تختلف نكهة شهر رمضان بمدينة وهران عن أي منطقة أخرى في الجزائر تماما كما تختلف عروس الغرب الباهية بتفاصيلها عن كل المدن، إذ تنفرد خلال هذا الشهر الفضيل بطعم خاص ربما هي إنعكاس لروح أهلها المعروفين بالطيبة والحيوية والمرح أو هي أخرى من أسرار سحر أجمل مدن المغرب العربي المطلة على خليج البحر الأبيض المتوسط من أعالي جبال مرجاجو مداغ لقد أضفى تزامن شهر رمضان لهذا العام مع موسم العطلة الصيفية جوا خاصا حيث تفضل العديد من العائلات تناول وجبة الإفطار على شواطىء البحر هروبا من حرارة المدينة الخانقة نهارا ليتحول الأمر الى ظاهرة جديدة دخيلة على المجتمع الوهراني إذ ترى طاولة الإفطار المتزينة بالشموع متناثرة على الشواطىء تنبعث منها روائح المأكولات الشهية المعروفة بها مطابخ الغرب الجزائري المستوحاة من ترسبات ثقافات كثيرة خلفها وجود الأندلسيين والأتراك والفرنسيين لحقب مضت، فبينما يفضل البعض الإجتماع في البيت يختار الكثيرون التوجه الى قاعات الشاي العائلية لتناول مختلف المشروبات والمثلجات ومن ثمة الإستمتاع بالتنزه في أكبر وأجمل شوارع المدينة كالعربي بن مهيدي وخميستي ليتجول المواطنون بكل إطمئنان خلالها طيلة 30 يوما غير أن نهج "شوبو" الشهير بوهران يظل القبلة الرئيسية لسكان المدينة لأنه المكان الوحيد الذي يستجيب لرغبات ومتطلبات قاطني الباهية النابع من الأشجار الكثيفة التي تغطي المكان غير أنه لا يختلف عن بقية المناطق من حيث الإزدحام الذي يخلقه الزائرون القادمون من كلّ حدب وصوب والذين يسعون لإقتناء ما جاد لهم من الألبسة التي توفرها مختلف المحلات المختصة في بيع الألبسة الجاهزة وكذا المراكز التجارية المتواجدة هناك على غرار سوق "دبي" الشهير لبيع الملابس المستوردة المعروفة لدى تجار "الشنطة" وكذا مختلف مستحضرات التجمل والعطور التي تتهافت عليها النسوة رغم غلائها الفاحش. فإذا كان مقصد الناس عموما في الصباح نحو سوق المدينةالجديدة الذي يعد قطبا تجاريا هاما تتبادل فيه السلع والمنتوجات الجيدة والرديئة منها وحتى المقلدة التي تكتسح طاولات التجار والباعة المتجولين، فإن الوضع لا يختلف ليلا بحي عبد المؤمن (شوبو سابقا) حيث يتحول الطريق الرئيسي الى محج للزائرين من مختلف مناطق وهران يأتون إليه لا لشيء سوى من أجل التمتع بالأجواء الرمضانية التي يخلقها تجار الحي إضافة الى توفره على العديد من المراكز التجارية المتخصصة في بيع الألبسة الجاهزة لمختلف الشرائح في الوقت الذي تشهد فيه زحمة كبيرة والتي تنتظر على ضوئها طوابير طويلة لأخذ ما تريد، لأن تلك المحلات والمراكز التجارية خلال السهرات الرمضانية تعرف توافدا منقطع النظير للزبائن بشكل غير عادي وبطريقة تؤثر بصفة مباشرة على ميزانيتهم التي أعدوها للشهر الفضيل. ليل ينقلب الى نهار فوهران ليلا حركة دؤوبة للمارة والمركبات على حد سواء الى درجة أن الإزدحام المروري في السهرات الرمضانية يفوق في بعض الطرقات الفرعية والرئيسية الإزدحام في النهار وكأن نهار الناس إنقلب الى ليل فالعديد من الدكاكين تفتح أبوابها ليلا في هذا الشهر على غير العادة والعائلات تجدها فرصة للفسحة رفقة أبنائها وإستنشاق نسمات الهواء البارد سواء بحي