الدخول الأدبي في الجزائر.. وهم أم حقيقة؟ مع الأعوام الأخيرة بدأت تظهر على سطح المشهد الثقافي الجزائري ظاهرة "موسم الدخول الأدبي الجديد"، ومعها بدأ الكُتاب يتسارعون كل عام لإصدار كتبهم تزامنا مع هذا الموسم الموهوم والمزعوم للدخول الأدبي من أجل تسجيل بعض الحضور ليس إلا، حتى وإن كان حضورا بمعناه الرمزي أو الاستعراضي لا أكثر، الغريب في الأمر أن معظم الذين يهللون لموسم الدخول الأدبي يلجأون إلى إعادة طبع كتبهم في طبعات ثانية وثالثة ورابعة حتى، رغم أن الطبعات الأولى لم تنفذ ومازالت مكدسة في مخازن المطابع ودور النشر وحتى في بيوت أصحابها وفي رفوف الغبار أحيانا، لكن كأن وهم موسم الدخول الأدبي في الوسط الثقافي الجزائري يوازيه ويقابله وهم الحضور الذي يعاني منه بعض الكُتاب والأدباء. المعضلة تحتاج لجلسات جس الداخل النفسي للأدباء ربما. لكن في هذا العدد الجديد من كراس الثقافة نحاول جس أراء بعض الناشرين والكُتاب معا، فكيف يرى/ ويقرأ الناشر والكاتب موسم الدخول الأدبي عندنا، وهل عندنا حقا تقاليد خاصة بالدخول الأدبي حسب مقاييس ومعايير الدخول الأدبي في بقية البلدان الأخرى المعروفة بتقاليدها الراسخة في هذا الشأن، وهل الدخول الأدبي بمعناه الحقيقي لا يعدو أن يكون مجرد فرقعات إعلامية من أجل ملأ بعض الفضاء الإعلامي ولو بتوهمات لا ينبغي أن تحدث أو تكون في المشهد الأدبي/الثقافي عموما. وهل اجترار الإصدارات القديمة في طبعات جديدة يمكن أن تشكل حقا خصوصية وثراء موسم الدخول الأدبي الذي يتحدثون عنه ويحتفون به، رغم أن المواسم الأدبية كما هو شائع عالميا تخص أكثر تقديم الإبداعات الجديدة والاحتفاء بها. من جهة أخرى هل هذا الموسم الأدبي الجزائري الجديد يكون غالبا مرتبطا بالدخول الاجتماعي وبنشاطات وتظاهرات أدبية كمعرض الكتاب مثلا، ولماذا يختلف مفهوم موسم الدخول الأدبي في الجزائر عنه في بقية البلدان الأخرى التي تعيش دخولا أدبيا حقيقيا، كبيرا وضخما تجتهد من أجل موسمه طوال العام. هذه أسئلة مهمومة بمفهوم ما يسمى ب"موسم الدخول الأدبي" في الجزائر، وهنا أراء بعض الناشرين والكتاب يقاربون فيها الظاهرة كلّ حسب مفهومه وقناعته. استطلاع/ نوّارة لحرش بشير مفتي/ روائي وناشر تسمية لا تنطبق كثيرا على وضعيتنا يرتبط ما نسميه بالدخول الأدبي عندنا بمعرض الكتاب الدولي للكتاب وهو بالفعل فرصة للالتفاف حول الكتب الجديدة، حيث يقبل القراء من كل ربوع الوطن ومختلف مناطقه لاقتناء آخر الإصدارات. وتيمنا بما يسمى في فرنسا بالدخول الأدبي صار لنا هذه التسمية التي طبعا لا تنطبق مائة بالمئة على وضعيتنا ولكن لا أجد مشكلا في أن نحرص على هذا التقليد الذي مهما كان نقصه فهو شيء جيد على العموم وأيضا يلعب الإعلام دورا في تسليط الضوء على جديد الكتاب وهذا في حد ذاته شيء جيد في ظل غياب المعطى الأدبي على الصحافة الجزائرية عموما. طبعا كانت