يفترض أن يكون القانون العضوي المتعلق بالإعلام من أهم القوانين العضوية التي طرحتها الحكومة على البرلمان ضمن رزنامة النصوص الأساسية للإصلاحات السياسية ، وهي النصوص التشريعية ذات الصلة بالأحزاب والنظام الانتخابي وحالات التنافي مع العهدة البرلمانية والتمثيل النسوي في المجالس الشعبية المنتخبة كانت الانتخابات التشريعية على الأبواب ومن بعدها الانتخابات المحلية وكان من الضروري أن يتم التسريع بإصدار قانون الأحزاب السياسية الذي يسمح باعتماد أحزاب أخرى من أجل المشاركة في العملية الانتخابية والتي يجب أن تكملها قوانين عضوية أخرى مثل القانون العضوي المتعلق بنظام الانتخابات والذي يكتمل بالقانون المتعلق بالتمثيل النسوي والقانون العضوي الآخر المتعلق بالتنافي مع العهدة البرلمانية. وإذا كان من حسن حظ القوانين العضوية المتعلقة بالأحزاب والانتخابات والتنافي والتمثيل النسوي أن وجدت نصوصها طريقها إلى التنفيذ بعدما نشرت في الجريدة الرسمية ، فذلك لأن مثل هذه القوانين العضوية مرتبطة بآجال قانونية أو زمنية وخاصة المواعيد الانتخابية مثل الانتخابات البرلمانية ثم الانتخابات المحلية ، البلدية والولائية. لقد نشر القانون العضوي المتعلق بالأحزاب السياسية في الجريدة الرسمية مثل بقية القوانين العضوية الأخرى ، فبادرت وزارة الداخلية باعتماد أحزاب أخرى بعدما سارعت إلى عقد مؤتمراتها التأسيسية فتقدمت بقوائمها الانتخابية إلى الانتخابات البرلمانية ثم الانتخابات المحلية على أساس القانون العضوي المتعلق بالنظام الانتخابي وبمقتضى القانون العضوي المتعلق بالتمثيل النسوي في المجالس المنتخبة . وعلى هذا الأساس تم توزيع المقاعد الانتخابية على المرشحين الفائزين من الرجال والنساء ، حيث أخذت المرأة حصتها من التمثيل في المجلس الشعبي الوطني والمجلس الشعبي البلدي والمجلس الشعبي الولائي. مهما يكن من الأمر ، فإن القوانين العضوية المتعلقة بالإصلاحات قد كانت وما تزال تثير الكثير من الجدل السياسي والقانوني والإعلامي وخاصة من قبل قادة الأحزاب ورجال القانون والحقوق والسياسة سواء على المستوى النظري أو على المستوى العملي أو التطبيقي . ومن ذلك ، الجدل السياسي والقانوني والإعلامي المتعلق بالمادة الثمانين من القانون العضوي المتعلق بنظام الانتخابات وهي المادة التي كشفت عن فراغ قانوني أو عن ثغرة قانونية راحت وزارة الداخلية تسدها باجتهادات خاصة من خارج النص لا تمت بأية صلة إلى روح النص القانوني حيث اتهمت الإدارة بمصادرة الإرادة الشعبية من خلال انتهاك النصوص القانونية التي لا يحق لها أن تفتي بشأنها مادامت هناك مؤسسات دستورية أخرى قد كان يمكنها أن تفتي في الأمر. بل أن القانون العضوي الذي يحدد حالات التنافي مع العهدة البرلمانية قد أثار هو الآخر جدلا قانونيا بين النواب القادمين من المؤسسات الإستشفائية والتعليمية مثل الأطباء والأساتذة الجامعيين. لقد أثار القانون العضوي المتعلق بالإعلام هو الآخر الكثير من الجدل السياسي والإعلامي في الحين ، لكن سرعان ما يخفت مثل هذا الجدل على الرغم تلك الضجة الإعلاموية السياسوية التي أثارها مشروع النص القانوني الذي من المفترض أن يكون جوهر الإصلاحات . ولكن للأسف الشديد أن يصبح الإعلام آخر الاهتمامات السياسية ! والأغرب من كل هذا الأسف أن يصبح الإعلام آخر اهتمامات الساحة الإعلامية !!!... إن القانون العضوي المتعلق بالإعلام هو الآخر يرتبط بآجال زمنية للتنفيذ مثل بقية القوانين العضوية الأخرى ، فإذا كانت المواعيد الانتخابية وخاصة الانتخابات البرلمانية والانتخابات المحلية تحتكم إلى القوانين العضوية المحددة للنظام الانتخابي والتنافي مع العهدة البرلمانية والتمثيل النسوي في المجالس الشعبية المنتخبة ، فكذلك الأمر أيضا بالنسبة إلى القانون العضوي المتعلق