الشاذلي كان إنسانيا ونزيها ولم يناهض سياسة بومدين أجمعت تدخلات رفقاء الرئيس الأسبق الراحل المجاهد الشاذلي بن جديد في الندوة الوطنية التي خصصت للذكرى الأولى لوفاته، على أن الفقيد ورغم ما قيل عن خصاله ومسيرته النضالية الطويلة منذ التحاقة بالكفاح المسلح حتى توليه سدة الحكم، لم يوف كل حقه بالنظر لاسهاماته الكبيرة في بناء الدولة الجزائرية الحديثة والانجازات التي تحققت في عهده والتي يعترف بها العدو قبل الصديق. و أكد الدكتور محي الدين عميمور الوزير الأسبق و المستشار الاعلامي للراحل بن جديد، في الندوة التي عقدت أمس بجامعة الطارف تحت رعاية رئيس الجمهورية، أن الراحل يبقى أحد الرموز البارزة و أحد القادة الذين انجبتهم القاعدة الشرقية مبرزا خصال ومآثر الرجل إبان الثورة التحريرية وبعد الاستقلال ومساهمته الفعالة في إعادة بناء البلاد . وأوضح عميمور أن الشاذلي بن جديد الذي ينحدر من أسرة مجاهدة كان من الرعيل الأول الذي التحق بالثورة التحريرية و تبوأ خلالها عدة مسؤوليات إلى غاية الاستقلال، بحكم الثقة التي كان يتمتع بها لدى قادة الجيش والجبهة آنذاك . وقال المتحدث أن بن جديد يبقى من أفضل الرجال الذين انجبتهم الجزائر ومن أحسن رؤساء العالم الثالث والدول العربية، وأضاف المتحدث أن الراحل كان كل همه خدمة شعبه والتكفل بمشاكله، فضلا على أن الشاذلي معروف عنه أنه رجل نزيه ومن الأوفياء ناهيك عن أخلاقه الحميدة، من ذلك عطفه وحنانه و خجله، فهو يقدر ويحترم الجميع و لم ينس في أي وقت رفقاءه في السلاح الذين كان يتفقد أحوالهم ويسأل عنهم ويتابع همومهم ومشاكلهم اليومية . وقال عميمور أن الرئيس الراحل بن جديد بذل جهدا كبيرا لاستعادة متطلبات العمل الرئاسي، نافيا في سياق متصل ما يتداول بخصوص وجود تكتلات وصراعات بين بوتفليقة ويحياوي والشاذلي ومحاولة قطع الطريق على الشاذلي لتولي الحكم بعد وفاة بومدين، وهي الاشاعات التي وصفها بالمغرضة بحكم العلاقة الوطيدة التي كانت تجمع هؤلاء بأحد ابطال الثورة التحريرية. و كذلك الحال بالنسبة لما يتداول بشأن انزعاج الشاذلي من سياسة بومدين والدليل على ذلك يقول عميمور، أن بن جديد كان من المقربين من الراحل بومدين وعمد الشاذلي بعد وصوله إلى سدة الحكم إلى مواصلة طريق البناء والتشييد الذي بدأ مع تسمية مطار وجامعة الجزائر باسم بومدين وذلك عرفانا بما قدمه هذا الأخير لوطنه وشعبه . من جهة أخرى عرج عميمور على مواقف الراحل من بعض القضايا الاقليمية وفي هذا الخصوص، قال أن مستوى بن جديد كان مشرفا للجزائر في المحافل الدولية بحكم ذكائه وحنكته ومواقفه الشجاعة، فضلا على أنه كان معروفا عنه كيف يأخذ القرار المناسب ودراسة الملفات والقضايا المطروحة عليه بدقة .كما أن الشاذلي بن جديد يحسب له، أنه هو من أسس لمصطلح الامازيغية في الجزائر بعد تحفظه على شعار الجمعية الثقافية البربرية . وتحدث الدكتور عميمور عن مسيرة الفقيد بداية بالتحاقه بالمدرسة الابتدائية بعنابة عسلي حسين حاليا، ثم التحاقه بالعمل المسلح سنة 1955 بمنطقة القالة التي كانت تحت قيادة عمارة بوقلاز اثبت خلال ذلك شجاعة بطولية سمحت له بتولي قيادة الكتيبة رقم 1 تحت قيادة الفيلق الذي يقوده شويشي العيساني قبل أن يعين أواخر 1957 قائدا للفيلق ليواصل مسيرته المسلحة، و التي أثبت فيها جدارته في المعارك البطولية التي خاضها بالقاعدة الشرقية منها معركة بوعباد،بوقوس .