هنالك جائزة المكتبيين التي حتى لو كانت تمنح بطريقة مشبوهة لمن يكتبون بالفرنسية أو المترجم لهم نحو الفرنسية ويقصى منها المعربون كانت تساعد في هذا الدخول الأدبي بشكل ما لكنها غابت منذ سنوات وهذا يعني أنه دخول بدون منافسة تقريبا. روايات وأعمال تصدر ويعمل بعض الناشرين على ترسيخ تقليد صدور الأعمال في هذه المناسبة ونحن في الاختلاف سيكون دخولنا بعمل روائي جديد للروائي أمين الزاوي "حادي التيوس" وهي رواية مثيرة وأظن سيتحدث عنها الإعلام بكثرة خاصة بالنسبة لموضوعها كما رواية سمير قسيمي الرابعة "في عشق امرأة عاقر" وهي أيضا رواية جريئة كما عودنا سمير على ذلك، كما توجد مجموعة قصصية لكاتب جديد اسمه فريد هدى بعنوان "عليها تسعة عشر" أتمنى أن يلتفت لها المتذوقون لأنها قصص في غاية التركيب والتجريب والاحترافية. مهما يكن علينا أن نثق في أنفسنا وأن نستمر في الإبداع والكتابة فلقد نال منا اليأس الكثير في السنوات الأخيرة وربما سنتعلم مع الوقت أن الضجيج لا ينفع ولكن العمل الجاد والحقيقي والطويل. توفيق ومان/ مدير دار فيسيرا للنشر الصالون الدولي للكتاب يعد بمثابة موسم الدخول الأدبي لا توجد في الجزائر تقاليد تسمى بالدخول الأدبي أو الثقافي في الجزائر، فالدخول الاجتماعي هو الأساس والطاغي على كل المشاهد الأخرى سواء الحياتية منها أو الأدبية، فالدخول الاجتماعي في الجزائر أصبح رزمة تنطوي تحت ظلها كل النشطات الأخرى ولكن قبل 10 سنوات ومنذ عودة الصالون الدولي للكتاب وتسجيله في الأجندة العالمية بأن يكون بين شهري سبتمبر وأكتوبر أراده القائمون عليه بأن يكون بمثابة الدخول الأدبي والثقافي في الجزائر وهذا لا يعني أن للجزائر دخول أدبي تنتظره الهيئات والأدباء والمثقفين وطرح جديدهم وإصداراتهم وتخصيص ندوات أدبية وفكرية، فصار الصالون مركب تجاري تباع فيه الكتب كسلعة للأسف، لأنه لا توجد استمرارية النشطات والندوات بعد انقضاءه مباشرة، أما فيما يخص النشطات الأخرى التي تقام هنا وهناك فهي نشطات أسميها بالموسمية أو بالأحرى مناسباتية، أما فيما يخص إعادة النشر بحجة نفاذ الكمية هذا لا يعني رواج هذا العمل أو ذاك فإعادة النشر لأن الكميات التي تم طبعها هزيل جدا فأصبح الناشر أو الكاتب يقوم بطبع 500 نسخة و ال1000 نسخة إلى من استطاع إليها سبيلا، فصارت عملية الاجترار الأدبي وطبعا لا يوجد إبداع متجانس مع نسبة تزايد الفرد الجزائري، حتى وإن وجد إنتاج إبداعي فهو مقتصر على مجموعة معينة من الذين يهيمنون على الساحة الأدبية و تكرست إعلاميا مع أنه توجد أقلام شابة مهيمن عليها ولا تستطيع الظهور أو النشر إلا من ساعفته الأقدار. دار فيسيرا تحاول أن تقدم الجديد دوما للمشهد الأدبي وتحاول أن تكون حاضرة في كل موسم أدبي وفي كل وقت، وستكون حاضرة في معرض الجزائر الدولي للكتاب بالكثير من العناوين من بينها: "ماء لهذا القلق الرملي" ديوان