تنشط في الساحة الثقافية الجزائرية، اليوم، ما يقارب 300 دار نشر، تطبع سنويا ما يقارب ال2000 عنوان، أغلب تلك العناوين تتلقّى دعما خاصا من قبل وزارة الثقافة المتحكّمة لحدّ اليوم في كل ما يطبع من كتب في السياسة والفكر والأدب والثقافة والدين، من خلال الصندوق الوطني لدعم الإبداع، ومع ذلك يكاد لا يطّلع على تلك الأعمال أصحابها أو لا تتعدى مساحة الترويج لها وتوزيعها حدود العاصمة لأسباب كثيرة ومتعددة أهمها غياب الحركية في دور النشر والمكتبات التي لا تتحرّك إلا بتحرك "جيب" الوزارة المعنية بالثقافة. لهذا، أصبح الناشر الجزائري مرهونا بالوزارة وريع تظاهراتها الكبيرة، كتظاهرة الجزائر عاصمة الثقافة العربية، القدس عاصمة أبدية للثقافة، المهرجان الثقافي الثاني للثقافة الإفريقية، تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية، وهو اليوم يستعد للاستيلاء على ما ستجود به خزينة تومي، الخاصة باحتفالية خميسينية الاستقلال، التي يعول عليها عدد كبير من هؤلاء الناشرين لتعويض سنوات قادمة ستتوقف فيها هذه الخزينة عن تمويلهم بعدما تنتهي التظاهرات الكبيرة التي وإن طال أمدها منذ سنة 2003 بعد احتضان تظاهرة "سنة الجزائربفرنسا" وهي تغدق عليهم وتتحكم في مصيرهم كما يقول البعض.. حاولنا في عدد اليوم من الملحق الثقافي أنّ نسأل أهل الاختصاص، إلى متى سيظل هؤلاء مرهونين بوزارة الثقافة في طبع أعمال مبدعينا.. دور النشر الحديثة تعمل بهدف البزنسة الناشر رابح محمودي ممثل درا قرطبة هناك مفهوم متداول عند أغلبية الناس، لا سيما المهتمين بالشأن الثقافي بأن دور النشر التي تموّلها من حين لآخر وزارة الثقافة تابعة بالضرورة لها خاصة التي موّلتها أثناء التظاهرات الثقافية خلال السنوات الأربعة الأخيرة، وهذا في اعتقادي مفهوم خاطئ، لأن هذا المشروع ابتدأه رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة من أجل تطوير الكتاب وصناعته، وكذا تشجيع المقروئية إلى جانب دعم الثقافة في المجتمع الجزائري. لذا من الواجب تصحيح هذه الفكرة الخاطئة التي لا تمس جميع دور النشر والناشرين، فالبعض منها ظهر حديثا وبالضبط سنة 2007 تزامنا مع فعالية الجزائر عاصمة الثقافة العربية، وفي هذا الصدد أقرّ بوجود بعض التجاوزات تخل بالحقل والعمل الثقافي من خلال اهتمام البعض منها ب"البزنسة" بعيدا عن خدمة القرّاء والمقروئية والثقافة بصفة عامة، ومن غير الممكن الحكم عليها أو القول إنها ترتبط بهذه المشاريع، وإنما ينظر إليها خارج مشاريع وزارة الثقافة، وبالتالي وجب التمييز بين نوعين من دور النشر، الأولى يطلق عليها اسم "الحديثة" والتي تضع نصب أعينها الأموال وتحقيق الربح، والثانية معروفة ب"العريقة" التي نشأت منذ عدة سنوات ولم ترتبط أصلا بمناسبات أو تظاهرات ثقافية معينة يقترن هدفها بخدمة المعرفة والبحث والفكر الجزائري عموما، وكذا تطويرها في مختلف النواحي. أما التمويل الذي استفادت منه دار نشرنا كان في أعوام 2008، حيث تم طبع عنوانين في هذه السنة وفي مقدمتها مؤلف في الأدب عبارة عن رواية كتبها محمد فلاح موسومة ب"الفائق"، وكتاب تاريخي للدكتور محمد سلام تحت عنوان "الهوية عند الجيل المغاربي في فرنسا"، أما بالنسبة لسنة 2011 فتم طبع ثلاث عناوين متنوعة بين التاريخي والأدبي والسياسي، إلا أنه لم نحصل على أي شيء سنتي 