التلفزيون العمومي سيكون المستفيد الأول من تحرير المجال السمعي البصري يعتقد الإعلامي والمقرر السابق للجنة الثقافة والاتصال بالمجلس الشعبي الوطني التي تولت دراسة مشورع القانون العضوية للاعلام، أن دخول قنوات جديدة مفيد للتلفزيون العمومي، و يرى أن الانتقادات الموجهة لمشروع قانون السمعي البصري مبالغ فيها من منطق أن يكون للنشاط السمعي البصري قانون سيء أفضل من أن لا يكون له قانونا أصلا. ما هي قراءتكم لمشروع قانون السمعي البصري؟ هذا المشروع قد أثار فيّ الكثير من القلق المشروع الذي قد أتقاسمه مع الكثير من الإعلاميين وقد أكون أكثر منهم قلقا عندما أجد المشروع يتناقض في الكثير مع القانون العضوي المتعلق بالإعلام ،حيث يجب أن لا تكون تشريعاتنا الإعلامية هي الأخرى تقوم على النسخ واللصق ولا يجب علينا أن نقلد غيرنا من الدول في الأسوأ من القوانين ذات الصلة بالتشريعات الإعلامية. و لكن الأمر الإيجابي في مشروع القانون هو أنه يسعى إلى تنظيم القطاع السمعي البصري، والذي يضع الكثير من الضوابط التي قد تظهر في شكل قيود أو عراقيل لا تساعد على الانفتاح وتكرس المزيد من الانغلاق. أن يكون للنشاط السمعي البصري قانون سيء أفضل من أن لا يكون له قانون، بل الأسوأ من السيئ أن ينشط الصحفيون في المجال السمعي البصري بدون قانون ، مثلما أصبح عليه الأمر قبل أن يتوفر الإطار القانوني لممارسة النشاط السمعي البصري. هناك من ينتقد النص ، لأنه يحد من حرية إنشاء القنوات ، من خلال التنصيص على إنشاء قنوات موضوعاتية ما رأيك؟ إن عدم الترخيص بالنشاط السمعي البصري للقنوات الخاصة بأن تكون عامة قد يعبر عن إجحاف ويخل من الناحية المبدئية بالمنافسة الحرة وبحرية الصحافة والحق في الإعلام، مثلما ينص على ذلك القانون العضوي المتعلق بالإعلام. ولكن يجب علينا أن لا ننظر إلى النصف الفارغة من الكأس بحيث أن مشروع القانون يسمح للقنوات الموضوعاتية بإدراج الحصص والبرامج الإخبارية . غير أنني أعتقد أن مسألة الخدمة الموضوعاتية والعامة قد تجاوزها العصر، خاصة في خضم الثورة الإعلامية والمعلوماتية والتكنولوجية وما ترتب عنها من تطور في مجال الاتصال والتواصل ، بل إن النقاش الحقيقي يجب أن يكون حول الخدمة العمومية وضمان الحق في الإعلام والاتصال والتواصل. ولذلك فإني لا أعتقد أن هناك ما يعيق القنوات الموضوعاتية في أن تكون ذات مضامين عامة مثلما لا يوجد هناك أي عائق من أن تكون القنوات العامة ذات مضامين موضوعاتية. منحت سلطة الضبط صلاحيات واسعة ، ألا تخشى أن يساء استغلال هذه الصلاحيات وخصوصا أنه لا يوجد من يحاسب هذه السلطة؟ ليست القضية في الصلاحيات الواسعة التي تتمتع بها سلطة ضبط النشاط السمعي البصري ، بل المشكلة في تركيبة هذه السلطة الضابطة للنشاط السمعي البصري، حيث ينص مشروع القانون على أنها تتشكل من تسعة أعضاء يعينون بمرسوم رئاسي ، يختار رئيس الجمهورية خمسة أعضاء من بينهم رئيس سلطة الضبط ، ومن أربعة أعضاء آخرين يقترح رئيس مجلس الأمة ورئيس المجلس الشعبي الوطني عضوين غير برلمانيين لكل منهما. ولذلك أقول من غير المنطقي ومن غير المعقول، أن يكون كل أعضاء سلطة ضبط السمعي البصري معينين بينما نصف أعضاء سلطة ضبط الصحافة المكتوبة