تحالف ارتفاع الأسعار بالسوق العالمية و حلي الفنتازيا يتسبب في كساد الذهب و الفضة يغرق سوق الذهب و الفضة بالجزائر في السنوات الأخيرة في كساد كبير، مما أحال حرفيين على البطالة و أرغم آخرين على تغيير النشاط نتيجة الارتفاع الكبير لأسعار هذين المعدنين النفيسين بالسوق العالمية و مقاطعة الأغلبية لشرائهما، مع التحول إلى ما يعرف بحلي الفنتازيا و المجوهرات المقلدة، وسط تحذيرات من ترويج كميات كبيرة من الذهب المغشوش في الأسواق الشرقية خاصة. الحركية التجارية النشيطة لمحلات الصياغة بالشرق الجزائري، لم تعد كما كانت عليه في وقت سابق، فالكساد و الجمود يطغيان عليها، مما أرغم أغلبها على إزالة الكميات الكبيرة من الذهب التي كانت تزيد من بريق واجهاتها، ليحال عدد كبير من التجار على البطالة الإجبارية و يتقلص عدد حرفي المجوهرات الأصليين الذين حول البعض منهم نشاطهم إلى تجارة أخرى يرونها أفضل من فتح محلات دون نشاط و دفع غرامات دون تسجيل أي أرباح. يرجع أحد التجار بقسنطينة مثلا، الإشكال إلى الارتفاع الكبير في أسعار الذهب بالسوق العالمية الذي زاد بمعدل بلغ 60 في المائة خلال السنوات الأخيرة، مما ألهب الأسعار و جعل المواطنين يقاطعون الذهب لعدم تمكنهم من شراء و لو قطع صغيرة منه ، و يضيف بأن الحلي التقليدية الكبيرة الحجم ك"الجرارة" و "السخاب" و "المحزمة" لم تعد تباع تقريبا، و أصبح التجار يشتكون من الكساد الذي جمد أموالا ضخمة وسط ارتفاع جنوني تسبب في إفلاس الكثيرين، حيث يتراوح سعر الغرام الواحد منه بين 4500 و 5000 دينار جزائري . ذات المتحدث أكد في شق آخر، بأن حتى بعض المجوهرات المعروضة بمحلات الصياغة، مغشوشة، فالذهب الممزوج بمادة الكالديوم التي تستعمل في تلحيم الذهب ينتشر بشكل كبير في الأسواق خاصة بالشرق الجزائري، و هو ما يكتشفه الصائغ فجأة عند عملية البيع أو التصليح. علما بأن الزبائن يشترونه بسعر الذهب العادي، و هو ما يشكل في نظره ضربة أخرى لسوق الذهب. حتى محلات بيع الفضة لم تسلم من الأزمة و تشير معطيات ميدانية إلى أن الكساد قد امتد أيضا إلى محلات بيع الحلي المصنوعة من الفضة ، فقد كشفت جولة لنا بين هذه المحلات ببعض ولايات الوسط الجزائري المعروفة بهذا النشاط كبومرداس و الجزائر العاصمة، بأن عدد الزبائن قد تراجع بشكل كبير خلال السنوات القليلة الماضية، و هو ما يفسره أصحابها بالارتفاع في الأسعار الذي طالها هي الأخرى، و أصبحت حتى الحلي التقليدية الأمازيغية لا تباع كما كانت في السنوات السابقة بعد أن بلغ سعر الكيلو غرام الواحد 3 ملايين سنتيم، مما يعني الارتفاع إلى الضعف تقريبا. محلات كثيرة أغلقت أبوابها بسبب ضعف العملية التجارية ،حسب ما أكده لنا عمار أحد باعة المجوهرات الفضية ببلدية بودواو ببومرداس، و إن كانت الأزمة لم تؤثر على الزبائن بالوسط الجزائري بالشكل الذي أثرت به على مستوى الولايات الشرقية الولوعة بالذهب، إلا أن طريقة