بالإعلام حيث أن الصحفيين في الجرائد الورقية والإلكترونية والقنوات الإذاعية والتلفزيونية هم أيضا ينتخبون ممثليهم في سلطة ضبط الصحافة المكتوبة أو سلطة ضبط السمعي البصري ، مثلما ينتخبون ممثليهم أيضا في المجلس الأعلى لآداب وأخلاقيات مهنة الصحافة. وإذا كان لابد من التذكير بالمواد المتعلقة بالآجال القانونية التي يجب أن نلتزم بتنفيذها ، فإن المادة الواحدة والثلاثين بعد المائة توجب على العناوين وأجهزة الصحافة الممارسة لنشاطها أن تتطابق مع أحكام القانون العضوي المتعلق بالإعلام بعد سنة من تاريخ تنصيب سلطة ضبط الصحافة المكتوبة. ولكن قد مرت سنة من نشر هذا القانون العضوي في الجريدة الرسمية من غير أن تتطابق العناوين الإعلامية خاصة الجرائد منها مع التشريع الإعلامي الجديد يكاد يصبح من المستحيل أن تتطابق الجرائد الورقية مع القانون العضوي للإعلام ما لم تنصب سلطة ضبط الصحافة المكتوبة التي ينتخب بالأغلبية المطلقة نصف أعضائها من الصحفيين المحترفين الذين يثبتون خمس عشرة سنة على الأقل من الخبرة في المهنة. ولكن قبل العملية الانتخابية قد كان يجب إثبات صفة العضوية للصحفيين المحترفين الذين تمنحهم البطاقة الوطنية للصحفي المحترف لجنة تحدد تشكيلتها وتنظيمها وسيرها عن طريق التنظيم ، مثلما تنص على ذلك المادة السادسة والسبعون من القانون العضوي المتعلق بالإعلام. إن المجلس الأعلى لآداب وأخلاقيات مهنة الصحافة هو الآخر يرتبط بآجال زمنية محددة ، حيث أن المادة التاسعة والتسعين من القانون العضوي المتعلق بالإعلام تنص على تنصيب هذا المجلس الأعلى في أجل أقصاه سنة ابتداء من تاريخ صدور هذا القانون العضوي ، وقد مرت سنة على نشر القانون في الجريدة الرسمية من غير أن يتم تنصيب المجلس. لقد نصت المادة الرابعة والتسعون من القانون العضوي المتعلق بالإعلام على إنشاء مجلس أعلى لآداب وأخلاقيات مهنة الصحافة حيث ينتخب أعضاؤه من الصحفيين المحترفين ، وقد كان على أساس الآجال الزمنية القانونية أن يتم استدعاء الهيئة الناخبة للأسرة الإعلامية من الصحفيين المحترفين إلى الجمعية العامة التأسيسية لانتخاب أعضاء المجلس الأعلى لآداب وأخلاقيات مهنة الصحافة ، حيث أن الجمعية العامة التأسيسية مثلما تنص المادة الخامسة والتسعون هي التي تتولى تحديد تشكيلة هذا المجلس وتنظيمه وسيره ، مثلما تعد ميثاق شرف مهنة الصحافة وتصادق عليه. وعلى الرغم من المدة القانونية التي توجب تنصيب المجلس الأعلى لآداب وأخلاقيات مهنة الصحافة والمحددة بسنة من نشر القانون العضوي المتعلق بالإعلام في الجريدة الرسمية مثلما تنص على ذلك المادة التاسعة والتسعون ، فقد أصبح أيضا من المستحيل تطبيق هذه المادة وبالتالي تنصيب المجلس الأعلى مادامت اللجنة التي تمنح صفة الصحفي المحترف لم تنصّب وبالتالي تسمح للصحفيين المحترفين بانتخاب ممثليهم في سلطة ضبط الصحافة المكتوبة. إن الصحفيين المشتغلين في القطاع السمعي البصري في القنوات الإذاعية والتلفزيونية يجب عليهم انتظار الإفراج عن القانون المتعلق بالنشاط السمعي البصري، مادام القانون العضوي المتعلق بالإعلام قد ترك أمر لجنة ضبط السمعي البصري إلى ذلك القانون على الرغم من أن لجنة ضبط السمعي البصري لا يمكنها أن تختلف من حيث تشكيلتها وتنظيمها وسيرها عن لجنة ضبط الصحافة المكتوبة التي خصّها القانون العضوي المتعلق بالإعلام بباب كامل !. لقد كان يجب خلال السنة أن يكون قد صدر القانون الخاص بالنشاط السمعي البصري بالإضافة إلى صدور بقية النصوص التنظيمية الأخرى ذات الصلة بالقانون العضوي المتعلق بالإعلام ، مثلما قد كان يجب خلال السنة وبقوة القانون وبمقتضى الآجال القانونية المحددة أن يتم تنصيب سلطتي ضبط الصحافة المكتوبة والسمعية البصرية والمجلس الأعلى لآداب وأخلاقيات مهنة الصحافة ، ولكن لا شيء