الطب الشرعي بقسنطينة أحصى 119 مسنّا تعرض للضرب هذا العام بينت دراسة طبية بأن 119 مسنا تعرضوا لسوء المعاملة و مختلف أنواع العنف توجهوا إلى الاستعجالات الطبية القضائية بمستشفى بن باديس بقسنطينة في الفترة مابين الفاتح من جانفي و 31 أكتوبر 2013 للفحص و المعاينة ،لكن الشهادات التي يحررها لهم الأطباء الشرعيون لتقييم العجز الذي أصابهم لا يستعملونها لمقاضاة المعتدين، لأنهم في أغلب الحالات من أفراد أسرهم،ممّا يستدعي إسناد مهمة التكفل بهؤلاء الضحايا لفريق متعدد الاختصاصات و إصدار نصوص قانونية خاصة لضمان الحماية لهم. الدراسة التي أجراها رئيس أطباء مصلحة الطب الشرعي بهذا المستشفى البروفيسور عبد العزيز بن حركات بمعية البروفيسور زهرة بوذراع و الدكتورين العلمي و قمور،بينت بأن هذه المصلحة استقبلت في نفس الفترة 6112 شخصا من ضحايا العنف من بينهم 119 مسنا يشكلون عينة البحث.و قد لاحظ الباحثون بأن المسنين هم الأكثر عرضة لسوء المعاملة بمختلف أشكالها لأنهم الشريحة الأكثر ضعفا و هشاشة من الناحيتين الجسدية و النفسية في المجتمع و الأسباب مختلفة و تخفي وراءها عوامل متعددة و متداخلة أحيانا خاصة و أن المنزل العائلي هو مسرح هذه الاعتداءات في الغالبية العظمى من الحالات. أجمع الباحثون بأنه لا يمكن تقييم مدى انتشار الظاهرة و الوقاية منها إلا إذا أجريت أبحاث و دراسات متعددة الاختصاصات حولها. من هذا المنطلق بدأ فريق الأطباء الشرعيين دراسته التي استهدفت عينة تتكون من 119 مسنا ، يتراوح معدل أعمارهم بين 60 و 65 عاما ضمن 6112 حالة من ضحايا الضرب و الجرح العمدي الذين قصدوا مصلحة الطب الشرعي من أجل المعاينة في الفترة ما بين الفاتح من جانفي و 31 أكتوبر 2013.النتائج بينت بأن 66 بالمائة من أفراد العينة نساء و أغلب المعتدين (61 بالمائة) رجال ينتمون للفئة العمرية من 50 إلى 70 عاما و 69بالمائة من الاعتداءات تجمع بين العنف الجسدي و النفسي المعنوي و 39 بالمائة عبارة عن عنف اجتماعي . و قد شهد أوت الماضي الموافق لشهر رمضان، ذروة الاعتداءات على المسنين ،حيث بلغ عدد الضحايا 72 حالة.و من بين أشكال العنف الجسدي التي تمت معاينتها لدى أفراد العينة الضرب و العنف و الدفع للتسبب في السقوط و الحجز و الحرق و رفض المساعدة لتناول الطعام و العلاج و النظافة و هناك أيضا العنف النفسي الذي يتضمن المساومات و الإهانات و الاتهامات و القذف و الشتم و عدم احترام الحياة الحميمية و الخصوصيات و هناك أيضا العنف المادي الذي يتعلق بالاستيلاء على أموال و ممتلكات الضحايا بالقوة و العنف الجنسي بين الأزواج و كذا العنف الطبي كحرمان المسن من العلاجات الأولية أو إرغامه على الخضوع لعلاجات و تناول أدوية ذات مفعول قوي مثل أدوية الأعصاب و أصناف المنومات و المهدئات دون تقديم معلومات حول طبيعتها و خصائصها. النتائج بينت أساسا بأن الضرب و الجرح العمدي خاصة بين الأزواج المسنين هو العنف الشكل الأكثر انتشارا بين أفراد عينة البحث و قد حرر الأطباء الشرعيون ل116 ضحية شهادات لتقييم العجز الجزئي عن العمل مدتها 15 يوما أو أقل و يمكن أن تصنف، لو تمت مقاضاة المعتدين، في خانة المخالفات.بينما قدمت لثلاث ضحايا شهادات طبية تقيم عجزهم بأكثر من 15 يوما تصنف في خانة الجنح، لكن الخجل و الخوف من العواقب و اعتبار العنف العائلي ضمن الطابوهات الاجتماعية الكثيرة تمنع الضحايا من رفع شكاوى ضد المعتدين،فتظل الظاهرة رهينة الصمت و الكبت. واقع جعل الباحثون يستخلصون بأن الشهادات الطبية "المعزولة" التي تقدم للضحايا لإثبات تعرضهم للعنف الجسدي لا تكفي،خاصة و أن العنف النفسي و المعنوي الذي يتعرض له المسنون هو الأكثر انتشارا بمجتمعنا ولا يمكن تقييمه بشهادات عجز عن العمل لأيام أو شهور. و مادام القانون الجزائري يصنف المسنين كغيرهم من فئات الراشدين، الذين لا يمكن لغيرهم حتى و إن كانوا أطباء، أن يبلغوا أو يرفعوا شكاوى أو قضايا في حال تعرضهم لسوء المعاملة و العنف، تستمر هذه الظاهرة المخزية التي تعتبر وليدة التحولات السريعة التي شهدها مجتمعنا، حيث تسود فيه الأسر النووية و لم يعد معظم أبنائه ينظرون إلى المسن بأنه رمز الخبرة و الوقار و الحكمة و البركة. معطيات تجعل إجابة الباحثين عن هذا السؤال :"هل يمكن التبليغ عن سوء معاملة المسن؟"بالنفي ،لذلك يدعون إلى تكفل شامل و كامل بالمسنين من كافة النواحي بدءا بإرساء قوانين تضمن حماية قوية و لائقة بهذه الفئة و ترسخ بالتبليغ عن كل أنواع سوء المعاملة التي تتعرض لها في البيت أو في الشارع و كذا إخضاع الظاهرة للبحث و الدراسة المتعددة الاختصاصات لتحديد مدى انتشارها و كيفية الوقاية منها و القضاء عليها لأنها ضد قيمنا و تقاليدنا و ديننا،حيث شدد الباحثون بأن نقص معايير التقييم و الإجراءات اللازمة للتشخيص و التبليغ و التكفل يجعلنا بعيدين عن الواقع.و استخلصوا بأنه من الضروري إنشاء مستشفيات و مصالح استعجالية خاصة بأمراض الشيخوخة يمكن لطاقمها المتعدد الاختصاصات فحص و تشخيص و علاج و متابعة المسنين نفسيا و صحيا و مرافقتهم حتى في بيوتهم. و الأهم كسب ثقتهم ليبوحوا بكل أوجاعهم و دعمهم مع إمكانية توجيههم لمؤسسات إيواء و حماية في حالة تعرضهم للخطر في عقر دارهم.كما دعا الباحثون السلطات إلى إجراء تحقيقات اجتماعية دورية حول نمط معيشة المسنين و محيطهم و أمراضهم و أدويتهم مع تخصيص مساعدات مختلفة لهم من علاج و إيواء و إطعام و مرافقة .