2007 و2009. وبطبيعة الحال كانت دار قرطبة وفيّة لخطها واستراتيجيتها، إذ طبعت عشرات الكتب المتعلقة بتلك التظاهرات وغيرها على حسابها الخاص دون انتظار أي مصادر تمويل خارجية، وهذا في اعتقادي يضاف إلى مئات العناوين والتي قدّرت بأكثر من 4500 عنوان مطبوع منذ قرابة العشر سنوات أي منذ نشأتها. من جهة أخرى، أرى بأن الاحتفال بالذكرى الخمسينية للاستقلال هي الأخرى تحتاج لأن نبرهن عبرها عن مصداقيتنا في خدمة الأدب والفكر الجزائري، حيث حضّرنا لهذا الغرض جملة من العناوين قاربت ال 30 عنوان مختلف يتناول الجانب التاريخي في الجزائر من خلال الثورة والمسار الديمقراطي لبعض الحركات الوطنية على غرار مؤلف "جمعية العلماء المسلمين بغليزان"، وكذا "تراث الحركة الإسلامية"، بالإضافة إلى عدة كتب لا يسعني ذكرها لك الآن، وما يشغل بالي سؤال يبقى عالقا في الأذهان هل تُقبل هذه العناوين أثناء تقديمها للجان وزارة الثقافة أم لا؟ تمويل دور النشر يجب أن يتم بشفافية وديمقراطية الناشر أحمد ماضي ممثل دار الحكمة أعتبر تدعيم صناعة الكتاب بصفة عامة موجودة في كامل دول العالم، وفي الجزائر هناك قوانين كثيرة تدخل في هذا الإطار لكن لا يتم تطبيقها لجملة من الاعتبارات التي ترجو الفائدة من عدمها في دعم الكتاب. وخلال الخمس سنوات الأخيرة التي عرفت إقامة مهرجانات ثقافية عديدة وقبلها سنة الجزائربفرنسا، لعب الدعم دورا كبيرا في تحريك النشاط المطبعي والمكتبي من خلال تجديد الكتب نوعًا وكمًا، لأنه قبلها بخمس سنوات عرف هذا النشاط ركودا أدى إلى غلق الكثير من المطابع ودور النشر. وبهذا الخصوص، أشجع مواصلة دعم الكتاب شريطة تحقق ديمقراطية وشفافية في ذلك إن لم أقل الدعم بالتساوي بين كافة دور النشر حتى لا يكون هناك تهميش وإقصاء لبعضها. وأوضح بأن دار الحكمة لم يتم دعمها في تظاهرتي المهرجان الثقافي الإفريقي وتلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية، لكن نشاطنا لم يتوقف، حيث طبعنا 20 كتابا ضم خمس روايات وكتب أخرى على رأسها كتاب للدكتورة لزرق مغنية عنوانه "التعليق من الجزائر إلى بغداد" المترجم إلى اللغات الثلاث العربية الإنجليزية والفرنسية، باستثناء سنة الجزائر عاصمة الثقافة العربية سنة 2007، والتي استفدنا منها من دعم أنتجنا خلاله 24 عنوانا أغلبيتها كتب حول الصوفية. بالنسبة للسنة الجارية وتزامنا مع الذكرى الخمسين لاستقلال الجزائر أعددنا قائمة من 100 عنوان في مجال التاريخ باللغتين العربية والفرنسية، وقمنا بتقديمها للجان القراءة على مستوى وزارة المجاهدين، التي بدأت النظر فيها مؤخرا في انتظار الرد النهائي خلال الأشهر المقبلة، وهو حال جميع دور النشر التي طرحت أعمالها إلى لجان القراءة. نرحّب بالدعم ولكن لا يمكن الوقوف عنده الناشر سنوسي سعيد ممثل منشورات الأنيس منذ تأسيس منشورات الأنيس سنة 2000 ونحن نعتمد على الأموال الخاصة، ونحاول بالجهد المادي والعقلي تثبيت خطواتنا نحو الوجود الفعلي داخل المشهد الثقافي الجزائري، لا سيما ونحن مختصين في كتاب الطفل وحاصلين على رخصة من مديرية التربية. ونحاول من خلال إمكانياتنا الخاصة النهوض بهذا المجال الذي يعتبر مسؤولية كبيرة لأنه يربي الناشئة. إذن فيما يخص الدعم وعلى الرغم من كافة الصيغ التي عرفتها وزارة الثقافة، وكذا المناسبات التي مرت على