يؤكد النائب بالمجلس الشعبي الوطني ومقرر لجنة الثقافة والاتصال والإعلامي ابراهيم قار علي في هذا الحوار الذي أدلى به ل»صوت الأحرار« أن إصدار جريدة أو إطلاق قناة تلفزيونية أو إذاعية أخطر من تأسيس حزب سياسي ، مشددا على ضرورة حرص المشرع الجزائري على أن تكون النصوص القانونية للوسائط الإعلامية السمعية والبصرية من شأنها تجنيب البلاد الوقوع في الفوضى والمستنقعات التي قذفت فيها السوق السوداء للصحافة المكتوبة الجزائر بعدما سيطر عليها الطفيليون والمتطفلون على الصحافة، معربا عن تخوفه من أن تمتد أيادي هؤلاء إلى قطاع السمعي البصري. *القرار بفتح قطاع السمعي البصري من أهم الأبواب أهمية وحساسية في مشروع القانون العضوي للإعلام؛ هناك من يعتقد أن قرار فتح قطاع الإعلام الثقيل رفع من منسوب التفاؤل تجاه جدية السلطات في مشروع الإصلاحات هل أنتم مع هذا الطرح ..؟ أود في البداية أن أهنئ الإخوة الزملاء الصحفيين على مراجعة القانون العضوي المتعلق بالإعلام والذي كان مطلب جميع العاملين في الحقل الإعلامي،وهو المطلب الذي حملته ورافعت من أجله تحت القبة البرلمانية منذ أن غادرت قاعة التحرير في بداية عهدتي الانتخابية ، وربما قد كان من محاسن الصدف أن أتولى منصب مقرر لجنة الثقافة والاتصال والسياحة ونحن نراجع قانون الإعلام في نهاية العهدة التشريعية من غير أن نتراجع عن المكاسب التي تحققت بفضل تضحيات شرفاء رجال مهنة المتاعب والموت وبفضل نضالهم المستميت . بالنسبة إلى قرار تحرير القطاع السمعي البصري، أؤكد أنني كنت أول من طالب تحت القبة البرلمانية بتحرير هذا القطاع الاستراتيجي بمقتضى دفتر شروط وضوابط قانونية ومهنية وأخلاقية وقد كان ذلك في بداية العهدة التشريعية خلال مناقشة برنامج الحكومة . وعليه فأنا متفائل من الناحية المبدئية لأننا لم نعد نعيش في جزيرة منعزلة في وقت أصبح فيه العالم قرية صغيرة بل إن التطور السريع والرهيب لتكنولوجيات الإعلام والاتصال جعل العالم في بيتنا بل بين يدينا . والسلطة لا يمكنها أن تبادر بإصلاحات سياسية دون أن تعزز ذلك بإصلاحات إعلامية . فالإعلام بالنسبة إلى السياسة مجال حيوي وكلاهما يعكس الآخر وينعكس عليه ، وهذا هو المحك الحقيقي للسلطة في جدية الإصلاحات التي بادرت بها في الربع ساعة الأخيرة والربع ساعة الأخيرة مهمة جدا ، ولكن عند الحديث عن تحرير القطاع السمعي البصري يجب ألا يتبادر في الأذهان فتح المجال لرجال المال ولأعمال فقط بل يجب فتح القنوات التلفزيونية والإذاعية لمختلف توجهات الرأي العام الوطني وهذا هو الانفتاح السياسي والإعلامي الحقيقي لأن الأمر يتعلق بالخدمة العمومية وحق المواطن في الإعلام كما تنص عليه المادة الأولى من نص المشروع المتعلق بمراجعة القانون العضوي للإعلام . *جاءت ديباجة الجزء الخاص بالسمعي البصري فضفاضة وترك المشرع الباب أمام قوانين وتنظيمات تعد لاحقا لتنظيم القطاع ؛ أولا كيف تقرؤون هذا النص وما هو تصوركم لطبيعة التشريعات والتنظيمات التي من المنتظر أن تعدها الحكومة، وهل يمكن أن تكون هذه النصوص والقوانين المنتظرة هي كلمة السر في الموضوع ؛ بمعنى فتح القطاع كقرار سياسي ؛ لكن يتم تحديد هامش الحركة أمام الراغبين لاقتحام في هذا المجال؟ وبالتالي بقاء زمام المبادرة في يد السلطات العليا ؟ ** يجب أن نقر أننا حققنا مكسب فتح المجال السمعي البصري للمبادرات الحرة على الأقل من الناحية القانونية , وعلى ما أعتقد هذه رسالة حسن نية من السلطات العمومية فإلى وقت قريب كان الخطاب الرسمي متأرجحا أو متذبذبا تجاه الموضوع حيث لم تكن الرؤية واضحة أمام الكثير . إن الإعلام قطاع سيادي وخاصة في المجال السمعي البصري وبالتالي لا يمكن للدولة أن تتنازل عن سيادتها في هذا المجال الحيوي ، وعلى ضوء التجربة الإعلامية التعددية في الصحافة المكتوبة ، فنحن مخيرون بين الاستمرار في الفوضى أو الذهاب إلى وضع الضوابط القانونية والأخلاقية المهنية للسلطة الإعلامية والإعلام سلطة لابد من تقنينها وباعتبارها وظيفة أو مهنة لا بد من إطار يحكمها ويحمي ممارسيها من التعسف والتسلط والهيمنة . أعتقد أن إصدار جريدة أو إطلاق قناة تلفزيونية أو إذاعية أخطر من تأسيس حزب سياسي ، وعليه يجب على النصوص القانونية للوسائط الإعلامية السمعية والبصرية أن تجنبنا من الوقوع في الفوضى والمستنقعات التي قذفتنا فيها السوق السوداء للصحافة المكتوبة والتي سيطر عليها الطفيليون والمتطفلون والمزيفون من رجال المال والأعمال من أصحاب السوابق الجمركية والجبائية والذين يغترفون من المال العام وخاصة السوق الإشهارية ، حتى أصبحت الصحافة مهنة من لا مهنة له ، وأخشى أن تمتد أيادي هؤلاء غير النظيفة إلى القطاع السمعي البصري . ومع ذلك ، لا يجب أن نطلق الأحكام المسبقة وننظر إلى النصف الفارغة من الكأس ، وقد استغربت من بعض القراءات الانتقائية التي أوردتها بعض الجرائد فيما يخص نص مشروع القانون العضوي المتعلق بالإعلام والتي جرّت بعض الخبراء والأساتذة والمختصين والمشتغلين في الحقل الإعلامي إلى الإعلان عن مواقف كاريكاتورية . أليس من الغرابة أن ينتقد البعض نصوص مشاريع قانونية لم تصدر بعد بينما يسارعون إلى الإعلان عن رغبتهم بالاستثمار في المجال السمعي البصري . *فيما يتعلق بقطاع الصحافة المكتوبة جاءت المواد المتعلقة بإصدار النشريات مرنة؛ حيث منح قرار إعطاء تراخيص النشر لسلطة جديدة يمثل حضور الصحفيين فيها مؤثرا وهاما ؛ هل بالإمكان القول أن السلطات العليا فتحت الباب على مصراعيه وأبقت لنفسها سلطة المراقبة فقط؛ أم أن حتى سلطة الضبط المتوقع إنشاؤها لن تكون في منأى من تأثير ووصاية السلطة.؟ نلاحظ أن سلطة ضبط الصحافة المكتوبة أو سلطة ضبط الصحافة السمعية البصرية قد حلت محل المجلس الأعلى للإعلام الذي تم تجميده لأسباب أمنية وسياسية ، والأسف الشديد أن الأيام قد أثبتت خطأ قرار تجميد المجلس الأعلى للإعلام حيث أصبحت الصحافة في الجزائر تمارس بدون ضوابط مهنية وأخلاقية وسادت الفوضى الإعلامية ، والأخطر من ذلك أن بعض وسائل الإعلام قد أصبحت تهدد الأمن العام . ليست العبرة بالتسمية مجلس أعلى للإعلام أو سلطة ضبط ، وبالفعل نحن نحتاج إلى هيئة تضبط الممارسة الإعلامية ولا تترك المجال للفوضى والهيمنة والاحتكار والتعسف . وإذا كانت سلطة ضبط الصحافة المكتوبة تتشكل