الفسيفساء بوابة فتحتها للتخلص من تعب القضاء لم تحتج العصامية فريدة أبركان إلى ريشة رسام لترجمة حسها الفني الذي لم تترك له انشغالاتها العلمية و المهنية فرصة للبروز، قبل إحالتها على التقاعد، و التفرّغ كليا لفن الفسيفساء الذي تمكنت بفضله من اقتحام عالم الفنون التشكيلية من بابه الواسع، و تقديم أول معرض لها بالمتحف العمومي الوطني سيرتا، أين حاكت لوحاتها المتواضعة ،مثلما وصفتها، تحفا تاريخية عريقة يعود عمرها إلى منتصف القرن الثاني ميلادي. عن المعرض و تجربتها في فن الفسيفساء تتحدث رئيسة مجلس الدولة سابقا للنصر... *النصر:ما هو شعورك و أنت تشاهدين لوحاتك بالقاعة الكبرى لمتحف سيرتا المحتضن لأعرق تحف الفسيفساء في التاريخ؟ - فريدة أبركان:صراحة أشعر بأنني صغيرة جدا أمام عظمة هذه التحف الرائعة، و ترّددت كثيرا قبل قبول تنظيم معرض للوحاتي التي اعتبرتها ثمرة هواية جميلة أسرت قلبي و شغلت وقتي بعد خروجي إلى التقاعد.. و أعتز كثيرا بهذا القدر من التشريف الذي حظيت به في أول عرض فني يحمل بصمتي و أتمنى أن ينال إعجاب الزوار. * تجربتك تؤكد إلى حد كبير فرضية أن الإنسان يولد فنانا، حدثينا عن تجربتك و اكتشافك المتأخر لميولك الفنية؟ - اهتمامي بالفن ليس جديدا، لكن أن احترفه فذلك الذي لم أفكر فيه طيلة ممارستي لمهنة القضاء التي تبوأت بفضلها عدة مناصب مهمة أهمها رئيس مجلس دولة. و بقيت علاقتي بالفن مجرّد هواية أروّح بها عن نفسي أوقات الفراغ، غير أن سحر الألوان و الرسم على الحرير الذي بدأته منذ سنوات شجعني على صقل موهبتي، حيث استفدت من بعض الدروس لمدة ستة أشهر بمعهد الفنون الجميلة عام 1989، و كانت رغبتي في الامساك بالقلم و رسم أشكال و تلوينها أو إعادة رسم صور أثارت إعجابي، تشتد يوما بعد يوم إلى أن وجدت نفسي أخصص زاوية ببيتي لممارسة هوايتي، تحوّلت مع الوقت إلى ورشة بمعدات أكثر احترافية. *كيف نجحت في الجمع بين القضاء و الفن؟ - اختياري للقضاء حدده عقلي وميلي لهذه المهنة النبيلة، لكن الفن فرضته علّي الأحاسيس و حاجتي الماسة إلى عالم يبعدني عن التعب و التوتر و أجدّد فيه طاقتي و الفن وفّرّ لي ذلك، و مثلما وجدته كمنفذ خاص خلال سنوات العمل وجدته أيضا خير رفيق لي بعد تقاعدي عن العمل، فأنا لم أشعر بالملل و تغلّبت على شعوري بالخوف من مرحلة ما بعد النشاط المهني، بفضل فن الفسيفساء الذي اكتشفت متعته من خلال برنامج تلفزيوني حفزني على الخوض فيه بعد هواية الرسم على الحرير التي مارستها منذ سنوات. * كيف نجحت القاضية في تحويل قطع صغيرة متناثرة إلى أعمال فنية حقيقية؟ - بالفعل فن الموزاييك يحتاج لصبر و موهبة لتغطية مساحات لونية كبيرة بقطع صغيرة الحجم و مختلفة الأشكال و الألوان لمنحها روحا فنية جميلة، و تبقى الهواية مصدر طاقة كل من احترف هذا المجال. *تنوّعت رسوماتك بين التجريدي و الواقعي، كما طبعتها إعادة رسومات بعض جداريات و أرضيات الموزاييك الرومانية العريقة ، هلا حدثتنا عن كيفية انتقائك لتصاميمك؟ - أستوحي أعمالي من كل ما هو جميل و يثير اهتمامي و يجذب نظري سواء كان ذلك خلال زيارة للمتاحف أو المعالم الأثرية أو عند مطالعتي للكتب و المجلات أو تجوّلي بالأسواق.. المهم أن متعتي و ميلي المتضاعف إلى هذا الفن يعكسه تحفزي لإنجاز لوحة جديدة بمجرّد انتهائي من الأولى. *متى سيكون موعد معرضك الثاني؟ - نهاية الشهر الجاري، حيث سأقوم بعرض أعمالي للبيع بمركز الثقافة محمد اليزيد بالخروب ،لأتفرّغ لتحقيق إنجازات و تحف أخرى. *ما هي أقرب تحفة صنعتها أناملك، إلى قلبك؟ - أستمتع بما أفعل و أستمتع أكثر عندما ينال عملي إعجاب الآخرين ،فاضطر إلى إهدائهم إياه، لذا فأنا لا أحتفظ إلا بالقليل من التحف التي أنجزتها، لكنني أفتخر كلما رأيتها ببيت أحد من الأقارب أو الأصدقاء و قد استغلت للزينة.