منتخبين مثلما ينص على ذلك القانون العضوي المتعلق بالإعلام والذي هو بمثابة القانون الإطار الذي يجب أن تتطابق معه أحكام القانون المتعلق بالنشاط السمعي البصري، بل إن سلطة ضبط السمعي البصري سوف تصبح مشكوكا في استقلاليتها ومصداقيتها خاصة عندما يتعلق الأمر بتسوية النزاعات . وفي هذا الشأن فإنني ألح على أهمية انتخاب نصف أعضاء سلطة ضبط السمعي البصري، فسلطة ضبط السمعي البصري يجب أن تكون من حيث التركيبة البشرية والعددية مثل سلطة ضبط الصحافة المكتوبة والتي تتشكل من أربعة عشر عضوا يعينون بمرسوم رئاسي ، حيث يعين رئيس الجمهورية منهم ثلاثة أعضاء من بينهم رئيس سلطة الضبط ، بينما يقترح رئيس المجلس الشعبي الوطني عضوين غير برلمانيين ، وكذلك الأمر بالنسبة إلى رئيس مجلس الأمة الذي يقترح هو الآخر عضوين غير برلمانيين. ألا تخشى من تكرار فوضى الصحف المكتوبة و التي أغلبيتها الساحقة لا يعرفها القارئ ؟ أعتقد أن تجربة التعددية الإعلامية على مستوى النشاط السمعي البصري تكون قد ولدت بطريقة قيصرية بل إنني أخشى أن تجهض التجربة قبل ميلادها أو أن تتعرض للوأد بعد أن تولد، و إني أذْكر وأتذكر أن تجربة التعددية الورقية قد كانت رائعة وثرية في بداياتها الأولى وقد كانت التجارب الأولى تعد على أصابع اليد الواحدة حيث أن الحقيقيين من أصحاب مهنة المتاعب هم الذين خرجت التعددية الإعلامية من أرحامهم ومعاناتهم خاصة في ذلك الزمن الرهيب الذي تحولت فيه الصحافة من مهنة المتاعب إلى مهنة الموت ، ولكن للأسف الشديد بعد عشرية تعددية إعلامية ثرية، انحرفت التجربة عن سكتها وعن مسارها بعدما تحولت الصحافة إلى مهنة من لا مهنة له حيث التحق بها المزيفون من أشباه الصحفيين وسيطر عليها المزيفون من رجال المال والأعمال. و الملاحظة تجعلنا نقول إن الفوضى أو فيروس الفوضى الذي قد أصاب الصحافة المكتوبة قد انتقلت عدواه إلى الصحافة البصرية وكأننا قد انتقلنا من الجرائد الورقية إلى الفضائيات الورقية أو الوريقات الفضائية. هل يوفر مشروع القانون المتعلق بالنشاط السمعي البصري الضمانات لظهور قنوات جزائرية تعرض برامج نوعية ؟ الإطار القانوني لا يعيق ظهور البرامج النوعية في القنوات التلفزيونية الخاصة بل يشجع على ذلك، وهو ما يجب أن تحرص عليه سلطة ضبط السمعي البصري والذي يدخل ضمن مهامها الرئيسية. بل إن الأمر يتصل بالأداء الإعلامي للقنوات التلفزيونية مهما كانت طبيعة ملكيتها سواء كانت خاصة أو عمومية. إن الجودة المهنية هي التي تفرض نفسها بنفسها ، فلا شك أن القنوات الإعلامية أو البرامج التلفزيونية الجيدة هي التي تطرد السيئ والرديء من سوق المنافسة السمعية البصرية. وبالفعل فقد سبق لنا أن توقفنا على برامج ناجحة بكل المقاييس المهنية في بعض القنوات التلفزيونية لزملاء مهنيين على درجة عالية وعلى العكس من ذلك، فإن برامج أخرى أو قنوات أخرى طردت مشاهديها أو أن المشاهدين هم الذين طلقوا مثل تلك البرامج والقنوات السيئة والرديئة. ما هو انعكاس ظهور قنوات جديدة على التلفزيون العمومي، وهل التلفزيون العمومي قادر على الاحتفاظ بمشاهديه ؟ يجب أن نؤكد أن المؤسسة الإعلامية التلفزيونية العمومية أكثر مهنية من غيرها مما يعرف بالقنوات الجديدة ، وإذا كان بعض الناقدين يتهمون التلفزيون العمومي بالرداءة فأقول إن مثل هذه القنوات التلفزيونية الخاصة لم تعد تنافس التلفزيون العمومي إلا على الرداءة . وتطوير التلفزة العمومية يتوقف على الإرادة السياسية، وقد رأينا كيف أن التلفزيون الجزائري الرسمي تمكن من استقطاب الملايين من المشاهدين من داخل الجزائر ومن خارجها غداة الانفتاح السياسي والإعلامي الذي ترتب عن التعددية السياسية والإعلامية في مطلع تسعينيات القرن الماضي. و لم يقتصر الأمر على الأحداث الوطني وإنما قد تعدى الأمر إلى الأحداث الدولية وخاصة ما تعلق الأمر بحرب الخليج أو الحرب الأمريكية ضد العراق. و أرى أن القطاع الإعلامي التلفزيوني العمومي هو المستفيد الأول وأكثر من غيرها من تحرير المجال السمعي البصري إذا عرف القطاع العام كيف يواجه التحديات ويواكب التطورات وذلك عندما يتحرر من العقليات والذهنيان السلبية والتي لم تسلم منها حتى القنوات التلفزيونية الخاصة. أقرّ قانون السمعي البصري أحقية الدولة في مواصلة دعم التلفزيون الجزائري ما تفسيركم لهذه الخطوة ؟ من الطبيعي أن ينص القانون المتعلق بالنشاط السمعي البصري ومن قبله القانون العضوي المتعلق بالإعلام على دعم الإعلام العمومي ، والمعروف في أبجديات القطاع الإعلامي أن أصحاب المال من الأشخاص المعنويين والطبيعيين سواء تعلق الأمر بالهيئات العمومية أو بالمؤسسات أو الشركات التي تخضع للقانون الجزائري وخاصة القانون التجاري منه، هم الذين يمتلكون الخط الافتتاحي للمؤسسة الإعلامية بالنسبة إلى الجرائد الورقية أو القنوات التلفزيونية والإذاعية. إن التلفزة العمومية هي الواجهة الإعلامية للدولة ، ومع ذلك يجب القول أن التلفزة العمومية ليست فقط الأخبار الرسمية ، ولكنها أيضا برامج وحصص أخرى تعلق بالإنتاج الإعلامي في مختلف المجالات الأخرى ، وعلى الرغم من أن النشاط الرسمي للحكومة يحظى بالأولوية فعلى ما أعتقد أن مثل هذا النشاط الرسمي لا يفوق نسبة العشرة بالمائة من نسبة البث على الرغم من أن التلفزيون يتمول من الحكومة أو من الخزينة العمومية للدولة وهي الخزينة نفسها التي تغترف منها القنوات التلفزيونية الخاصة بطرق غير شرعية وغير قانونية وغير أخلاقية. توليت منصب مقرر لجنة الثقافة والاتصال وعند النظر في مشروع القانون العضوي المتعلق بالإعلام ، ما هي الحدود المتاحة أمام اللجنة و النواب لتعديل قانون السمعي البصري؟ إن لجنة الثقافة والاتصال بالبرلمان والتي تتكفل بمشروع القانون المتعلق بالنشاط السمعي البصري تستطيع أن تضع بصماتها على النص التشريعي المعروض عليها إذا ما قامت بتوسيع مجال الاستشارة والاستئناس بآراء رجال الإعلام من الصحفيين والأساتذة والخبراء في النشاط السمعي البصري. ولذلك أؤكد من منطلق تجربتي في المجال التشريعي وخاصة التشريع الإعلامي، أنه ليس هناك ما يحدّ من عمل لحنة الثقافة والاتصال وهي تدرس مشروع القانون المتعلق بالنشاط السمعي البصري ، بل إنها تستطيع أن تبادر وتدخل التعديلات الضرورية والجوهرية على مشروع القانون الذي هو بطبيعة الحال ليس بالنص المقدس الذي يحرم الاجتهاد فيه، ولذلك فإني أراهن على اجتهاد أعضاء اللجنة واجتهاد النواب من خارج اللجنة عند المناقشة والإثراء.