الجزائر واحتُفي من خلالها بالكتاب، لم نتحصّل إلا على دعمين سنة 2005 الأولى لمجموعة قصصية للطفل بالفرنسية والثانية بالعربية وفي ذات المجال، وما عدا ذلك لم نستفد من شيء. من الضروري أن تساهم الدولة في هذا المجال، والحقيقة أن سوق الكتاب وتكاليفه غالية جدا ولا يمكن طبع أكثر من 5 كتب سنويا. وعليه، أنا لا أمانع على الإطلاق في دعم الكتاب، على العكس، مثلما الخبز والحليب مدعمين، فمن حق الكتاب أن يكون مدعماً. وحتى نكون صرحاء لا بد أن ندرك جيداً أن هناك دعم سنوي لكن لا توجد شفافية في توزيعه بين دور النشر، لذا على وزارة الثقافة أن توضّح هذا الأمر وهذا سيكون في صالح الكتاب والقارئ الجزائري. من جهتنا على الرغم من كل هذا، سنواصل النشر بإمكانياتنا الخاصة، ولا ندخر جهدا من أجل تقديم كتاب الطفل بأحسن صورة، ولا يمكننا على الإطلاق أن ننتظر المساعدة، بل سنواصل مسيرتنا ورسالتنا بجهدنا وإمكانياتنا الخاصة. لا نعتمد على وزارة الثقافة في طبع الكتب والتمويل يبقى هاجس الجميع الناشر عامر جعيجع ممثل دار الخلدونية دار النشر الخاصة بنا تنشط بطرق مختلفة وواضحة من أجل تمويل طبع الكتب ولا نعتمد على تمويل وزارة الثقافة البتّة، لأن ما نسوّقه ونوزعه كفيلة مداخيله بطبع مجموعة من الكتب. ولا أخفي عنكم بأننا استفدنا مرة واحدة سنة 2007 بمناسبة الجزائر عاصمة الثقافة العربية من تمويل قدّمته وزارة الثقافة. حقيقة لا أعلم كم يساوي المبلغ، لكن ما أعرفه بالضبط أننا طبعنا به أربعة كتب مختلفة. وعليه أؤكد بأن دار نشرنا لم تحظ بفرصة طبع ولا كتاب واحد خلال التظاهرات التي احتضنتها الجزائر، على غرار تظاهرة المهرجان الثقافي الإفريقي، وتلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية، أما فيما يخص الذكرى المخلّدة لخمسينية الاستقلال فإنه في هذا الجانب لم يحدث أي اتصال بيننا وبين وزارة الثقافة على مستوى التمويل أو الأعمال التي سنقدمها في إطار هذه المناسبة الثورية التي سطّرنا لها برنامجا ثريا، حيث خصّصنا لها مجموعة من العناوين المتعلقة بتاريخ الجزائر وأعلامها منها ما طبع ومنها من لا يزال قيد الطبع. وأود الإشارة فقط إلى أن التمويل يبقى عائقا يمس مختلف دور النشر الجزائرية دون استثناء، وبالتالي هو ما جعلنا نعتمد على إمكانياتنا الخاصة في طبع الكتب وتطويرها من خلال عائدات التوزيع والبيع والعقود المبرمة مع الكتّاب والمهتمين بالنشر عندنا، لذا لا يتوقف عملنا على تمويل وزارة الثقافة مهما كان نوع المناسبة التي تحتضنها الجزائر. بعض دور النشر تستنجد بوزارة الثقافة من أجل الحصول على سجلات تجارية الناشر مصطفى ذبيح ممثل دار الهدى إن ما يقال عن الأموال التي تعطيها وزارة الثقافة لدور النشر الجزائرية بغرض طبع الكتب لا يتعلق بالناشرين بقدر ما هو دعم للإبداع والعمل وكذا المؤلف. وفي هذا الخصوص أعتبر استفادة دور النشر من غلاف مالي خلال مجمل التظاهرات الثقافية المنظمة ما هو إلا مساهمة في إنجاز مشروع كبير يهدف إلى المعرفة وتشجيع القراءة وتطوير الفكر والثقافة الجزائرية على وجه العموم. وهذا لا ينفي وجود بعض من المحسوب عليهم ممن يستنجدون بالوزارة من أجل الحصول على سجلات تجارية لأغراض شخصية ومهنية لا تمتّ بصلة لخدمة الحقل الثقافي. وشعض السلبيات التي يعرفها النشر في الجزائر، إلا أن هذا الأخير