المسرح الجزائري أصبح مسرحا ريعيا وليس فنيا يتأسف الكاتب عزالدين جلاوجي لواقع المسرح الجزائري، الذي تراجع حسبه بعد انصراف أهله إلى الاهتمام بالريوع على حساب الفن، الذي كرّس له كاكي، علولة ومجوبي.. حياتهم. ويعتبر مؤلف النص المسرحي "قلعة الكرامة"؛ بأن المسرح الجزائري ما زال يعاني عجزا نقديا كبيرا. ويطالب في هذا الحوار بالاهتمام بكتابة النص المسرحي، شعرا ونثرا، كما يدعو وزارة التربية إلى الاعتناء بالمسرح في منظومتنا التربوية. حاوره: نورالدين برقادي "نزاهة العشاق" يعتبر أول نص مسرحي عربي، وهو لكاتب جزائري، هل من تفاصيل أكثر حول هذا النص وقيمته التاريخية ؟ النص بعنوان "نزاهة المشتاق وغصة العشاق في مدينة طرياق في العراق" كتبه صاحبه الجزائري إبراهيم دانينوس ونشره بالجزائر العاصمة سنة 1847، وهو نص مكتوب بلغة عامية متفاصحة نوعا ما، يقوم على السجع على عادة الكتابة آنذاك، قسّمه صاحبه إلى لوحات مجريا فيها الحوار بين شخصيات المسرحية، مع اهتمام بالإرشادات الإخراجية أحيانا، مما يجعل منه نصا مسرحيا متكاملا، وهو يدل على أن صاحبه قد اطلع بشكل أو بآخر على تجارب غربية وفرنسية بالأساس، كونه كان موظفا في الإدارة الفرنسية، وهذا يؤهل النص ليحتل الريادة في مسار المسرح العربي على الإطلاق، رغم أنه يتزامن تماما مع ما قدّمه النقاش في الشام، والفرق بينهما أن النقاش عرّب نص "البخلاء" لموليير، مما جعل منه ناقلا لا مبدعا، والاكتشاف يدل على أن التاريخ العربي في مجال الفنون ما زال يحمل إلينا المفاجآت التي قد تقلب كثيرا من الحقائق، ويدل على أن جهودنا المغاربية مازالت تحتاج إلى الكثير من البحث والتنقيب والاكتشاف، والتعريف بها خاصة لإخواننا المشارقة الذين بنوا المشهد الثقافي العربي الحديث وحتى القديم وفق ما توفر لديهم. إلى جانب ريادة النص المسرحي الجزائري عربيا، للنص الروائي الجزائري الريادة عالميا، إذ يعتبر نص "الحمار الذهبي" لمؤلفه "أبوليوس لوكيوس" أول رواية في التاريخ. كروائي، هل استفاد الأدب الجزائري من هذه الريادة ؟ لا يمكن الجزم بأن الحمار الذهبي رواية بمفهومها المعاصر، كون هذا الجنس لم يعرف في أوروبا إلا بعد ذلك، غير أني أتصور أن الأديب الجزائري العملاق أبوليوس قد كتب في ثقافة أخرى، وبلغة أخرى، مما يجعله أكثر انسجاما مع الثقافة التي كتب فيها ولها، فالرجل رغم جزائريته التي لا نشك فيها، قد عاش في روما وأثينا، وأخذ علومهم ولغاتهم، وكتب وفق قيمهم الفنية والجمالية، وهو يشبه إلى حد كبير غير العرب الذين أبدعوا ضمن الحضارة العربية، وحتى نص إبراهيم دنينوس المسرحي لا يمكن أن نبني عليه كونه كان نصا يتيما مفردا، كالحمار الذهبي، بمعنى أن المسرح والرواية في الجزائر لم يتحولا إلى ظاهرة في الثقافة الجزائرية القديمة. أما فكرة الاستفادة من هذه الريادة، فهي منعدمة، أولا لأن اكتشاف العملين كان متأخرا، وثانيا لأن الجزائر لم تبدأ نهضتها الإبداعية إلا في أحضان الحركة الوطنية والحركة الإصلاحية، وفيهما كان التأثر قويا بالمشارقة، خاصة فيما كتب بالعربية، ونحن مطالبون الآن أن نستفيد من كل موروثنا وثقافتنا وتاريخنا، وأعتقد أن ما قدّم إلى اليوم من جهود إبداعية جزائرية هو أقل بكثير من الخزان الثري للثقافة الجزائرية. اختارت الجزائر في بداية الاستقلال التوجه الاشتراكي، وبعد أحداث أكتوبر 1988، تحوّلت إلى النهج الليبرالي، ما مدى تأثير الأيديولوجيا على المسرح الجزائري ؟ لا شك أن تأثير ذلك كان عميقا وشديدا، سلبا وإيجابا، المسرح قبل الانفتاح كان مسرح قضية، قضية المسرح أولا، وقضية المجتمع ثانيا، لقد حمل رجاله هم إقامة دعائمه وتثبيته، بل والتجريب فيه محاولين إيجاد مسرح جزائري، كما في جهود علولة مثلا، وقبله الكبار ككاكي وباش طارزي، وحملوا همّ المجتمع فكان المسرح منبرا قويا لبناء المجتمع والرقي به، وما نحن فيه الآن للمسرح الجزائري الدور الكبير فيه، دون أن نغفل تأثير ذلك على المستوى الفني والجمالي للمسرح. المسرح بعد ذلك فقد وهجه، وإن تحرر من قبضة التوجيه والإلزام، لقد صار معظم المسرحيين يبحثون عن المدخول المادي، وانتقل المسرح من قضية قدم من أجلها الرواد الكثير حبا فيه، وإيمانا بدوره، إلى مسرح لتحقيق الريوع، ولعل ذلك يثبته أن المسرح الجزائري من عقود أصيب بالعقم، فلم يقدم أسماء كبيرة كعلولة ومجوبي رحمهما الله وغيرهما، ولم يحصد الجوائز العربية كما كان يفعل، ولعل قائلا يقول إن ذاك هو ما وقع فيه المسرح العربي كله، أنا أتحدث عن المسرح الجزائري، وهو الذي يهمني بالأساس، وأرجو أن يعود إليه ألقه وعبيره. لغات المسرح في الجزائر متعددة (عربية، أمازيغية، فرنسية)، هل اختلاف اللغة يقابله اختلاف المواضيع المعالجة من لغة إلى أخرى ؟ كان أسلافنا الرواد يبتعدون عن استعمال الفرنسية كونها كانت آنذاك منفذا للاستعمار وثقافته، حتى وهم يستلهمون هذا الفن من الفرنسيين أنفسهم، بل وبحضورهم، مما جعل هذا الآخر ينظر إليهم بإكبار، لقد كانوا يكتبون مسرحهم بالعربية حتى لو كانت عامية، بل إن النص المسرحي الجزائري نشأ في الجزائر أواسط الثلاثينات من القرن الماضي فصيحا ابتداء من جهود على طاهر، والأمر ذاته بالنسبة للغتنا الأمازيغية التي دخلت المسرح بعد ذلك بقوة، وهما لغتان عبرتا وما زالتا عن كل همومها وأحلامنا وآلامنا، ومهما يكن فإن اللغة المستعملة لا يعني أبدا اختلاف المواضيع المطروقة، لأن المعبر واحد وهو الإنسان الجزائري بقيمه وانتمائه، ويمكن الاستدلال على ذلك بالرواية الجزائرية المكتوبة بالفرنسية، لدى الأدباء الجزائريين الرواد. ينادي بعض النقاد بمسايرة نقدية جادة للأعمال المسرحية، كيف هو حال النقد المسرحي في الجزائر ؟ وتلك ثالثة الأثافي كما يقال، ما زال المسرح الجزائري يعاني عجزا نقديا كبيرا، ومعظم ما قدم إما أنه نقد أدبي يرتبط أساسا بالنص، أو على أبعد تقدير يهتم بالتأريخ للمسرح الجزائري، أما دون ذلك فلا شيء يذكر، ليس هناك اهتمام نقدي بالمسرح على الخشبة، وليس هناك تطبيق للمناهج النقدية الجديدة على المسرح نصا وركحا، وأعتقد أن سبب ذلك هو إبعاد المسرح عن الجامعات، وهو عن التعليم العام أبعد. لك كتاب حول النصوص المسرحية المغاربية، أين تضع النص المسرحي الجزائري مغاربيا وعربيا ؟ لي كتاب بعنوان "النص المسرحي في الأدب الجزائري"، رصدت فيها تأريخيا وجماليا النص المسرحي في الجزائر، ابتداء من جهود علي طاهر، ثم أصدرت كتابا آخر باتحاد الكتاب العرب بعنوان "شطحات في عرس عازف الناي"، قاربت فيه نص تحولات عازف الناي للكاتب العربي الكبير علي عقلة عرسان، وأصدرت العام الماضي كتابا آخر بعنوان "المسرحية الشعرية في الأدب المغاربي المعاصر"، وأكملت كتابا آخر أخذ مني جهدا كبيرا لعله سيرى النور قريبا، كما صدرت لي ثلاث عشرة مسرحية للكبار، وأربعون مسرحية للصغار، وأنتظر هذه الأيام صدور نصوص جديدة ستكون حاضرة بالمعرض الدولي للكتاب. ومهما يكن فإني أستطيع أن أؤكد أن ما يكتب في الجزائر من نصوص مسرحية هو أقل بكثير مما يكتب في دول مغاربية أخرى، يأتي المغرب الأقصى في المرتبة الأولى، وقد شهد حركة إبداعية كبيرة، على مستوى كتابة النص المسرحي، وعلى مستوى النقد المسرحي، ويكفي أن نذكر الأستاذ الدكتور عبد الكريم برشيد، مؤسس الاحتفالية، ونذكر عبد الرحمن بن زيدان، وللإخوة في تونس جهود رائعة أيضا، لقد تحول محمود المسعدي منذ السد إلى مدرسة، ولجهود عزالدين المدني حضورا قويا ومتميزا، ليس مغاربيا فحسب بل عربيا أيضا. وهو الذي مازلنا نفتقده في الجزائر، إن معظم كتاب المسرح عندنا جاءوه من خارجه، كالتاريخ مثلا (أحمد توفيق المدني) ، أو الرواية (الطاهر وطار)، أو الشعر (محمد العيد)، ما زلنا بحاجة إلى اهتمام بكتابة النص المسرحي، شعرا ونثرا. بعض النصوص المسرحية الجزائرية مستلهمة من التراث، مثل تجربة المرحوم عبد القادر علولة، هل نظر المسرح الجزائري للتراث كشيء حي فيه ما يفيد حاضرنا ومستقبلنا أم كجزء من الماضي فقط ؟ لا يمكن إصدار حكم عام على كل ما قدم، ولكن لابد من دراسة كل تجربة منفصلة، فالتراث والتاريخ، يمكن أن يحضرا كما هما، وإن كان هذا الحضور لا يمكن بأي حال من الأحوال أن ينفصل عن الواقع، فكل كتابة للماضي أو للتراث هي كتابة بشكل أو بآخر للحاضر أيضا، غير أن المسرح في كثير من محطاته امتطى التراث و التاريخ، ليقول غير ذلك، ليقول الحاضر والمستقبل، ومثال ذلك حضور جحا من التراث، أو حضور المتنبي وصلاح الدين وغيرهما من التاريخ. يعتبر مسرح الطفل المدرسة الأولى لتعلّم قواعد المسرح، كيف هو واقع مسرح الطفل في الجزائر، في ظل غياب المسرح المدرسي ؟ وهذا مصيبته أدهى وأمر، ورغم المحاولات التي يقوم بها الإخوة المخرجون والممثلون، وبعض الأدباء وهم قلة، فإن جهود التأليف قليلة جدا، لقد صدر لي أربعون نصا مسرحيا عن وزارة الثقافة، وأسعى هذه الأيام لإعادة كتابة هذه النصوص وإضافة نصوص جديدة لأساهم في سد هذا الفراغ، رغم ذلك أدعو الإخوة الأدباء إلى الاهتمام بالكتابة للطفل، وأدعو وزارة التربية إلى الاهتمام بالمسرح في منظومتنا التربوية، إما بتحديد حصة خاصة به على غرار الموسيقى والرسم مثلا أو دمجهم جميعا في حصة باسم حصة الفنون، المهم هو العمل على عودة المسرح إلى المدرسة، والتشجيع على الكتابة للطفل. إلى جانب البحث في المسرح، تكتب الرواية، ماهي آخر مشاريعك الروائية ؟ أصدرت حتى الآن خمس روايات، هي "الفراشات والغيلان"، "سرادق الحلم والفجيعة"، "راس المحنة1+1 0="، "الرماد الذي غسل الماء"، "حوبة ورحلة البحث عن المهدي المنتظر"، أعكف هذه الأيام على كتابة رواية جديدة، كما أستعد لخوض غمار كتابة الجزء الثاني من "حوبه"، ولأن الجزء الأول غطى الحركة الوطنية، فإن الجزء الثاني سيغطي الثورة التحريرية. وماذا عن جديدك في الكتابة للمسرح ؟ أخبرتك عن جهدي النقدي الذي أكملته من أيام، إضافة إلى سلسلة نصوص سترى النور في المعرض الدولي للكتاب وهي سبعة كتب، إضافة إلي اختيار نصي "حب بين الصخور"، ليرى النور على خشبة المسرح.