شوبو أو غيره في هذا الصيف الحار، في ظل توفر الأمن والمواصلات. كما أن الشيوخ والكهول يملؤون الساحات والمقاهي لإستحضار ذكريات أيام زمان كما أن المساجد بحي عبد المؤمن تستقطب عددا كبيرا من الشباب ومن مختلف الفئات العمرية لأداء صلاة العشاء والتراويح والتي لا تنتهيإلا في حدود العاشرة والنصف ليلا، فمن الأحياء الشعبية في وسط المدينة إلى حي العقيد لطفي ونافورته المائية المتوهجة وعبر شوارع الصديقية الذي يخترق قلب البلديةإلى غاية ساحة البريد المركزي ذون التحفة المعمارية الخالدة فشارع العربي بن مهيدي الراقي، وتمثال الشهيد زبانة الذي يتقدمه وصولا إلى نهج شوبو ذو المحلات التجارية الفاخرة والتي تستقطب إليها زوّارا أكثر من شتى أنحاء عاصمة الغرب وجهتنا كانت في هذا النهج الطويل الذي أصبح يسمى »نيويورك الباهية« أو »بسوق الزوية« المعروف بتجارة السلع المتسرّبة عبرالحدود. في هذا الشارع تذكرك أزقته الشعبية بأيام زمان التي لم نعشها ولكننا سمعنا عنها الكثير ورحنا نبحث بين أزقتها ، وفي مقاهيها القديمة عن نسمة زمان ، ففي كل »حومة« يتعارف الناس فيما بينهم وكأنهم في دشرة صغيرة إلى درجة أنهم يعرفون الشخص الغريب من أبناء الحي... ففي هذه الأحياء التي يتميز أهلها »بالرجلة« و»النيف« تنتشرالجريمة الصغيرة خاصة سرقة الهواتف النقالة والإعتداءات بالدروب المظلمة كثيرا ما يقوم بها دخلاء عن الحي، ومع ذلك فالتغطية الأمنية في شوبو لا تبدو كافية وهذا ما لا يشجعك على التوغل كثيرا وسط هذه الحومات لاسيما عند مخرج الشارع أين نلاحظ فقدان شبه تام للإنارة، وذلك عند ملعب بن أحمد الهواري إلى غاية المعهد المتخصص في التكوين المهني للبنات حيث يتجنب الكثير من الناس المرور عبر هذه الأزقة خوفا من أمر مجهول قد يتعرضون إليه وسط الظلمة. وكلما توغلت في شارع كلما كثرت حركة الناس فالعيد من المقاهي الشعبية تفتح أبوابها ليلا إلى ساعات متأخرة ونفس الشيء بالنسبة لمحلات »شوبو« التي تعرض سلعا مختلفة بغية إستقبال زبائنها الذين كانوا في معظمهم عائلات وهرانية تجوب هذا الحي لإقتناء ملابس العيد ومنها ما تستغل سهرات رمضان كفرصة للتنزه وشراء بعض الألعاب للأطفال وتبقى مشكلة الأسر الجزائرية في قلة المرافق المحترمة في الليل والتي يمكنها قضاء أوقات ممتعة فيها دون التعرض مضايفات شيء لا نجده بشارع شوبو. شراهة في الأكل والشراء الورّاقات والمكاتب هي الأخرى فتحت أبوابها في ليل رمضان بهذا الحي مستغلة إقتراب موعد الدخول المدرسي وكثافة حركة العائلات والأطفال لتعرض مختلف المستلزمات المدرسية حيث يفضل بعض الأولياء إقتناء اللوازم المدرسية لأطفالهم قبيل موعد الدخول المدرسي لتجنب موجة إلتهاب الأسعار، أما الصيدليات فلاحظنا نشاطا بارزا لها لسهرات هذا الشهر الفضيل الذي تكثر فيه أمراض المعدة والأسنان بسبب الشراهة في الأجل وعدم إلتزام الحمية بالنسبة للمصابين بالأمراض المزمنة. وما يميّز هذا الشارع بدون شك هو المراكز التجارية الكبيرة الرابضة على مستواه وعلى رأسها كما أشرنا آنفا سوق »دبي« للألبسة الجاهزة الذي يعد المطلب رقم واحد من الزوار لما يحتويه من أطقم مختلفة ومتنوعة ومواد تجميلية تسيل اللعاب رغم الغلاء