أعطى دفعا قويا لصناعة الكتابة والكتاب، وبالتالي فمن الضروري استمرار دعم الأقلام، لا سيما الجديدة والمواهب الشابة بنسبة أكبر مقارنة بالأقلام القديمة التي لها موقع من الإعراب. كما أعود إلى الفكرة السابقة المتعلقة بالتمويل، حيث أقرّ بدعم وزارة الثقافة لنا سنوات 2007، 2009 و2011، حيث ساهمنا ب 27 عنوان في المجموع، منها 12 سنة 2007، 6 في 2009، و9 عناوين السنة الفارطة، ورغم هذا الدعم المقدم لنا إلا أن دار الهدى متواجدة في أغلب التظاهرات ببرنامج سنوي دائم لا يعتمد على المناسباتية فقط، ويحوي عديد الأنشطة التي تموّل بأموالنا الخاصة، والدليل كتب كثيرة كنا قد قدمناها لوزارة الثقافة سابقا وبسبب تأخرها في إعطاء إجابة قمنا بطبعها. بالمقابل، دار الهدى لم تعدّ ولا برنامجا يتعلق بالخمسينية مع وزارة الثقافة سوى مجموعة من الأعمال المتعلقة بتاريخ الجزائر بدءا من 1830 إلى غاية 1962، المطروحة الآن على طاولة وزارة المجاهدين التي لم ترد بعد علينا. فبين مؤيد لفكرة التمويل أو ما يحبّذ الكثير من الناشرين إطلاق عليه اسم دعم وزارة الثقافة لصناعة الكتاب وبين مصرّ على نشره بماله الخاص، تظل بعض دور النشر تركض وراء ريع الوزارة الذي سينتهي لا محالة يوما ما بانتهاء التظاهرات الثقافية، فيما يسعى بعضها الآخر لإثبات مصداقية عمله الطويل في هذا الميدان نتيجة الخطة المنتهجة من طرفها في طبع ونشر الكتاب، نافية في نفس الوقت استغلالها للفرص والمناسبات الثقافية لمواصلة العمل. "وجدنا الدعم من دور نشر أجنبية ولم نجده في الجزائر" الناشر مكتار فوزي ممثل دار قصر البخاري في الحقيقة دار قصر البخاري لم تعتمد يوما في طباعة الكتب على دعم وزارة الثقافة، بل على حسابها الخاص، لأنها في الأساس لا تطبع في الجزائر بل في مصر، والسبب يعود إلى تكاليف الطباعة التي تعتبر أرخص في مصر مقارنة بالجزائر، حيث تكلف الطباعة مبالغ باهظة، ولا أعتقد أن السبب الرئيسي يعود إلى أن الطباعة في مصر لا تخضع للرسوم على عكس المعمول به في الجزائر. ولأن الدار لم تتلق أي دعم مالي من طرف وزارة الثقافة، فهي لا تزال إلى غاية اليوم تعتمد على الطبع في مصر والاستيراد من ذات البلد، خاصة وأن الدار بدأت العمل كممثلة لدار الغد الجديد المصرية منذ تأسيسها سنة 2005 وبقيت وفيّة لها. ولا أخفي حقيقة أننا وجدنا الدعم في دور نشر مصرية ولم نجد الدعم في بلادنا، ناهيك عن كون الطباعة في مصر تتميز بالجودة سواء ما تعلق بنوعية الورق وكذا جماليات الغلاف. لكننا قبل انتظار الدعم من الوزارة يجب قبل ذلك الحديث عن دور الوزارة في منح تسهيلات لاستيراد الكتب من خلال التسهيلات الجمركية، زيادة عدد المعارض الوطنية وتنظيمها في أماكن تضمن إقبال جمهور واسع، بالإضافة إلى تفعيل دورها في تنظيم مختلف التظاهرات التي تتعلق بالكتاب خدمة للكتاب والقارئ الجزائري، لأن كل الفعاليات التي شاركنا فيها إلى غاية اليوم كانت عن طريق الاتصال بالمؤسسات الخاصة بالتنظيم. كما يجب على الوزارة أن تفرّق بين دور النشر الفاعلة التي تنشط بصفة مستمرة وغيرها من الدور التي تعتبر نشاطاتها مناسباتية، حيث تعمل تحت راية الدعم الوزاري فترة معينة ثم تختفي من السوق، والأهم من ذلك حبّذا لو تنشئ الدولة مطبعة وطنية بالحجم الذي يتكفل بكل متطلبات الطباعة في البلد وتلغي رسوم الطباعة.