ام الطبول الزيتونة والهجوم على مراكز العدو، ناهيك عن مساهمته الفعالة في فك الحصار عن الحدود الشرقية التونسيية بعد إقامة الجيش الفرنسي الأسلاك الشائكة لخطي شال وموريس لعزل الثورة، ليعين بعدها الشاذلي سنة 1960 نائبا لقائد المنطقة الشمالية تحت قيادة الرائد عبد الرحمن بن سالم إلى غاية الاستقلال. وفي هذه الفترة عين بن جديد على رأس قيادة الناحية العسكرية الخامسة والثانية كما ساهم في احباط محاولة الانقلاب التي قام بها الزبيري وشعباني قبل أن يقع عليه الاجماع لتولي سدة الحكم بعد رحيل هواري بومدين . أما ممثل الأمانة الوطنية للمجاهدين السيد المتهني عليات، فقال أن الجزائر حققت العديد من الانجازات في عهد حكم بن جديد فعلاوة على الاصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي قام بها، واصل دعم الحركات التحريرية في العالم و وقف إلى جانب القضية الفلسطينية من خلال احتضان الجزائر ميلاد الدولة الفلسطينية سنة 1988. وفي الحياة الاقتصادية سعى الراحل بن جديد حسبه، إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والاهتمام بالصناعة تحت شعار من أجل حياة أفضل مع مواكبة التطورات الحاصلة في مختلف المجالات . كما يحسب للشاذلي مثلما أضاف أنه أبو الديمقراطية والتعددية السياسية في الجزائر بعد أحداث 5أكتوبر قبل أن يقرر الانسحاب بشرف من رئاسة البلاد ومن الحياة السياسية بعد توقيف المسار الانتخابي في 1991 وتفرغه لحياته الخاصة دون الخوض في أي تصريحات إعلامية مع التزامه الصمت رغم المحاولات التي قامت بها كبرى القنوات الأجنبية لإجراء حوارات معه. من جهته قال كاتب مذكرات الراحل بن جديد عبد العزيز بوباكير بأنه تعرف صدفة على الرئيس الاسبق والذي لمس فيه الانسانية والعفوية والأخلاق العالية والعطف والحنان، مشيرا إلى أن بن جديد كان يرفض استقبال اي مسؤول رسمي عدا استقباله رفقائه في الكفاح المسلح، أو افراد عائلته. وأضاف المتحدث بأنه لمس خلال فتره تردده على الشاذلي تطليقه السياسة والتزامه بأداء فريضة الصلاة في وقتها،وأنه كان يفضل دائما تلاوة سورة داود خاصة الآية 26. كما كان الشاذلي يرفض توظيف الإسلام في الصراعات السياسية حيث كان ينظر للدين على أنه دين للتسامح والتآخي وفض النعرات بحكم ترعرعه في بيئة محافظة ومتدينة تنبذ التطرف و تسعى لبسط التسامح ، زيادة على ذلك كان الشاذلي شديد يحرص على مواصلة انجاز جامعة الأمير عبد القادر خلال فترة حكمه ودعمه إقامة الندوات الفكرية وجلب العلماء والأئمة من الخارج لإنشاء منارة علمية في الجزائر تضاهي تلك المتواجدة في بعض الدول العربية كجامع الزيتونة والأزهر وهو ما يتجلي في تشجيعه جلب كبار العلماء والمشايخ لتكوين أئمة في مستوى تطلعات هذا الشعب، بعيدا عن التطرف والأصولية . وقد عرفت الندوة الأولى لذكرى وفاة الرئيس الاسبق الراحل المجاهد الشاذلي بن جديد حضور محتشم لرفقائه. ودعت الأسرة الثورية إلى ضرورة التأريخ لهذه الشخصية الوطنية اقترحت بأن تحمل جامعة الطارف اسم الفقيد لتخليد مآثره للأجيال القادمة. ق/باديس