الفاحش للأسعار المعروضة، حسب ما صرّح لنا العديد من المواطنين الذين وجدناهم يتفرّجون على الواجهات، حائرين في أثمان السلع التي تجاوزت الخيال رغم توفر النوعية والجودة باعتبارها سلع مستقدمة من دول الخليج العربي، وتركيا وإيطاليا وفرنسا، وغيرها من الدول التي ينتعش استثمارها بالجزائر، وبصورة جعلت من هذه المنتوجات مطلبا هاما للزبائن سيما الذكور خاصة إذا علمنا أن الأطقم الرجالية المعروضة بنهج «شوبو« تتفوق على أزياء النساء وهو ما يشدّ انتباهك بمجرد ولوجك هذا الشارع الذي تتنوع فيه واجهات المحلات بالألبسة، أو بالأحرى التماثيل المزيّنة بأحدث الموضات، أما الأسعار فحدّث ولا حرج، إذ تتراوح أثمان الأطقم الخاصة بالأطفال ما بين 3000دج و6000دج حسب البلد المصنّع، وحتى تلك المصنوعة بالصين بلغت من الغلاء ما يرفع من شأنها، وإذا شئت أن تقتني لباسا أو طاقما يتماشى مع موضة العصر فعليك أن تتخلى عن بعض الضروريات وتتنازل بعض الشيء لأجل إقتناء »ثوب« يتوافق مع آخر الصيحات والأكيد لن تجد ذوقك إلا بنهج «شوبو« الذي يعرض ...من كل صنف مايسر الناظر ويمتص دماء الأولياء ويقضي على ميزانيتهم في هذا الشهر الفضيل -على حد تعبير- رب عائلة وقف حائرا في اختيار الأجود وفي شوبو أو المقلد والرٌدىء بسوق المدينةالجديدة وما عليه سوى أن يرضي رغبات فلذات أكباده التي ترسخت فيهم فكرة » الشراء من شوبو« تباهيا وإفتخارا بنوعية المنتوجات المعروضة بهذا السوف التجاري الذي لا ينام ليلا ولا تفارقه الحركة النشيطة نهارا إلى درجة أن القاطنين به لا ينعمون بالراحة النشيطة نهارا إلى درجة أن القاطنين به لا ينعمون بالراحة خصوصا في السهرات الرمضانية التي تمتد إلى غاية الصبح. الموضة في كل مكان والكثير من الزائرين والعارضين بخبايا هذا القطب التجاري الذي يحمل كل المقاييس بعد تحوله إلى قبلة المنتوجات المستوردة والمستقدمة من كل بقاع المعمورة يجزمون قطعا على أن هذا المركز التجاري يلبي بإمتياز كل أذواق ورغبات المتسوقين سيما الشباب الذي يلهث وراء ارتداء أحدث الموديلات بإعتباره سوق راق يتماشى مع الموضة وقاصد هذا المكان لن يسلم من دفع ضريبة غالية خصوصا إذا ما تعلق الأمر بشراء الألبسة والأحذية الرياضية التي تحمل ماركات عالمية مشهورة ك» بيما« و»أديداس« و»لاكوست« وغيرها من العلامات التجارية التي تستهوي عقول المراهقين فإن الأمر يختلف تماما بنهج »شوبو« الذي يعرض ألبسة رياضية مكيفة داخل محلات مجهزة بنظام التهوية تلزم الزبون المكوث أطول لتفقد وإقتناء مايناسبه رغم أن أسعار الألبسة الرياضية المتداولة بهذا السوق خيالية وتفوق القدرة الشرائية للمواطن البسيط خاصة إذا علمنا أن اللباس الرياضي لمقاس طفل دون العشر سنوات يفوق سعره ال 13 ألف دينار إذا كان يحمل علامة تجارية رائدة في انتاج هذه الألبسة. ونفس الشأن بالنسبة للأحذية التي تتراوح أسعارها ما بين 6000 دج و12 ألف دج وهو ما يعادل الراتب الشهري بكامله والغريب في الأمر أن الإقبال كبيرا على اللوازم الرياضية » فالكل يشتكي والكل يشتري« وبالنسبة للألبسة النسائية المعروضة بالمحلات الفاخرة ترضي بدرجة أولى أذواق المحجبات فهنا تعرض أشهر الألبسة الخليجية