هل سياسة دعم ونشر الكِتاب في الجزائر، أفادت الكِتاب والثقافة الجزائرية وساهمت في الارتقاء بهما، أم العكس هو الذي حدث؟، وهل أضافت ل "خير جليس" من ناحية القيمة الأدبية والجودة؟ أم ساهمت في قتل فعل هذه القيمة، كنتيجة لسهولة وسرعة النشر التي جاءت مع سيولة الدعم؟، وهل الذين استفادوا من مشروع هذا الريع/الدعم من ناشرين وكُتاب قدموا أعمالا ذات نوعية وباحترافية تليق بصناعة الكتاب أم هي فقط تراكمات للكُتب من أجل الاستمرار في هذا المجال الذي يرى بعض الفاعلين في حقل الثقافة والأدب أنه تحول إلى مجرد تجارة واستثمارات بتمويل من "الصندوق الوطني لدعم وترقية الفنون والآداب". حول هذه المحاور وعن الريع وسياسة النشر ودعم الكتاب في الجزائر، يتحدث بعض الكُتاب والناشرين في ندوة كراس الثقافة في هذا العدد. إستطلاع/ نوّارة لحرش * كُتاب * الحبيب السائح/ روائي لا وجود لسياسة خاصة بالكتاب وما يصرف على دعمه من المال العام بلا أهداف لا أعتقد أن هناك سياسة للكتاب أصلا، لأن المشرّع -الذي من المنتظر أن يكون على درجة عالية من الثقافة ومن الوعي بالتحديات الثقافية- لا يزال غائبا، خلف غيوم هذا التردي الأخلاقي، بسبب الوصولية المستشرية منذ أكثر من ثلاثين عاما في ممارسة السياسة للمآرب الشخصية والفئوية، بالاستفادة مما يدره الريع مقابل الموالاة للنظام على حساب الواجب تجاه الدولة. إني لا أعرف وزيرا أو نائبا أو مرشحا، لاستحقاق أسمى، عرض مشروعا يحمل نظرته أو رؤية تنظيمه السياسي إلى نشر الكِتاب وتوزيعه في الجزائر كمفصل من مفاصل الثقافة. كما إني لا أذكر أن واحدا منهم التقى يوما الفاعلين في -قطاع النشر- ومع الكُتاب والباحثين وعقد معهم ميثاق عمل من أجل تنمية مكونات الثقافة الوطنية (اللغوية والفنية والأدبية والاجتماعية والتاريخية والنفسية). إننا لا نستطيع -إلا إذا دخلنا دائرة المجاملات- أن نتحدث عن نوايا حقيقية عند القائمين على شؤون الدولة، حاليا، تجاه ما ينبغي اتخاذه من تدابير وإجراءات وقوانين لرفع الاهتمام بدرجة الثقافة والكِتاب والإنتاج الفكري والأدبي إلى ما هو عليه الاهتمام بزيادة قدرة إنتاج النفط والغاز والمزروعات والحليب. فإن كان هناك محرك لأي تنمية، فهو الكِتاب، بجميع تخصصاته، لأنه من إنتاج الإنسان وإليه، ذلك يعني أن في إستراتيجية الدولة اهتماما بالإنسان أولا. وعليه، إن نحن سحبنا مثل هذه النظرة على واقع الجزائر -قياسا إلى الدول التي تجعل العامل البشري في مقدمة انشغالاتها- أدركنا بعض أسباب الفداحة التي تتردى فيها ثقافتنا. لا أعتقد أني أقسو على أحد أو جهة إذ أظن أن (سياسة دعم) الكتاب -وهي غير معروفة عند المهتمين ولا هي واصلة إلى العموم لأنها غير منشورة في أي شكل من أشكال الوثائق القانونية أو الإعلامية- هي (سياسة) تكاد تكون موجهة لما يسمى (السوسيال)، لأن المال العمومي المرصود للعملية ليس، كما يبدو، مقننا ببنود تستوجب أساسا وجود دفتر شروط يحدد خاصة مستوى النوعية ذات المعايير الدولية التي يُطبع بها الكِتاب (من حيث المادة، التصور، الغلاف، الورق، الخط، الترقية، التوزيع... حسب طبيعة المنشور). وعليه أجدني أميل، للأسف، إلى اعتبار أن ما يُصرف من المال العمومي، ضمن -سياسة نشر الكتاب ودعمه-، لا يحقق أي تحول، لأنه بلا أهداف، نظرا إلى أن من يتصورون تلك –السياسة- هم مجرد إداريين. عامر مخلوف/ ناقد وكاتب اللهاث وراء