السكان يفرون إلى التهريب في .. بوقوس تعد بلدية بوقوس الجبلية الحدودية النائية بولاية الطارف من أكثر البلديات فقرا . و زاد موقعها الحدودي بأقصى الجهة الشرقية مع الشريط التونسي في عزلة سكانها الذين يشكون متاعب العزلة التي تطوقهم من كل جهة ومعاناتهم مع مظاهر التهميش والإقصاء وحرمانهم من برامج التنمية على مر السنوات الفارطة ، رغم تعاقب المسؤولين والمنتخبين . أسباب دفعتهم إلى النشاط التهريبي نحو الجهة الأخرى من الحدود يقول السكان لمجابهة الجوع والفقر بسبب تفشي البطالة و انعدام فرص العمل ، فيما فضل آخرون النزوح من البلدية صوب مراكز البلديات الحضرية هروبا من مرارة ثالوث العزلة والتهميش والحرمان على حد وصف البعض ممن تحدثنا معهم في عين المكان . روبورتاج وتصوير ق/باديس تحتضن " السدين " و تشكو العطش من المفارقات التي لم يجد لها سكان بوقوس الحدودية ومشاتيها تفسيرا أزمة مياه الشرب التي تطوقهم على مدار السنة وانقطاع هذه المادة الحيوية عن حنفياتهم لمدة تتجاوز الشهر ، خاصة خلال فصل الصيف ،حيث تتفاقم المعاناة وتزداد ضراوة لدى سكان المشاتي النائية في غياب تدخل الجهات المعنية ، و حتى إن وصلتهم المياه ،فإن نوعيتها رديئة و كميتها قليلة لا تتعدى نصف الساعة في وقت تحتضن فيه البلدية سدين كبيرين وهما سد ماكسة وسد مجودة ،اللذان يزودان بلديات ولاية الطارف وعنابة بمياه الشرب ، وهو ما أجبر السكان على جلب المياه من الينابيع الجبلية والتزود من الأودية والمجاري والآبار المهجورة خارج الرقابة الصحية ، في وقت تزداد فيه حدة المتاعب وراء رحلة البحث عن مياه الشرب في فصل الحر مع جفاف مصادر المياه. وأضاف السكان في حديثهم إلينا، بأنه ورغم الشكاوي والاحتجاجات ،إلا آن الجهات المعنية لم تحرك ساكنا لوضع حد لهذه المعاناة خصوصا وأن الثروة المائية متوفرة ، وهو ما أثار استياءهم وتذمرهم ، مشيرين بأن ما زاد الطين بلة اهتراء شبكة التوزيع وقنوات الجر والتوصيلات غير الشرعية من بعض التجمعات السكانية بغرض سقي محاصليهم الفلاحية ، مما أنعكس سلبا على كمية المياه الموزعة و تفشي الأزمة ، التي تستفحل أكثر عبر القرى والمشاتي الجبلية في التماس مع الشريط التونسي ، ما دفع بالسكان إلى إنجاز آبار بطرق فوضوية و دون تراخيص قانونية لتوفير حاجياتهم من المياه فيما يلجأ آخرون إلى جلب الماء من داخل التراب التونسي ما يجعلهم عرضة في كل مرة لتوقيفات حرس الحدود قبل أن يخلى سبيلهم بعد تدخل أعيان بالضفتين . هذا فيما يعمد السكان خلال تهاطل الأمطار إلى التزود من مياه الأودية والشعاب و كذا جمع الامطار المتساقطة في مختلف الأواني والوسائل لاستعمالها في الغسيل والتنظيف .. حفر ومطبات يطلق عليها تجاوزا .. طرقات طرقاتها هي الأخرى في حالة مزرية جراء تصدعها في العمق فهي عبارة عن حفر ومطبات بما في ذلك الطريق الرئيسي ، الذي يبقى بمثابة المنفذ الوحيد نحو عاصمة الولاية والبلديات الأخرى والذي لم يمض على تعبيده إلا وقت قصير.. وضعيتها بلغت مرحلة متقدمة من التدهور باتت تهدد بمزيد من العزلة بسبب العوامل الطبيعية وانعدام عمليات الصيانة الدورية ، فضلا عن حالة الطرقات الداخلية التي بدورها توجد في حالة يرثى