التفكير قد توحدت بالنسبة إليهم، و تحولت الأنظار إلى المجوهرات المقلدة التي تنامت محلاتها كالفطريات، لتضاف إليها محلات جديدة تعرف بالفانتازيا. مجوهرات الفانتازيا تحكم سيطرتها على سوق الحلي بالجزائر نساء كثيرات و أمام الغلاء الفاحش لأسعار المصوغات المصنوعة من الذهب و الفضة، لم تستسلمن، كما قالت لنا احدى السيدات اللائي وجدناها بواحد من هذه المحلات، فقد بحثت لتجد بديلا تقول بأنه بات أفضل من الذهب و الفضة، هي مجوهرات الفانتازيا المرصعة بالأحجار الكريمة و التي تمنح حسبها أكثر جمالا و تميزا للمرأة، فهذه الحلي تلقى رواجا كبيرا خلال السنتين الأخيرتين في المجتمع الجزائري بأكمله بسبب تزايد عدد زبائنها. لا تستعمل حسب ما وقفنا عليه هذه المجوهرات للخروج من البيت فقط، و إنما باتت تستعمل للتزين في الأعراس، فحتى نساء قسنطينة اللائي لطالما رفضن التنازل عن "المحزمة المشبكة"، "السخاب" و "الجرارة"، قد غيرن نظرتهن، و باتت حلي الفنتازيا المرغوبة الأولى في الأعراس عوضا عنها، بسلاسل تتوسطها قلادات ضخمة مرصعة بأحجار الزركونيا، و العقيق و الفيروز، ليتم صنع مجوهرات تتلاءم مع المجتمع القسنطيني و المتمثلة في الحزام الذي يصل سعره إلى 5 ملايين سنتيم علما أنه مصنوع من الفضة. و إن كان غلاء أسعار الذهب قد أجبر نساء كثيرات على التوجه إلى المصوغات المقلدة و الفنتازيا، فإن نساء أخريات ميسورات جدا يبحثن من خلالها عن التميز، فتقول سيدة وجدناها بمحل للفنتازيا بأن جمال و بريق هذه المجوهرات هو ما يدفعها لشرائها، مؤكدة بأنها تمتلك مجموعة كبيرة منها و تحرص على اقتناء جميع الأشكال و الألوان. نساء مدمنات على حلي الشيشخان و الفضة المطلية بالذهب الأبيض الفانتازيا أو "الشيشخان" كما يطلق عليها في أوساط عشاقها ،القادمة من إيران و الهند، قد شكلت ما يشبه الإدمان بالنسبة للكثيرات و إن كن غير ميسورات، فكل من التقيناهن في مثل هذه المحلات يجمعن على أنهن يعشن حالة ادمان على اقتنائها بين الحين و الآخر و جمعهن كميات هائلة منها. علما بأنهن يحرصن على التنويع بين الحلي المزينة بالأحجار الزاهية الألوان و كذا الفضة المطلية بالذهب الأبيض، و هي الحلي التي يقلن بأنها و إن ارتفعت أسعارها نوعا ما، غير أنها تبقى في متناول شريحة واسعة من المجتمع وجدت ضالتها بها. أضافت سيدة أخرى بأنها تعمل بمبدأ الشراء بالتقسيط عندما تعجز عن شراء قطعة معينة دفعة واحدة، و تقول أخرى بأنها تضطر إلى الاقتراض من زميلاتها في العمل، أما صاحب المحل، فيؤكد بأن عدد الزبونات في ارتفاع متزايد، مما يحدث ازدهارا في تجارة تعتبر فتية بالمجتمع الجزائري. و يبقى الإرتفاع الفاحش في سوق الذهب بالسوق العالمية، و ظهور بديل يتمثل في مجوهرات الفانتازيا يشكلان تحالفا أطاح بتجارة الذهب و الفضة بالجزائر، في انتظار عودة الأمور إلى سابق عهدها و تسجيل استقرار في الأسعار يضمن استقرار العائلات اقتصاديا.