الربح السريع جعل الناشر لا يسعى فعلا إلى إنتاج كتاب رفيع لغة ومضموناً يظهر لي عند الحديث عن دور النشر الجزائرية أن هناك ثلاثة أمور، لا بد من أن تؤخذ في الحسبان: الأول: أنها تجربة محدودة في الزمن. الثاني: ضرورة تجنب التعميم في الأحكام. الثالث: أن الذين فكَّروا في تجارة الكِتاب، فكَّروا في تجارة من النوع النبيل. هناك من الناشرين من حرصوا على إخراج الكِتاب في طبعات أنيقة، ربما لأنهم انتبهوا إلى ضرورة الاستفادة من التجربة اللبنانية، وهذا جميل. إلا أنني لستُ متيقِّناً من أنهم يسعوْن فعلا إلى إنتاج كتاب رفيع لغة ومضموناً. لأن اللهاث وراء الربح السريع قد يحجب عن الناشر أن يُفكِّر في لجنة قراءة من ذوي الكفاءات العالية. قد يكتفي بشخص واحد يتبرَّع عليْه بما كسب من ملايير بفضل صندوق الدعم وهذا يُريحه. فأما حقوق المؤلف فهي قصة أخرى. لذلك قد يأتيه شخص محمَّلا بكومة من الأخطاء على أنها (رواية)، إذ يكفي هذا الشخص أن يُسجَّل على صفحة الغلاف جنسٌ أدبي صار موسم هجرة وبحثاً عن شهرة مفقودة. وما دام المعني يحمل من المال إلى الناشر بقدر ما يحمل من الأخطاء والتهويمات، فإن الناشر لا يتردَّد في أن يقبل وينشر ويُشهر ولو كان عاجزاً عن التوزيع، أو لا يهمُّه التوزيع أصلا، ما دام قد ربح قبل الطبع. بعدما عدتُ من معرض الكتاب الأخير، اقتنيْتُ مجموعة من الأعمال، وكان من بينها ما استغرق مني صفحات كثيرة وضعتُها في شكل جدول من الأخطاء التي لا ينبغي أن يرتكبها تلميذ في الطور المتوسِّط، ولكن صاحبة الكِتاب تبدو مزهوَّة، لا تلتفت إلى أحد فقد أصبحت (روائية)، بل وكبيرة أيْضاً. إذا لم تكنْ هذه العلاقة مشبوهة فإنها –بالتأكيد- ليست سوية. والغريب أنهم يحاولون دوماً أن يستغفلوك، سواء أيستغفلك ناشر ملاييري لا تلاقيه إلا شاكياً باكياً، أم متطفِّل على الكتابة جرَّب الطيران قبل أن يكتمل ريشُه. ثم ما قيمة الحديث عن ناشر إذا كان الكُتَّاب أنفسهم لا يقرؤون بعضهم بقدر ما يمارسون الإقصاء على بعضهم؟. ولكن –وفي كل الحالات- دعوهمْ يكتبوا، دعوهمْ ينشروا، دعوهمْ يجمعوا الأموال. (ما يبقى في الوادي غير حجاره)، لأن من يعيش لعمره ستبدو له الحياة قصيرة قِصَر عمره، ومن يعيش لفكرة وقناعة، ستبدو له طويلة لا تنتهي. ورحِم الله امرأً عرف قدْر نفسه. مرزاق بقطاش/ روائي السماسرة يتهافتون على أموال الدعم و على الدولة أن تقوم بالفرز أرحب بكل جهد في مضمار النشر، سواء أكان من جانب الدولة، أم من جانب أفراد مهتمين حق الاهتمام بالشأن الأدبي في وطننا. وإذا كانت الدولة تنوي تقديم يد العون لقطاع النشر، فإنه يتعين عليها أولا أن تقوم بالفرز، أي النظر بجدية تامة في مسألة تقديم العون المادي. هناك مع الأسف طفيليون ينبتون كالطحالب كلما تعلق الأمر بالاستيلاء على المال العام، شخصيا، كنتُ عضوا في لجنة كتابة السيناريو قبل بضع سنوات، وفوجئت بعناوين ما لا يقل عن مائتي شخص من السماسرة والمتاجرين الذين شموا رائحة المال والحصول عليه دونما تعب. في ظرف أيام قلائل تلقينا في لجنة القراءة العشرات من أشباه السيناريوهات، وهي عبارة عن جمل لا صلة ولا رابط فيما بينها. ولا شك في أن عددا منهم استفادوا من هذه التجارة المربحة المفاجئة ثم غابوا في الزحمة وتوجهوا نحو قطاعات أخرى لبيع البطاطا والكيوي وانتظار فرصة جديدة يتسللون منها للاستيلاء على المال العام. إذا كان الأمر