لها زادت من متاعب السكان اليومية ، بما فرض شبه عزلة على بعض الأحياء وصعب من حركة تنقل الأشخاص ، الذين يشكون صعوبة إيصال حاجياتهم المنزلية . المعاناة تزداد مع مشكلة اهتراء الطرق والوسط الحضري خلال تهاطل الأمطار، حيث تتحول إلى أوحال وبرك من المياه يصعب المرور عليها ، حتى أن المتمدرسين يجدون صعوبة في الالتحاق بمقاعد الدراسة جراء امتلاء الحفر والبرك ، ما اضطر الأولياء إلى حمل أطفالهم على ظهورهم خوفا من تعرضهم لأي مكروه ، وهذا في ظل حرمان البلدية من مشاريع التهيئة والتحسين الحضري.. السكان و المنتخبون يؤكدون أن الطرقات الداخلية لم تخضع لعملية صيانة أو تجديد على غرار البلديات الأخرى منذ عقود من الزمن بالرغم من الشكاوي والتقارير المرفوعة وهو ما زاد في عزلة الأحياء .. تتفاقم حدة المشكلة لدى سكان المشاتي الذين يعانون الأمرين مع اهتراء المسالك والطرقات المؤدية إليهم، إنطلاقا من مركز البلدية ، لذلك وجدت السلطات المحلية السنة المنصرمة صعوبة في إيصال المؤونة لسكان المشاتي النائية بعد محاصرتها بالثلوج ونتيجة تدهور حالة طرقاتها ما اضطر تدخل وحدة للجيش لتوزيع هذه المساعدات وإيصالها للسكان المحاصرين .ولعل أبرز المشاكل التي تؤرق سكان هذه المنطقة الحدودية ، وتطرح على الدوام بالحاح : مشكلة النقل المدرسي ، سيما لدى سكان المشاتي النائية و المتناثرة المعزولة . معاناة يومية للمتمدرسين في التنقل والالتحاق بمقاعد الدراسة ، وتبرز هذه المعاناة خاصة لدى أطفال الطورين المتوسط والابتدائي، الذين يجبرون على النهوض باكرا مع الفجر، في انتظار وسيلة نقل نفعية ، حيث عادة ما يحشرون مع الحيوانات المتوجهة نحو أسواق الماشية للوصول إلى مؤسساتهم التعليمية ، فيما يجبر آخرون على قطع الكيلومترات على الأقدام وسط البراري ، ما يعرض حياتهم لخطر اعتداءات الحيوانات البرية ، ولا يعود هؤلاء المتمدرسون لبيوتهم إلا مع المساء المتأخر ، منهكين فيخلدون للنوم مباشرة دون حتى تناول طعامهم أو أداء واجباتهم المدرسية . تستفحل معضلة مشقة النقل المدرسي خلال تهاطل الأمطار ، حيث يضطر الأولياء إلى منع أطفالهم عن الدراسة خوفا من تعرضهم لمكروه جراء عودة النشاط للأودية وارتفاع منسوب الثلوج والمتاعب التي يصادفونها في الالتحاق بمقاعدهم ، وهو الشيء الذي انعكس على التحصيل التربوي للتلاميذ وكان وراء ارتفاع نسبة التسرب المدرسي ، في حين أن النجباء الذين تفوقوا في تعليمهم فقد حرمهم ذووهم من مواصلة مشوارهم الدراسي خاصة الفتيات رغم نتائجهن الجيدة وهذا بسبب المعاناة اليومية لمشكلة النقل المدرسي و ضعف التغذية المدرسية باعتبار أن هناك مدارس لازالت تفتقر للمطاعم وأخرى تقدم وجبات باردة ، ناهيك عن نقص التدفئة في ظل تدني درجة الحرارة بهذه الجهة المعروفة بمناخها القارس شتاء ،حيث تتحول الأقسام إلى حجرات تبريد مما جعل ظروف التمدرس بمثابة الجحيم . معاناة مع قارورات الغاز وحوامل يضعن في الجرارات معضلة أخرى ترهق سكان بلدية بوقوس الحدودية وتنضاف إلى ما سبق ذكره من متاعب ومعاناة يومية ، هي أزمة التزود بقارورات غاز البوتان بعد توقف الموزعين عن النشاط بسبب ضعف المردود .. وتتفاقم حدة هذه المعاناة خاصة لدى