شعر لمحمد الأمين سعيدي، "فاعل الحبر" ديوان شعر أيضا لرمزي نايلي، "في الثقافة الشعبية الجزائرية" لعبد الحميد بورايو، "على جبينها ثورة وكتاب" وهو عبارة عن حوارات قبل الثورة وبعد الثورة التونسية لمجموعة من المثقفين والسياسيين التوانسة من إنجاز يوسف بعلوج. أحمد ماضي/ مدير عام دار الحكمة ورئيس النقابة الوطنية لناشري الكتب والأمين العام للإتحاد المغاربي للناشرين الثقافة ليست رهانا استراتيجيا في حياتنا العامة إن عبارة الدخول الأدبي ظهرت في بيئة ومجتمع معين عرف بتقاليد خاصة به ومرتبطة بممارسته الأدبية والثقافية وإن كان مع مرور الزمن قد اكتسب الكثير من الخبرات والتجارب التي أثمرت الكثير من النتائج. أما في الجزائر فإن المشهد الثقافي بحاجة ماسة اليوم قبل الغد إلى ضرورة إصلاحات عميقة ومهمة كون الأولويات التي كانت تتصدر البلد قد تم تجاوزها سواء بانجازها أو إزاحتها من الأجندة أو تأجيلها مما يفتح الباب واسعا أمام الإسراع في القيام بخطوات سريعة وعميقة لإعادة الاعتبار للحياة الثقافية كون تأثير التقاليد القديمة والممارسة منذ أزمنة ماضية أصبح ضررها أكثر من نفعها مما يتطلب القيام بعمليات شاملة وواضحة المعالم من أجل الخروج من النفق المظلم الذي نراوح فيه. ومن أهم الخطوات والتي تأتي في المقدمة هي إحساس القائمين على مصير البلاد بأن الرهان الثقافي هو الخيار الاستراتيجي الذي بإمكانه حماية الأمن القومي والدفاع عن المصلحة العليا للبلاد كون الأمر يتعلق بمصير الأجيال القادمة والتي لم يتم التحضير ما يكفي لكي تجده غدا. ضرورة إعادة النظر في السياسة الثقافية المتبعة منذ سنوات، هذه السياسة التي تم توفير الإمكانيات الضخمة التي لم يتم توفيرها منذ الاستقلال إلا أنها شارفت على الإفلاس وانتهت إلى الفشل كونها تفتقد إلى الرؤية الواضحة والهدف الإنساني كما يعوزها الإرادة في بناء حياة ثقافية محترمة تكون في مستوى مكانة الشعب الجزائري التاريخية. كما يكون من الواجب أن تمكن السياسة الثقافية بأناس يملكون من القدرة والإرادة والبصيرة وروح المبادرة الخلاقة بعيدا عن حسابات العصب والجماعات الضيقة والفئوية والمقتصرة على المصالح الشخصية. كما يأتي في الأولويات المشاركة الجادة والفعالة للمجتمع المدني الثقافي الذي يجب أن يرتقي إلى مستوى التحديات الراهنة ويستجيب لمتطلبات المرحلة وأن يخرج من قوقعته الضيقة، كما أن مساهمة الإعلام الجزائري الذي ننتظر منه أن يساهم بفعالية وجدية في إنضاج المشهد الثقافي والانتقال به إلى المستوى الذي يساهم فيه هذا المشهد في التنمية الوطنية. في الأخير أحب التنويه أن دار الحكمة ستدخل الموسم الأدبي الجديد بعدة عناوين جديدة، أذكر منها: "حركة الإعلام الثقافي في الجزائر/تقدير مشهد" لمحمد بغداد، "سيدي بومدين" للدكتور رايس حسين والطيب ولد العروسي، "مختارات من الأمثال الشعبية، رباعيات" من إنجاز