تناغم حكايات الهواء و الهوى و ظل الخلود مع سحر قصر أحمد باي كان قصر أحمد باي بقسنطينة أمس فضاء للحكاية، استلهم المشاركون في الطبعة الخامسة للمهرجان الدولي للقصة و الحكاية من أجوائه سحر السرد فجابوا بالجمهور بين تراث الشرق الأوسط و الفيتنام و إفريقيا السوداء و المغرب العربي. و رسمت كل من المغربية حليمة حمدان، اللبنانية ليلى درويش، الجزائرية سهام كنوش ،الفرنسية إيزابيل جنليس، البوركيني باكاري تراوري، لوحة أول سهرة في التظاهرة التي احتضنها لأول مرة المتحف الوطني للفنون و التعابير الثقافية بقصر أحمد باي، فتناغمت الهندسة المعمارية و الحدائق الغناء مع سحر الحكاية في مشهد زاد من جماليتها و حميميتها. بداية اللمة الحكواتية حملت بعض بهارات الحكاية المغاربية، حيث اختارت حليمة حمدان الغوص في عمق المثل الشائع «معزة و لو طارت» ساردة المناسبة التي قيل فيها، مختصرة صفات البخل و العناد في قصة شيّقة أعقبتها بقصة ثانية عن وفاء الزوجات و حظ الرجال في الارتباط بما انطبق عليه عنوان الحكاية»كنز النساء». ابنة الحكواتي اللبناني المعروف جهاد درويش، ليلى جذبت الأسماع و الأنظار معا بطريقتها المتميّزة في السرد باستغلال لغة الجسد و هي تروي مغامرات لص مع ملاك الموت. و حاكت خيوط قصتها لقرابة ربع ساعة قبل أن تترك المكان للإعلامية و الحكواتية العاصمية سهام كنوش التي نهلت من التراث القسنطيني و اختارت من مقولة «قسنطينة مدينة الهوى و الهوى» محورا لقصة مستوحاة من قصة يقال أنها حقيقية عاشها الولي الصالح سيدي مبروك. و كشفت الحكواتية سهام كنوش على هامش التظاهرة عن مشاريع خاصة بقسنطينة عاصمة الثقافة العربية و تصب جميعها في مجال الحكاية الشعبية المستوحاة من التراث الموسيقي القسنطيني، مضيفة بأنها ستشغل على قصة صالح باي و السباخ، يرافقها موسيقيا الفنان عباس ريغي. و تقاطعت الثقافات و الفنون السردية بفناء القصر الذي أضفى عليه ديكور القعدة القسنطينية رونقا خاصا، و تناغم التراث الفيتنامي مع فن العمارة العثمانية بفضل براعة الحكواتية إيزابيل جنليس في استخلاص العبر من حياة البشر الراغبين في الخلود من خلال مغامرة «كوي» إحدى شخصيات حكايتها و يعني اسمه «الحجر» و الذي سابق الزمن و المكان و الظروف لضمان الخلود الذي شبهته في النهاية بظل القمر و اختارته عنوانا لقصتها «ظل الخلود». ختام سهرة الافتتاح كان من إمضاء الحكواتي البوركيني باكاري تراوري الذي انتقاه من مجموعة تراث شفوي ساهم في جمعه في كتاب بعنوان «ميراث الملك كومبا»، مستهلا فقرته بمقطع من أغنية بوركينية تفاعل معها الحضور. و كشف بعض المشاركين بعد فقراتهم السردية عن مشاريعهم في مجال جمع و كتابة ونشر الحكاية الشعبية، كما تحدثوا عن إصداراتهم الجديدة التي رأت أو سترى النور قريبا، حيث ذكرت حليمة حمدان بأنها انتهت مؤخرا من وضع لمساتها الأخيرة على «حديث دار الحرايمي» و «مهبول الحكيم». أما اللبنانية ليلى درويش فأماطت اللثام عن مشروع مشترك مع والدها جهاد درويش و المتمثل في مجموعة قصصية من خمسة أجزاء مستنبطة من التراث الفلسطيني. و من جهتها أكدت سهام كنوش على مواصلة بحثها في مشروع سماع الندى و تخصيصها حيّزا للتراث القسنطيني. و قد استحسن الجمهور مبادرة نقل فعاليات التظاهرة من المرافق الاعتيادية إلى جوهرة التحف المعمارية العثمانية قصر أحمد باي و أعتبر بعض من تحدثنا إليهم بأن الفضاء أكثر تلاؤما مع طبيعة المهرجان و سحر الحكاية.