ك» المليات« وغيرعا من » الكسوة« المزركشة بالألوان وكذا الجلابة المغربية التي تباع بأسعار تفوق نصف مليون سنتيم على اعتبار أنها محاكة باليد ومزينة بالطرز الأصيل وهو ما يجعل الكثير من النسوة يفضلن إقتناء هذه الألبسة من معقلها بحي »شوبو« وللألعاب أيضا حيزا هاما من الممارسة التجارية للمحلات الرابضة بالطريق حيث نجد بمدخل الحي، عرضا مميزا لمختلف اللعب الدمى الكبيرة والصغيرة الحجم والقاصد إلى هذه البقعة إذا كان مرفوقا بالأطفال بصعب عليه إختراق مدخل الشارع. لأنه حتما سيضطر لشراء لعبة لكبت بكاء الأطفال من الذين يتشبتون بالألعاب بأيديهم وأسنانهم مخافة من ألا يفقد الوالد صوابه وبفسد عليه أبناءه الفسحة بشارع »شوبو« على الرغم من أن أسعار هذه اللعب المستوردة تعادل شراء طاقم لطفل يتجاوز عمره السنتين. والحديث عن الحركة المرورية بنهج شوبو يقودنا للتطرق إلى زحمة المركبات التي تضطر الى أخد اتجاه واحد في شهر رمضان بسبب كثرة الراجلين ليلا وذلك لغلق جزء من الطريق تفاديا لوقوع حوادث مرورية، خاصة بعدما أصبح بعض الباعة يفترشون الأرصفة ويتخدون من الأشجار مكان لعرض السلع، والمنتوجات ويسدون المنافذ على المتسوقين ليلا، إلى درجة إكتساهم للطريق الرئيسي الذي يكاد ينفجر من الإزدحام ولا يقوى على استيعاب الكم الهائل من الزوار القادمين من كل حدب وصوب. تحفة معمارية التجول في شارع »شوبو« الفسيح قد لا يحلو إلاّ بتناول المثلجات والمرطبات بأنواعها فهذا النهج الذي تعد بناياته تحفة معمارية من حيث طريقة التشيد يعتبر من بين الشوارع المفضلة للعائلات الوهرانية للتنزه والتسوق والإستمتاع ليلا بنسمة الهواء البارد، وهو ما فتح المجال للتنافس ما بين المحلات في فوضى الخدمات وتنويع المرطبات بنكهات خاصة ،ولا يهم بالنسبة للزوار ثمن هذه المنتوجات بقدر ما تحلوا لهم المتعة والجلوس بهذا النهج لترقب ابنائهم وهم يلعبون ويمرحون ولو أن أسعار المثلجات تبدو معقولة مقارنة بتلك المتداولة بوسط المدينة وما جاورها. وبالقرب من محلات بيع المرطبات تشد الناظر ساحة ضريح سيدي سنوسي الذي يعد مقصدا لمواكب »لأعراس« في الصيف ومتنفسا للنسوة ولو ليلا هي عادة لم يتركها هؤلاء النسوة بغية التبرك ببركة هذا الرجل الصالح على غرار ما تفعله اقرانهن في مناطق اخرى من الوطن، وتعد هذه الساحة مسرحا أيضا لرقصات فرق »القرقابو« حيث يتداول الشباب الذي يشق تجربة في الغناء والمديح على هذا المكان لإستقطاب المارة. وإضفاء جوا مميزا لهذا المكان الذي يحاذيه فضاء للعب يلعب فيه الأطفال تحت الظلمة لإنعدام الإنارة الليلية وتعرض هذا الفضاء للتخريب وهو لقي إستياءا كبيرا من طرف المواطنين رغم ما تتوفر عليه هذه المرافق من العاب من إلاّ أن »الظلمة« تفسد فرحة الصغار ونفس الوضعية يتواجد فيها الفضاء الجديد التي شيّد مؤخرا بالمحاذاة من مقر القطاع الحضري المقراني الذي تنعدم فيه الرؤية ليلا. ولا يزال هذا الحي يعرف توسعا كبيرا في نشاطه التجاري من خلال فتح محلات جديدة زحفت الى غاية مخرجه نظرا للأرباح الطائلة التي يكسبها الباعة من هذا المكان الذي أصبح لا يسع لمثل هذه الممارسات ولا حتى للقاطنين به التأقلم مع التغيرات الخاصة بسوق »شوبو«.