عبد الرحمان سولمية، "بحري يغرق" ديوان شعر لعفاف فنوح، "قاموس التيجانية" لمحمد التيجاني. وغيرها من الإصدارات المتنوعة. آسيا علي موسى/مديرة دار ميم للنشر يجب الحديث عن مكانة الأدب في حياتنا قبل أن نفتعل له دخولا وموسما للحديث عن الموسم الأدبي يجب الحديث عن مكانة الأدب أولا في حياتنا وأيامنا العادية قبل أن نفتعل له دخولا وموسما وموعدا للاحتفاء. هل للأدب حقا فضاء وحضورا جادا؟ وما رؤية المجتمع له، وما المطلوب من الناشر والكاتب أن يفكرا فيه قبلا، هل: متى أطلق الكتاب الفلاني أو هل سأطلق الكتاب الفلاني أو لمن سأطلق الكتاب الفلاني؟. وهل الأدب مواسم وهبّات ظرفية أم حياة تُمارس وتُعاش وتُحترم وحاضرة يوميا؟. الدخول الأدبي في البلدان التي لها تقاليد راسخة، تعني أن يطأ المهتمون عتبة البيت الأدبي المتجدد بما يحمله من تأثيث للمشهد، يتهافت لمتابعة الجديد على مدار السنة ومكافأة المستحقين من خلال الجوائز التي تعد بالمئات، أما عندنا فالموسم أيام معدودات وحدث يمر، وإلا كيف نعلل ونفسر هبّة الإعلام الآن تحديدا ليسألك: ما رأيك؟ ويغفل أن يسألك على مدار العام ما جديدك؟، سؤال ينبغي أن يطرح دوريا وكل وقت وتقليد حري به أن يّكرس لصنع القارئ المتابع، والكاتب المُحفزّ والناشر المتجددّ. هذا وأمام حيرة الناشر- أتحدث هنا عن الناشر المتخصص في المجال الأدبي- على قلتهم- كم منهم سيغامر بعدد من العناوين يترقب لها- موسما- وحيدا وهو معرض الجزائر الدولي للكتاب – بات التقليد الثقافي المترقب من طرف المواطن لأسباب تتباين- ثم تتراصف الكتب بعدها في مكتبات تخصص لها الرفوف الأضيق ويتكالب عليها الغبار والترقب. لا أحد يجهل، وإن دلت مظاهر الإقبال على الكتاب على عكس ذلك، مما يثير تفاؤلا مغلوطا- دون أن أعني هنا أنني متشائمة إلى الحد الذي يقتلني كناشرة اختارت التخصص الأدبي كمغامرة غير مضمونة العواقب حتى لا أقول أسوأ من ذلك. لا أحد يجهل مستوى المقروئية عندنا، أتحدث عن قارئ نوعي يفتش عن الجديد بفضول المتبصر المستكشف، أتحدث عن قارئ لم تتوقف ذاكرته عند اسم أو اثنين كرسهما الإعلام واحتاجهما بحث وفرضتهما ضرورة، لا أتحدث عن قارئ يتباهى بكمّ التنوع الذي تضج به مكتبته، بل عن قارئ حقيقي، تعرفه من طريقة تفحصه للكتاب، كم قارئا من هذا النوع تلقاه من بين الآلاف زائر؟، كل شيء يتجدد في عالمنا كل يوم والأرض تضج بالخيرات والمواهب، فلمَ نهدر ونقتل باللامبالاة وسوء التسيير والتخطيط وضيق الأفق كل جديد، لمَ لا ننصف ما هو جميل ونقدمه فقط على هذا الأساس دون معايير مصلحجية ورهانات بليدة تعتمد الفرقعة الإعلامية والرواج فحسب على مدار السنة نهبها فرصا أكبر. نعم هناك الكثير من المجهودات في انتظارنا إن أردنا -جميعا وعلى كل المستويات- أن نغير الكثير من الذهنيات والسلوكات لنرقى إلى مصاف الدول التي تحترم ذاتها باحترام مكانة الثقافة – فعلا