تركيبتها من أربعة عشر عضوا بعدما كانت اثني عشر عضوا في المجلس الأعلى للإعلام ، حيث ينتخب الصحفيون سبعة منهم بينما يعين رئيس الجمهورية ثلاثتهم من بينهم رئيس سلطة الضبط في حين يعين رئيس المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة أربعتهم ، يعني ذلك أن هذه الهيئة متساوية الأعضاء فضلا عن كونها تتمتع بالاستقلالية المالية والمعنوية والإدارية . غير أنني أفضل لو أن اثنين من تركيبة الهيئة يعينون من القضاء في حين يكتفي رئيس الجمهورية بتعين رئيس سلطة ضبط الصحافة المكتوبة. عندما تكون سلطة ضبط الصحافة متساوية الأعضاء بين السلطة الرابعة وبقية السلطات الأخرى , يعني ذلك أن رجال الإعلام يتحملون نصف المسؤولية في تنظيم مهنتهم بل كل المسؤولية أي أنهم ينظمون أنفسهم بأنفسهم . ألم يكن هذا مطلب كل الصحفيين ونضالهم من أجل أن تعود الصحافة إلى أهلها الحقيقيين غير المزيفين من منتحلي مهنة الصحافة بعدما تحولت الصحافة إلى مهنة من لا مهنة لهم ، حيث انتشرت الدكاكين الإعلامية الفوضوية حيث أصبحت رخص إصدار الجرائد تمنح كل من هب ودب وتباع وتكترى مثل السجلات التجارية . *هناك توجه لافت في مشروع قانون الإعلام في إلغاء عقوبة السجن وأيضا التوجه نحو منح فرص ومجال أمام الصحفي في الحصول على المعلومة والخبر ، مع إبقاء بعض المجالات قيد التحفظ من قبيل التحقيقات القضائية والأمنية ، كيف تنظرون لهذه الجزئية؟ من حقنا أن نفتخر بالجزائر لأنه لا يوجد بيننا رجل إعلام أو رجل سياسة يقبع وراء القضبان ، وقد تعزز هذا المكسب برفع التجريم عن جنح الصحافة من خلال مراجعة قانون العقوبات في الجانب المتصل بإهانة رموز الدولة عن طريق الكتابة أو الرسم ، بل إن السلطة قد برأت ساحة الناشرين وألقت بالمسؤولية على الصحفيين ثم استدركت ذلك في قانون الإعلام حيث تصبح المسؤولية مشتركة بين الناشرين والصحفيين . أعتقد أن حق المواطن في الإعلام يتحقق في جانب منه في حق الصحفي في الوصول إلى مصادر الخبر ، ولكن الصحفي الحقيقي هو الذي يعرف كيف يصل إلى المصدر ولا ينتظر المصدر حيث يرن هاتف مكتبه أو هاتف جيبه يتحول الصحفي معها إلى قناة لصرف الأخبار القذرة وبالتالي يتعين على القارئ أن يشتري علبة مناديل ورقية إلى جانب الجريدة عند كل صباح حتى لا يصاب بالقيء أو الزكام ، فليست الطيور وحدها تنقل العدوى بالأنفلوانزة . إن الصحفي يخضع للقوانين مثل بقية المواطنين وبالتالي لا يجب أن نعامله معاملة المجرمين ، وكل الأديان والشرائع والدساتير والقوانين تمنع انتهاك الحياة الخاصة للأشخاص وخاصة الأطفال والقصر، والمسؤولون هم أيضا مواطنون لا يمكن انتهاك حياتهم الخاصة. كما أن القاعدة الأساسية في الصحافة هي ليس كل ما يعرف ينشر، بل إن بعض الأسر تهدمت بفعل نشر مثل هذه الأخبار والتي كثيرا ما تكون إشاعات وملفقة،كما أن دور الصحافة هو أن تساهم في الوصول إلى الحقيقة لا أن تعمل على طمسها ، وإذا كان الإعلام سلاحا فلا يجب أن يسدد نحو الوطن والمواطن . *هناك جزء من القانون الجديد يتحدث على تنظيم قطاع الصحافة وحماية الصحفيين ومساعدتهم ، ما هو أهم ما استوقفك فيما يخص هذا الجانب..؟ أول ما استوقفني في نص مشروع القانون العضوي المتعلق بالإعلام ، سلطة ضبط الصحافة المكتوبة والمهام الموكلة إليها وهي الهيئة التي أصبحت هي مخولة بمنح رخص إصدار الجرائد إلى جانب الصحافة الإلكترونية التي أصبحت تتمتع لأول مرة بإطار قانوني . كما توقفت عند البطاقة الوطنية للصحفي المحترف والتي يجب أن يمثل حاملوها ثلث طاقم قاعات التحرير في مختلف وسائل الإعلام , بالإضافة إلى القانون الأساسي للصحفي والمجلس الأعلى لآداب وأخلاقيات الصحافة والذي تكون الجمعية العامة التأسيسية للصحفيين السيدة في تشكيله وتنظيمه بحيث أنه يستفيد من دعم مالي من أجل تمويله, ولكن من الأجدر أن يمول من مختلف المؤسسات الإعلامية واشتراكات أعضائه حتى نستشعر الصحفيين بأهميتهم وأهمية مجلسهم . * بالفعل ، لقد نص مشروع قانون الإعلام الجديد على إنشاء هيئة لأخلاقيات المهنة منوط بها مراقبة امتثال المؤسسات الإعلامية والوسائط للقانون تنتخب من قبل محترفي المهنة ، هل بالإمكان والحال هكذا في حالة التخبط والفوضى التي يشهدها قطاع الإعلام في الجزائر انتخاب مثل هكذا هيئات وهل فعلا بإمكانها أن يكون لها دور فاعل ومؤثر..؟ إن لكل مهنة آدابها وأخلاقياتها وكل مهنة تتجرد من الأخلاق والآداب تنحرف عن وظيفتها وتفقد شرفها خاصة إذا كان الأمر يتعلق بمهنة الصحافة ، وعليه يتعين على المجلس الأعلى لأخلاقيات المهنة وآدابها أن يعد ويصادق على ميثاق شرف المهنة يساهم الجميع في صياغته . المهم في الأمر ، أن المجلس الأعلى لأخلاقيات مهنة الصحافة يتوفر على إطار قانون وينص عليه قانون الإعلام وهو الآمر باتخاذ العقوبات ضد كل من يخرق قواعد آداب الصحافة وأخلاقياتها وهو الذي يحدد طبعة هذه العقوبات وطرق الطعن فيها . إذن ، يتوقف الأمر على الصحفيين أنفسهم ، أما إذا كان مجلس أخلاقيات المهنة تتشكل تركيبته البشرية ممن لا مهنة لهم ، فلا فائدة ترجى منه ومنهم لأن فاقد الشيء لا يعطيه . وليكن الصحفيون جديين هذه المرة لأنهم أمام فرصة آخر مرة ، وهاهي فرصتهم لإنقاذ شرف مهنتهم وحماية كرامتهم . *هناك بند يتحدث على مساعدة الدولة لقطاع الصحافة ..كيف تفهم هذه المساعدة ، وهل بالإمكان أن تكون هذه المساعدة وسيلة للضغط على الصحافة؟ بالطبع ، يمكن للدولة أن تقدم إعانات أو مساعدات للصحافة وذلك من قبيل حق المواطن في الإعلام الذي هو واجب الدولة تجاه المواطنين ، وقد تحدث مشروع القانون عن تدعيم الصحافة الجوارية والمتخصصة ، وأرى أن أفضل مساعدة في هذا الشأن هو حل مشكلة توزيع الصحف وإيصالها إلى القراء ، أليس غريبا أن الصحف كانت في زمن الجريدة الواحدة تصل إلى القراء في القرى والمداشر بينما لم تعد تصلهم في زمن التعددية الإعلامية . وأفضل أن أتحدث من موقع رجل إعلام ، فأقول إن الصحافة الخاصة التي تدعي أنها حرة ومستقلة هي التي استفادت من دعم الدولة أكثر مما استفادت منه الصحافة الحكومية أو العمومية . بل إن الصحافة الخاصة التي استفادت من دعم الدولة هي التي تحولت إلى وسيلة ضغط على السلطة خلال عشريتين من تجربة التعددية الإعلامية وأخشى ما أخشاه أن يتكرر الأمر مع فتح القطاع السمعي البصري .