يحدث بمثل هذه الطريقة، فلا مرحبا بمثل هذا العمل ولا بهذه المساعدة. المهتمون بالشأن الأدبي قلائل في بلدنا. والذين يعرفون صناعة الكتاب نادرون. وعليه، أنا أتصور أن العمل الجوهري ينبغي أن يبدأ بالفرز، أي، من يحق له أن يحصل على المساعدة ومن لا يحق له. نفس هذا الوضع البائس عشته أيضا قبل أربع سنوات عندما كنت عضوا في لجنة قراءة الكتاب التابعة لوزارة الثقافة. عملنا المستحيل لكي لا ينزلق أولئك الطفيليون إلى دنيا الكتاب، ومع ذلك تمكن بعض الأفراد من التسلل حين قدموا كتابات غثة لأشباه بعض الأدباء أو حاولوا إعادة نشر بعض الكتابات التراثية السخيفة. ينبغي مراعاة هذا الشرط الأساسي الذي ذكرته خاصة وأن تجارة الكتاب ليست مربحة. الأثرياء الجدد يفضلون فتح مراقص وتهريب المال العام، والمتاجرة بالعملة الأجنبية، ومن المستحيل أن ينظروا إلى الصالح العام، ناهيكم بالكتابة الأدبية وبالنشر وبمساعدة الأدباء الشباب. نصيرة محمدي/ شاعرة ناشرون استفادوا من سياسة دعم الكِتاب وحققوا أرباحا طائلة تجارية أكثر منها ثقافية لا يمكن إنكار أن الكِتاب في الجزائر يُحظى باهتمام ودعم الدولة ورعايتها خاصة بعد المأساة الوطنية التي تعطلت معها كل مناحي الحياة بما فيها الحياة الثقافية والفكرية ودفع فيها المثقفون والكُتاب ثمنا باهظا، فكانت سنة 2007 فاتحة ايجابية على صعيد نشر الكِتاب وتعميمه وإعادة الاعتبار لمعرض الكِتاب الدولي الذي يعد تقليدا حضاريا في مسار دعم الكِتاب وإبراز قيمته المعرفية والإنسانية لنشر الوعي وتنمية الذوق ورقي الفكر. وقد استفاد الناشرون من سياسة دعم الكِتاب وحققوا أرباحا طائلة تجارية أكثر منها ثقافية نظرا لغياب الاحترافية والمهنية والتركيز على نشر الكِتاب الديني والمدرسي، أي التركيز على الكِتاب التجاري كمنتوج يدر الربح المادي ويفتقر إلى إستراتيجية تحترم العقل وتخاطب الفكر الحر الخلاق. ورغم تسهيلات الدولة في ضخ المزيد من السيولة للناشرين دون محاسبتهم أو تقييدهم بقوانين تحمي الكتاب والقارئ معا إلا أن مشكل توزيع وتسويق هذا المنتوج شكلَ عقبة في كيفية وصول الكِتاب إلى المكتبات والولايات داخل الوطن وكذلك ضعف القدرة الشرائية للمواطن مع غياب مناخ تربوي يعزز المقروئية ويُثمن قيمة الكِتاب. دون أن ننسى التشوهات التي تلحق بالكِتاب في طباعته بشكل محترم وذي جودة مما ساهم في خلق تراكم كمي على حساب الشكل والمضمون في أغلب الأحيان، فدور النشر ليس لديها لجنة قراءة تصفي الأعمال الجيدة وتمتثل لقوانين مهنية واحترافية كفيلة بحماية الكِتاب وتطويره بالإضافة إلى مسألة حساسة تتعلق بحقوق الكاتب وتعسف معظم الناشرين مع المؤلفين في الالتزام بتأدية هذه الحقوق. على الدولة أن تعمق إستراتجيتها في صناعة الكِتاب ودعمه وصياغة قوانين حازمة لردع كل هذه التلاعبات والتجاوزات التي تحول دون تحقيق الهدف الأسمى للكِتاب في الجزائر. * ناشرون * أحمد ماضي/ مدير دار الحكمة للنشر والتوزيع برامج دعم الكِتاب ساهمت في انتعاش طفيف في حركة النشر الجزائرية إن الحديث حول موضوع الكِتاب في الجزائر، يتطلب اعتماد نظرة كلية له، والابتعاد عن التصورات الجزئية، حتى يمكن الوصول إلى رؤية واضحة، لأن قضية دعم نشر الكتاب، هي قضية جزئية من ملف كبير، هو ملف صناعة الكِتاب، الذي نريد أن يكون محل اهتمام الجميع، بداية من السلطات العليا في البلاد، وصولا إلى المواطن