وجديا- بإرساء عادات وتقاليد لا تنفصل عن واقع الحال بل تمسك بخيوطه. المواسم الأدبية لا تنبع من محاكاة بلدان أخرى بل من تغيير كامل وواعي للمشهد وإعادة القراءة إلى مكانتها ودعم الناشر الجاد والكتاب الجيد، فلا أمة ترقى من غير رقي فعلي للأدب في حياتها وكما يقال: أكثر المدن بلادة لا تخلو من الشّعر. دار ميم للنشر تنتظر كما الجميع معرض الجزائر الدولي لتقدم جديدها –تغامر الدار بتقديم الجديد أدبيا والجاد- ولكن ماذا بعد؟. على المسؤولين على الحقل الثقافي السعي لتكثيف التقاليد االثقافية على مستوى كل مدن الوطن وألا يبقى الحدث حكرا على العاصمة فقط، وعلى الإعلام أن يلعب دورا أكبر وأكثر جدية، وعلى دور النشر أن تتجرأ أكثر بدلا من ركوب موجة الاستهلاك والحسابات التجارية فقط. النشر رسالة ثقافية قبل كل شيء. أتحدث هنا من موقعي كناشرة والكتابة روح الأمم، أتحدث بروح القلم الذي زجني في هذا العالم، وعلى كّل تحمل مسؤولياته. لنكن جادين قليلا ولنتوقف عن تنميق الحقائق. الحبيب السايح/ قاص وروائي وضعية الكتاب مدعاة للحزن أشعر بقليل من الخجل وبكثير جدا من بالمرارة إذ أتحدث عن الدخول الأدبي في الجزائر. إنه كان ولا يزال اللاحدث. رياضة كرة القدم العرجاء والرقص الرخيص والحفلات المشبوهة الممولة من الخزينة العمومية هي التي تظل مستأثرة بالاهتمام إليها، لأنها أقوى وسيلة للتلهية عن المشاغل الحضارية، التي يعتبر الدخول الأدبي واحدا من أهم عناصر الحركية الثقافية والجمالية، في الدول التي تحترم ثقافتها وتدافع عن خصوصيتها وتحمي وجودها. المتتبعون للشأن الثقافي والأدبي من الإعلاميين الجزائريين، وهم في غالبيتهم كُتاب، يملكون كثيرا من المؤشرات على ما تطرحه دور النشر الجزائرية في سوق الكتاب العلمي والفكري والأدبي، الروائي منه خاصة. فقد يكون الأمر مفيدا جدا لو أنهم يكشفون بالأرقام ذلك، لتظهر الحقيقة التي تثير الغصص. أما ما تعلق بتصور الكِتاب وبإخراجه كما في ترقيته وفي توزيعه فأكثر إثارة للحزن، برغم الإمكانات الجزائرية، لأن سوق النشر كما كثير من الأسواق الأخرى دخلها من ليس أهلا لها، إلا قليلا من الدور التي لها تقاليد مطبعية ونشرية موروثة الرسوخ. وكيف يمكن الحديث أيضا عن دخول أدبي في ضعف مزمن لشبكة التوزيع على مستوى التراب الجزائري كله وانعدام آليات الترقية في الصحافة المكتوبة وفي القنوات الإذاعية والتلفزية الجزائرية وتورّط دور النشر في عملية ترقية الكِتاب والكاتب؟. ثم إن المتتبعين من الإعلاميين للشأن يستطيعون أن يحسبوا، ولكن على أصابع أيديهم، عدد كتاب الرواية الجزائريين باللغة العربية وبالفرنسية معاً المقيمين في الجزائر الناشرين في دورها. أعتبر ذلك أحد المعايير التي يمكن أخذهما في النقاش إذا ما أردنا أن نتحدث عن نوايا دخول أدبي كما يتم في البلدان المطلة علينا من الضفة الأخرى. فسنونو واحدة لا تصنع دخولا أدبيا