سكان المشاتي المعزولة ، بسبب نقص هذه المادة الحيوية و تزايد الطلب عليها ، خاصة خلال فصل الشتاء مع تساقط الأمطار و تهاطل الثلوج بالنظر للظروف المناخية الصعبة التي تميز المنطقة ،حيث تبدأ المضاربة بهذه المادة بسبب الندرة ونتيجة الحصص المحدودة المخصصة للبلدية والتي لم تعد تسد الحاجيات ما يجبرهم على قطع الكيلومترات نحو البلديات المجاورة بكراء سيارات الفرود في مسعى الظفر بقارورة بوتان رغم سعرها الباهظ والذي يفوق 600 دينار وهذا لتلبية حاجياتهم من أجل التدفئة و الطهي.. فيما تستفحل أكثر حدة معاناة سكان المشاتي النائية كالريحان ،المروج ، عين شعرة ، وادي الكبير .. جراء صعوبة وصول شاحنات التوزيع إليهم حين تتراكم الثلوج على الخصوص ونتيجة اهتراء المسالك والطرقات ما دفع الأهالي للعودة إلى الاحتطاب . السكان يطالبون من المصالح المعنية فتح نقاط لتوزيع غاز البوتان للتخفيف من هذه الأزمة مع تشجيع البطالين على خلق مؤسسات في هذا المجال للحد من المشكلة .. ويضعون مطلب تزويدهم بغاز المدينة في مقدمة الأولويات في الوقت الراهن لإنهاء معاناتهم وتحسين إطارهم المعيشي ، خاصة وأن مطلبهم كان قد طرح على السلطات المحلية في وقت سابق والتي وعدت بالتكفل به مراعاة لخصوصيات وظروف البلدية النائية الحدودية القاسية . النمو الديموغرافي الذي شهدته بلدية بوقوس الحدودية لم يشفع لها في مجال التغطية الصحية حيث تعاني نقصا فادحا في التجهيزات والأطباء ، مما أرهق المرضى حتى أن قاعة العلاج الوحيدة لم تعد تلبي الخدمات الصحية المطلوبة أمام تدهور حالتها وهي التي يقتصر نشاطها على بعض الفحوصات البسيطة عند مرور الطبيب مرة كل أسبوع حسب السكان وتقديم الحقن لا غير. أغلب الحالات المرضية والمستعصية الأخرى توجه نحو المصالح الاستشفائية لعاصمة الولاية و القالة .. وتزداد معاناة المرضى ضراوة خلال الحالات الطارئة وخاصة في فترات الليل مع انعدام سيارة إسعاف ما يجبر المواطنين على الاستنجاد بالسيارات النفعية والجرارات لإيصال مرضاهم نحو أقرب نقطة صحية وخاصة الحوامل اللواتي عادة ما يضعن حملهن على متن الجرارات والآليات المختلفة وهن في الطريق باتجاه مستشفى عاصمة الولاية على بعد 25 كلم ... يحدث كل هذا رغم استفادة البلدية من سيارة إسعاف إلا أن السكان يقولون أنها خارج الخدمة وتستعمل في أغراض أخرى عوض وضعها تحت تصرف المرضى حفاظا على حياتهم حسب قولهم . و تزداد المتاعب مع هذه المشكلة لدى سكان المشاتى النائية الذين يشكون بدورهم انعدام التغطية الصحية ولجوئهم إلى قطع الكيلومترات من أجل حقنة ما ألزمهم على التداوي و وضع حملهن بالطرق التقليدية رغم ما يشكله ذلك من مخاطر عليهم . غياب أبسط المرافق الحياتية.. والتهريب وجهة العاطلين يقول سكان بوقوس بأن منطقتهم تحولت الى منطقة للتهريب الحدودي بامتياز وهذا جراء تفشي البطالة في أوساط سكانها وخصوصا منهم فئة الشباب الذين يعانون التهميش والإقصاء مع انعدام فرص العمل و وعدم توفر أبسط المرافق الحياتية الشبانية والترفيهية .. المقاهي هي ملاذهم الوحيد للعب الأوراق والدومينو ... فانجروا إلى شبكات التهريب ، التي استغلت ظروفهم الاجتماعية الصعبة للزج بهم في هذا