العادي. وإذا عدنا إلى برامج الدعم، التي خصصتها الحكومة في السنوات الأخيرة، للكِتاب فإنها ساهمت في انتعاش طفيف في حركة النشر الجزائرية، سواء من حيث عدد الإصدارات ومساحتها، وكذا ارتفاع عدد دور النشر، وفتحت هذه البرامج الكثير من الأفاق الواعدة أمام حركة النشر الجزائرية. أما موضوع نوعية الإصدارات، وجودة ما تم نشره، وما يتبعها من تفاصيل أخرى، فاعتقد أن الأمر يحتاج لحوار وطني شامل، يجمع الفاعلين في المشهد الثقافي برمته، والحرص على الاستماع إلى مختلف وجهات النظر، من أجل الخروج من هذا الحوار، برؤية واضحة لحركة النشر، تكلل في النهاية بإستراتيجية وطنية شاملة لهذا الموضوع. ومن الضروري، أن يتم الانتباه إلى التقنيات الحديثة المستعملة في مجال النشر، حتى يتمكن الكِتاب الجزائري، من الظفر بمقاييس الجودة العالمية المعتمدة في صناعة الكِتاب، من أجل مسايرة التطورات الجديدة، وأيضا يكون قادرا على المنافسة في الأسواق الدولية. من المقتضيات الأساسية في هذا الموضوع، ذلك التصور الذي يعطى لموضوع النشر، الذي ما يزال يحتل الموقع المتأخر والضبابي في ذهنية الجميع، دون أن نخرج إلى مستوى جديد، الذي يتمثل في كون حركة النشر هي الدولاب المحرك للاقتصاد الوطني، والعامل الأساسي في حسم مشاريع التنمية الوطنية، وفي مختلف المجالات، وهذا التصور يجب أن يكون من أولويات الجميع سلطة وإدارة وطبقة سياسية ومجتمع مدني ورجال أعمال، وغيرهم من الفاعلين في المجتمع، ويحتاج الأمر إلى مرافقة فاعلة للترسانة القانونية، التي يفترض أن ترافق بجدية هذا الموضوع. كما يمكن التطرق إلى موضوع التوزيع، الذي نعاني من انعدامه في الجزائر، فلحد الآن، لا نملك أدوات حقيقية وسليمة لتوزيع الكِتاب، ليكون في متناول القارئ الجزائري، كون موضوع التوزيع يشكل حجر الزاوية في حركة النشر، وهو التحدي الأكبر الذي يواجه الجميع في المرحلة الحالية، والذي يتطلب الإسراع في إيجاد حلول سريعة ومناسبة له. من جهة أخرى فإن من متطلبات ازدهار حركة النشر، الدور الإعلامي والنقدي، الذي يتكفل بمهمة تقرير مصير الكِتاب، كون الأمر يتعلق بجهود مهمة في مجال إعطاء المسار الصحيح والطبيعي، لاتجاه حركة النشر، وعند الملاحظة نجد أن حركة النقد والإعلام، متأخرة جدا عن متابعة ديناميكية حركة النشر، كون المناخ لا يتوفر على الآليات المناسبة، الكفيلة بإنجاح مشروع حركة النشر في البلاد. مصطفى ماضي/ مدير دار القصبة للنشر لا وجود لقيمة أدبية أو إنتاج أدبي في الجزائر والدعم مآله الفشل إذا لم ناخذ بالتجارب العالمية الناجحة أعتقد أنه حان الوقت للابتعاد من مقولة (قالوا العرب قالوا) ونفكر فورا في القيام بدراسة ميدانية حول وضعية وحالة الكِتاب في بلادنا. هل يعقل أنه لغاية اليوم لم نقم بعد بدراسة ميدانية تتناول هذا الموضوع الحساس. وهذا ما يجب القيام به عاجلا وبسرعة وهي مهمة على وزارة الثقافة انجازها ليس فقط بخصوص الكِتاب بل بكل فروع الصناعة الثقافية. بدون هذا يصعب الحكم على ما تسميه ب (سياسة دعم الكتاب في الجزائر) و(هل سياسة الريع هذه خدمت الكِتاب حقا من ناحية القيمة الأدبية والجودة؟ أم ساهمت في قتل فعل القيمة الأدبية...) وهل لدينا قيمة أدبية حتى تُقتل؟، ببساطة أعتقد أن القيمة الأدبية تتطلب أولا إنتاجا أدبيا وهذا الأخير يستحيل بدون توفر (دور نشر عالمة Une édition savante) وهو ما نفتقده في بلادنا التي يكثر فيها أصحاب المطابع ويغيب فيها الناشرون. يستحيل الكلام عن إنتاج أدبي والجزائر ليس فيها ولا مجلة نقد أدبي واحدة. هل يعقل ذلك؟ مبدعونا الكبار، أين نشروا وأين اشتهروا هنا أم هناك، الأكيد في البلدان التي تتوفر فيها دوريات النقد الأدبي وتعتمد على صناعة ثقافية ثقيلة. لولا القيمة الأدبية التي تتمتع بها فرنسا مثلا، لما نجحت لفرض سياستها (الاستثناء الثقافي) والتصويت عليه في اليونسكو (149 صوت مقابل 191) وانهزمت بذلك الولاياتالمتحدةالأمريكية في محاولتها لفرض هيمنتها الثقافية والمعارضة لقانون (الاستثناء الثقافي). أما عن السيولة المالية في دعم الكتاب (إن كانت حقا موجودة) فمصيرها الفشل إن لم تنطلق مما هو معمول به في البلدان المعروفة بصناعة الكِتاب مثل: -القراءة العمومية- وهو مفهوم وآلية أساسية لنجاح كل سياسة كتاب، بها وعن طريقها فقط تنتشر المكتبات العمومية ومكتبات البيع ومكتبات المؤسسات التربوية بالتنسيق مع وزارتي الثقافة والتربية الخ... وبهذا فقط يزرع الحس الأدبي والخيالي والجمالي لدى النخبة المستقبلية ونتخلص من النخبة الجامدة عدوة الذوق والإبداع، ذلك هو المقصود ب القراءة العمومية. أيضا -تشجيع الترجمة- وتدعيمها بنشر الإبداع العلمي والأدبي العالمي (بلادنا لديها الكفاءات) لتجسير التعامل والتفاعل العلمي والإبداعي بين (إنتاجنا) الأدبي والإنتاج العالمي. لا قيمة لدعم الكِتاب دون دعم الترجمة في مجتمع تعيش نخبته قطيعة لغوية حادة. آسيا موساي/ مديرة منشورات الاختلاف عملية الدعم شجعت البعض على دخول مجال النشر وبفضلها ربح المشهد الثقافي دور نشر محترمة لا شك أن صناعة النشر التي عرفت إهمالا كبيرا في سنوات التسعينات بعد تحرير القطاع من قبضة الدولة، تعيش الآن عصرا مختلفا منذ قررت وزارة الثقافة الدخول بقوة لدعم هذه الصناعة. وككل عملية إنعاش لقطاع لا يملك الكثير من التقاليد والخبرة عرفت هذه العملية الكثير من القصور خصوصا في بداياتها ومع كل خطوة كانت الأمور تتجه نحو الأحسن رغم كل الملاحظات التي تبقى قائمة. استطاعت عملية الدعم أن تشجع الكثيرين على الدخول إلى هذا المجال بأفكار جديدة وطموحات عالية، وربح المشهد الثقافي دور نشر محترمة مثل دار ميم ومنشورات آبيك. إضافة إلى أن هذا الدعم أيضاً سمح لدور أخرى كثيرة الاستمرار في محيط صعب وبالتالي الحفاظ على مهنة تواجه الكثير من المصاعب في جميع الدول العربية، فاستطاعت الجزائر أن تكون الاستثناء وتنتعش فيها هذه المهنة رغم جملة من العراقيل كغياب منافذ البيع ونقص المقروئية وانتشار القرصنة واختفاء المكتبات المدرسية. يجب أن نقر بأن هذا المناخ الايجابي أفرز الكثير من الأفكار الجديدة المصاحبة لعملية الدعم مثل مشروع مكتبة لكل بلدية ومثل تفعيل المكتبات المدرسية، فالعناوين المدعومة عددها كبير وهي مرشحة لأن تمون جميع المكتبات العمومية في كل زوايا الوطن الأربع. بقيَّ أن ندرس التجربة بعمق أكبر ونخلصها من المتطفلين الذين لا يرون فيها سوى استفادة مادية من ريع بدون أي مشروع فكري أو جمالي، وقد علِمنا مؤخراً بكثير من التفاؤل أنه سوف يكون هناك دفتر شروط يوقع عليه المستفيد يقضي باحترام مجموعة من المقاييس على مستوى المضمون والشكل، وفي رأيي هذه بداية تصحيح المسار والاتجاه نحو منح الدعم للمشاريع الحقيقية التي تحمل في صلبها أفكارا يحتاجها المجتمع الجزائري بكل شرائحه.