاع درجة الحرارة، فبما أنني لا أقوى على الخروج نهارا في هذه الأجواء الحارة أجد ضالتي في السهرة التي اعتبرها أفضل الأوقات لاقتناء ملابس العيد ومختلف الحاجيات، سيما في ظل انتشار تجار الأرصفة الذين يوفرون لنا البضاعة بأثمان جد معقولة، خاصة ملابس الأطفال التي تعرف أسعارها ارتفاعا جنونيا في المحلات والبازارات، كما أن مهمة البحث عما يناسب ابنتي الصغيرة مهمة جد عسيرة لعدم رضاها بأي منتوج". وفيما فضلت الكثير من النساء خاصة العاملات وأفراد أسرها التسوق ليلا هروبا من حرارة الطقس في هذه الصائفة، تعتبر العديد من العائلات الأمر حجة لإقناع رب العائلة بالخروج ومن ثمة استغلال الفرصة للتنزه بين المحلات و المراكز التجارية، والتمكن من أخذ المثلجات في الهواء الطلق.