النشاط رغم مخاطره والملاحقة اليومية للجهات الأمنية المختصة ، خاصة تهريب الوقود أمام استفحال هذا النشاط الذي بات مصدر نشاط لمن لا دخل له . يؤكد السكان ( الشباب على الخصوص ) بأنه لولا التهريب لضاعوا جوعا وعوزا بالنظر لعزلة المنطقة وافتقارها لقاعدة صناعية ، فضلا عن حرمانهم من برامج الدعم الفلاحي وهو ما دفع الكل إلى التوجه نحو النشاط التهريبي ، الذي بات يستقطب شريحة واسعة من السكان بحكم خصوصيات البلدية القريبة على بضعة أمتار من الشريط التونسي، بحيث أن كل شيء يهرب في الاتجاهين حسب الطلبية و نوعية السلع المرغوب فيها وهو ما يوفر لهم بعض الدنانير لسد قوتهم اليومي قياسا بحجم نشاطهم واستغلال شبكات التهريب الحدودي لهم . السكان يطرحون أيضا إنعدام أبسط المرافق الحياتية وعدم الربط بشبكة التطهير ببعض التجمعات و إهتراء الوسط الحضري وانعدام شبكة الإنارة ببعض الأحياء والطرح العشوائي لمياه الصرف التي باتت تنذر بكارثة صحية . هذا و يقول السكان بأن الظروف المعيشية القاسية دفعت ببعض الأهالي الى هجرة المنطقة والنزوح صوب كبرى البلديات الحضرية ،حيث توفر أبسط مرافق الحياة الكريمة . ويأمل شباب وسكان هذه البلدية النائية الحدودية في التفاتة من السلطات المحلية لفك العزلة الخانقة المضروبة عنهم ودعمهم بالمرافق الحياتية الضرورية لتحسين إطارهم الحياتي والتكفل بانشغالاتهم اليومية . و حسب أعضاء بالمجلس البلدي الجديد ،الذي يتشكل أغلبه من فئة الشباب فإن هناك جهودا مبذولة لاستدراك النقائص المسجلة ، خاصة التكفل بأولويات انشغالات السكان على غرار الربط بشبكة التطهير و حل معضلة أزمة مياه الشرب ،علاوة على تعبيد شبكة الطرقات والتهيئة الحضرية لإعطاء الوجه اللائق لهذه البلدية النائية الجبلية الحدودية ، زيادة على دعم المنطقة ببرامج السكن الريفي ومشاريع الدعم الفلاحي لتطوير النشاط الرعوي والزراعي للحفاظ على إستقرار السكان وتحفيز العاطلين على خلق مؤسسات مصغرة لامتصاص البطالة المتفشية، كما اقترح المجلس البلدي ، يضيف المنتخبون جملة من المشاريع كفيلة بتحريك عجلة التنمية المحلية وفك العزلة عن المنطقة ومشاتيها والتي أعدت بشأنها بطاقات تقنية أودعت لدى المصالح المعنية ، خاصة تلك المدرجة في خانة المستعجلة .. وتعمل البلدية جاهدة على تحسين إيراداتها باستغلال كل إمكانياتها وممتلكاتها لتجاوز العجز المسجل في الميزانية بغية الإستجابة لحاجيات المواطنين في مختلف الميادين والقطاعات . من جهة اخرى أدرجت البلدية من قبل اللجنة الولائية كأفقر بلدية نموذجية ، حيث تم إقتراح تجسيد عدة عمليات هامة من شأنها أن تعود بالفائدة على السكان في محاربة الفقر وتحسين إطارهم الحياتي وخلق مصادر الرزق . وذكر بعض المنتخبين أن موقع البلدية الحدودي ووجودها في أقصى الجهة الشرقية مع الشقيقة تونس ساهم بشكل كبير في عزلتها و عزوف المستثمرين عليها رغم الإمكانيات الهامة التي تزخر بها خاصة في مجال الفلاحة والغابات والتي تبقى كفيلة بتحريك عجلة التنمية وخلق مناصب الشغل .. ناهيك عن تنشيط الفعل السياحي بحكم توفر المنطقة على منابع حموية و عدة مواقع تاريخية هامة تعود إلى العصور الغابرة والتي تشكو الإهمال والنسيان.