كما هي لا تصنع ربيعا . ففي غياب إستراتيجية نشر مدعمة بتحفيزات ضريبية لصالح الناشرين المحترفين فعلا، الذين يغامرون بطبع النصوص الأدبية، للتخفيف عنهم من أعباء الكلفة حسب دفاتر تحملات واضحة، لا يمكن الحديث أيضا عن دخول أدبي. فلن يبلغ دخول أدبي في الجزائر، كونه حدثا سنويا، من غير إنشاء جوائز رمزية التقدير لأحسن الأعمال الروائية والشعرية والقصصية في الإضافة النوعية للمتن الجزائري. بذلك ينتشر الكتاب وتتطور الكتابة، ومن ثمة تتوسع دائرة المقروئية لإحداث شغف انتظار الدخول الأدبي كل عام. أبوبكر زمال/ رئيس جمعية البيت للثقافة والفنون مجرد كلام صحافة على هامش معرض الكتاب من خلال ما نلاحظه بشكل عام، المشهد الجزائري يفتقد لتقاليد الدخول الأدبي، لأن هذا الأمر يتطلب صناعة مواكبة وطويلة للكتاب وتقاليد تترسخ في المشهد كل يوم أكثر، والدول المعروفة بموسم الدخول الأدبي لها تاريخ عريق يخص الكِتاب، صناعة وحرفة ودعامات أخرى كثيرة متصلة بهذا الشأن من نشر ودعاية وإشهار وإستراتيجية تسويقية، أما في الجزائر للأسف نفتقر إلى كل هذا، حتى تاريخ النشر عندنا حديث العهد، ربما ليس له أكثر من 40 سنة، حيث كانت دور النشر تعد على أصابع اليد الواحدة، لكن في السنوات الأخيرة وخاصة بعد فتح مجال الدعم من طرف الدولة ظهرت على مشهد الطبع الكثير من دور النشر وهي تحاول الإستفادة من هذا الدعم الذي تقدمه الدولة. الأكيد أن الدخول الأدبي عندنا مجرد تناول إعلامي يكثر ويتكثف مع كل طبعة جديدة من معرض الجزائر الدولي للكتاب، فنجد في هذه الفترة الإعلام منشغل بالحديث عن هذا الدخول، ومعه الوسط الأدبي والثقافي الذي ينشغل بوتيرة لا تهدأ وكأن هناك حقا دخولا أدبيا يشكل حدثا ما، في الحقيقية عندما نتحدث عن هذا الدخول الأدبي، نقف على حقيقة راسخة، هي أن الناشر الجزائري مرتبط بكل ما هو تجاري، ولهذا فهو يركز أكثر على الدخول المدرسي وعلى الكتاب المدرسي الذي يكثر عليه الإقبال مع كل موسم دراسي، وبالتالي الدخول المدرسي يضمن للناشر المكسب التجاري والربح الكبير في حين لن يحقق هذا المكسب في الدخول الأدبي، طبعا من حقه أن يفكر من زاوية الربح والمكسب، لكن هذا لا يمنع أن يهتم أكثر بالكِتاب الأدبي. طبعا دور النشر في الجزائر القديمة والجديدة تهتم أكثر بالكِتاب المدرسي لأنه مربح أكثر، ومع هذا حدثت طفرة في نشر الكتاب الأدبي، ففي الأعوام الأخيرة ظهر في الجزائر الناشر الذي يهتم بالجانب الأدبي وبالكِتاب الأدبي وأصبحت عندنا دور نشر تهتم بطبع الكتاب الأدبي، هذه الدور أحدثت طفرة في مشهد النشر الجديد، لكن للأسف لا تعتمد على إستراتيجية واضحة في هذا الجانب ومنها الاستثمار في الكِتاب والكاتب، الناشر عندنا لا يعمل بالتقاليد المعروفة في سوق استثمار الكتاب، كالدعاية والإشهار وتقديم الكَاتب وعمله إلى الإعلام وتسويقه وغيرها من الملتزمات، إنه لا يفعل