من ذلك قد تحقق في الساحة الإعلامية خلال السنة !!.. فهل يجب انتظار سنة أم سنوات عجافا أخرى !!!... إذا كان نجاح الإصلاحات السياسية يقاس بإجراء المواعيد الانتخابية في آجالها القانونية المحددة ، فلاشك أن تأجيل إجراء المواعيد الانتخابية الإعلامية والمتعلقة بانتخاب أعضاء المجلس الأعلى لآداب وأخلاقيات مهنة الصحافة وانتخاب أعضاء سلطتي ضبط الصحافة المكتوبة والسمعية البصرية ، يقلل في النهاية من جدوى الإصلاحات ومن أهميتها ويضرب مصداقيتها في الصميم مادامت هذه الإصلاحات لم تمتد إلى الساحة الإعلامية باعتبار أن الإعلام جوهر الإصلاحات السياسية. إن انتخاب نقيب الصحفيين أو انتخاب ممثلي الصحفيين في المجلس الأعلى للإعلام أو المجلس الأعلى للأخلاقيات المهنية الصحفية في الكثير من الدول الديمقراطية أهم من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية !!.. فهل كان يجب على رئيس الجمهورية أن يستدعي الهيئة الإعلامية الناخبة من أجل احترام الآجال القانونية للمواعيد الانتخابية بما يسمح للصحفيين بانتخاب ممثليهم في المجلس الأعلى لآداب وأخلاقيات مهنة الصحافة وممثليهم في سلطة ضبط الصحافة المكتوبة وسلطة ضبط السمعي البصري. إن الصحافة التي كانت صفحاتها وقودا للكثير من الحملات الانتخابية الرئاسية والبرلمانية والمحلية في العديد من المواعيد الانتخابية ، يكون قد آن الأوان أن تلتفت إلى نفسها بنفسها من أجل فرض احترام الآجال القانونية التي ينص عليها القانون العضوي المتعلق بالإعلام بخصوص انتخاب الصحفيين المحترفين في سلطة الضبط والمجلس الأعلى لآداب وأخلاقيات مهنة الصحافة. ومن المؤكد ، أن المستفيدين من الوضعية الإعلامية غير القانونية هم الذين يعملون على تعطيل عملية إجراء انتخاب ممثلي الصحفيين وتنصيب الهيئات والهياكل المنتخبة التي ينص عليها القانون العضوي المتعلق بالإعلام ، ومثل هذه هذا الوضع الإعلامي الشاذ غير السليم هو الذي جعل الساحة الإعلامية تعيش كل هذه الفوضى ، وإن كان لابد من الانتقال إلى الوضعية الطبيعية يتوجب على الأسرة الإعلامية أن تنظم نفسها وترص صفوفها وتطهرها من المندسين والمستفيدين من هذا الوضع الإعلامي المؤقت الدائم !!!... هل من أخلاقيات الممارسة الإعلامية أن تطالب الصحافة السلطة بالشفافية وبالنزاهة الانتخابية وباحترام الآجال القانونية للمواعيد الانتخابية ، بل يجب على السلطة أن تلزم الصحافة بانتخاب ممثليهم بعدما تلتزم السلطة هي الأخرى باحترام الآجال القانونية التي تجاوزتها في القانون العضوي المتعلق بالإعلام . أعتقد أن الصحفيين عندما يحتكمون إلى العملية الانتخابية وينتخبون ممثليهم في المجالس الإعلامية المنتخبة ، يحق لهم بعد ذلك ، الحديث عن الديمقراطية والنزاهة الانتخابية والمصداقية والحرية والاختيار الحر للناخبين . بل إن الاختيار الحر للصحفيين هو انتخاب ممثليهم بكل حرية وديمقراطية وشفافية. ان الصحفيين هم الذين يتابعون المواعيد الانتخابية بل يحرصون على أصوات المواطنين أكثر من الناخبين ومن المرشحين أنفسهم ! فهل يتحول الصحفيون إلى ناخبين أو إلى مرشحين ويصبح المواطنون هم الذين يتابعون المواعيد الانتخابية التي يختار فيها الصحفيون ممثليهم في الهيئات والمجالس الصحفية المنتخبة. إذا كانت المادة الأولي من القانون العضوي المتعلق بالإعلام تقول يهدف هذا القانون إلى تحديد المبادئ والقواعد التي تحكم ممارسة الحق في الإعلام وحرية الصحافة ، بينما بقية المواد القانونية الأخرى لم تجد طريقها إلى التنفيذ ، فلا شك أن المادة الوحيدة التي نفّذت من هذا القانون هي تلك المادة الأخيرة منه والتي تنص على أن ينشر هذا القانون العضوي في الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية !!!. إعلامي جزائري وبرلماني سابق مقرر لجنة الثقافة والاتصال.