هذا من أجل الكاتب والكِتاب، وأكثر ما يمكن أن يفعله حفلة بيع بالتوقيع كي يضمن بعض المبيعات. وهذا ما نلاحظه في كل طبعة من صالون الكتاب والذي يُدرج ويُلصق بما يسمى موسم الدخول الأدبي. وهذا الدخول يكون مرتبطا بالرواية بشكل عام، فالروايات هي التي تشكل الدخول الأدبي في الجزائر لأن الناشر الجزائري يراهن على الرواية من ناحية الكسب، لكن للأسف لا توجد في ذهنه نية/ورغبة الاستثمار في هذا الجانب، لأن هذا لم يترسخ بعد لا في ذهنه ولا في مشروعه كتقليد، لأن عقليته تجارية بالأساس. في حين الكِتاب هو حرفة وهو جهد لبناء عقل، والحقيقة أن الناشر لا يهمه الدخول الأدبي بقدر ما يهمه الدخول المدرسي، ودور النشر سواء العريقة أو الجديدة تستثمر في الكتاب المدرسي أكثر من الكتاب الأدبي وحتى الآن مازالت العلاقة بين الناشر والكاتب مرتبكة وبلا تقاليد في التعاملات والتواصل ولا تخرج عن الإطار التجاري. الناشر لا يسعى ولا يجتهد في صناعة الكتاب الأدبي كما هو حاصل في معظم الدول، لا يستثمر فيه ولا يرقى به ولا يوفر ولا يقدم كل ملتزمات الكتاب التي تخصه كصناعة وحرفة وجودة وكأن الناشر مكتفي بما هو موجود، ولا يغامر ولا يراهن على شيء، لا على عنوان ما ولا على كاتب ما. أيضا هناك بعض الكُتاب نراهم يُعيدون طبع أعمالهم كي يتزامن صدروها مع معرض الكتاب رغم أن نسخهم الأولى ما تزال مكدسة وفي حالة كساد، ربما هذا كنوع من الالتفات حول تجربتهم، أو كنوع من وهم الحضور والتواجد في ما يسمى موسم الدخول الأدبي. الخير شوار/ قاص وروائي الدخول الأدبي عندنا "إشاعة"! الأمر متعلق أساسا بسوق حقيقية للآداب، ومن هذا المنطلق فإن مصطلح "الدخول الأدبي" عندنا أقرب إلى "الإشاعة" منه إلى الحقيقة، وصادف أن جاء تنظيم الصالون الدولي للكتاب منذ سنة 2000 مع الدخول الاجتماعي وتحول من خلاله "الدخول الأدبي" إلى مصطلح إعلامي لا يعبّر بدقة عن المضمون المعروف في الدول التي تعرف صناعة حقيقية للكتاب بأنواعه، وتعرف أيضا سوقا منظمة لهذه النوعية من السلع الاقتصادية. لقد دأبت وسائل الإعلام عندنا على استعمال هذا المصطلح المأخوذ في الأصل من الصحافة الأجنبية للتعبير عن ظاهرة غير موجودة. ورغم جهود بعض الناشرين في نشر الكتاب وتسويقه بوسائل مختلفة إلا أن الصالون الدولي للكتاب الذي أصبح بمرور السنين المعيار الأول (والأخير) لهذا الدخول المزعوم، يشهد في كل مرة مشاركة الناشرين بكتب قديمة عادة ما تكون طبعت في وقت سابق ويعاد تسويقها وكأنها طبعت الآن، إضافة إلى كتب لناشرين أجانب مر على طبع الكثير منها سنين عديدة، ولو تم تخصيص صالون للكتاب المحلي في بداية الدخول الاجتماعي لكانت الصورة أوضح ولا تحتاج إلى أي تعليق، والأمر متعلق في كثير من الإصدارات الأدبية بكتب مدعومة من الخزينة العمومية دون أن يجد لها القارئ أثرا في السوق بسبب كارثة التوزيع التي تحتاج إلى حديث آخر.