البيت القسنطيني ضاع و استرجاعه مستحيل يؤكد مختصون أن البيت القسنطيني فقد ملامحه الأصيلة، و ضاع بين ترميمات لم تحترم خصوصيات الموروث الحضاري و الثقافي للمدينة العتيقة، و رغبة الصمود في وجه النسيان. عن واقع البيت القسنطيني الأصيل و ما تبقى منه يتحدث بعض المختصين التقتهم النصر خلال المؤتمر الدولي الرابع حول العمارة و الفنون الإسلامية الذي احتضنته قسنطينة مؤخرا. الباحث و المهندس عبد الحفيظ تواتي برجوازيو المدينة العتيقة تخلوا عن بيوتهم لأنهم لم يرتبطوا بها روحيا لم يعد هناك بيتا يطلق عليه البيت القسنطيني، كل شيء تغيّر، السياق أيضا تغيّر و لم تعد هناك نفس العلاقات. هذا البيت الذي كان بيتا للجيران و ليس مخصصا لعائلة واحدة، تواصل انتهاك خصوصياته منذ عهود لأن قسنطينة العتيقة تبقى المدينة الوحيدة التي تخلى عنها سكانها البرجوازيون و فضلوا الانتقال للعيش في الأحياء المجاورة و حتى البعيدة، عاكسين بذلك غياب الارتباط الروحي بمدينتهم القديمة و عدم اعتزازهم بالانتماء إليها و بالتالي عدم مبالاتهم بأهمية حمولتها التاريخية. و بترك هؤلاء لمنازلهم و أخذهم لوجهات مختلفة، عوّضهم السكان النازحون من الأرياف عموما، فعاثوا في المكان فسادا لأجل الحصول على سكن اجتماعي، متسببين في قبر الكثير من الآثار و الخصوصيات المعمارية القسنطينية. و للأسف أدى غياب سياسة و ثقافة التمدّن الجادة، إلى اندثار جزء كبير من البنايات التقليدية. و لو تم دعم السكان في صيانة و ترميم بيوتهم للحفاظ على المدينة العتيقة منذ البداية ، ما آلت إلى ما هي عليه اليوم، حيث فشلت معها كل مبادرات الترميم التي أقل ما يقال عنها أنها عشوائية، لأنني كبرت في الجوار و أعرف جيّدا تلك البيوت و لم أر فيها شباكا متعامدا مثل الذي أصبح بها بعد الترميم و هو ما يؤكد عدم احترام المشرفين على مخطط حماية المدينة العتيقة لخصوصيتها الحضارية و الثقافية التي تعكس هويتها. فحين نأتي بأشياء لا تخصنا و نستورد تراث غير تراثنا فإننا نتعمّد قبر تراثنا الخاص، و ما يحدث في المدينة القديمة مجرّد لعب على الواجهة بغرض التنميق. لذا لابد من العمل على الجوهر و هو الإنسان و غرس حب و احترام التراث و فهم البعد التاريخي و المعنوي لذلك، قبل العمارة، و هو ما كان يجب فعله منذ البداية، أي قبل أن تتحوّل المدينة القديمة إلى هيكل بلا روح، تفشل معه كل محاولات الإنعاش. و ما استعمال طريقة التناظر المعدومة في فن العمارة التقليدية، سوى تأكيد على فقدان البيت القسنطيني العريق للأبد و جعل من أمل استرجاعه أمرا مستحيلا. الدكتور محمد دراجي عدم منح الدراسات الوقت الكافي وراء فشل عمليات الترميم البيت القسنطيني تعرّض إلى ضربات كثيرة و لا يمكن أن ننكر المجهودات المبذولة من قبل بعض الباحثين الجامعيين للحفاظ على هذا البيت الذي يتميّز ببعض الخصائص النادرة و قلما نجدها في أماكن أخرى، لكن للأسف تركناها تزول. بعض العمليات التي قامت بها الأجهزة المعنية و مكاتب الدراسات خلال العشر سنوات الأخيرة، محاولة لحفاظ على التراث، تبقى نتائجها ضئيلة، رغم الأموال الطائلة التي صرفتها الدولة. و قد يرجع ذلك إلى عدم منح الدراسات الوقت الكافي لتجسيد خطط ترميم ذات فعالية، تتماشى و الإنشاء الذي يستغرق سنوات طويلة. فمن غير المعقول أن يمنح لمكتب الدراسات مدة شهر أو شهرين لإنجاز ترميمات لعمارات ذات بعد تاريخي مهم، و المفروض أن الدراسة تأخذ وقتا أكبر من الإنشاء الذي يبقى طريقة أوتوماتيكية تستجيب لما هو موجود بالدراسة التي أعدّها مختصون. زيادة على وجود تخصصات في فن العمارة قلما نجدها متوّفرة في مكاتب الدراسات المستعان بها في مشاريع الترميم. الأستاذ مباركي عمر مختص في العمارة البيومناخية العمارة الحديثة طغت على القديمة شكلا و ليس مضمونا التقليد الأعمى، خلق لنا مبان هجينة و بلا هوية، و لا تلبي احتياجات الأسرة القسنطينية التي ضاعت في السكنات الجديدة التي لم تراعي الجانب الاجتماعي و الثقافي و العادات و التقاليد، فضلا عن الجانب العقائدي و غيره من العوامل الأساسية التي لا يمكن الاستغناء عنها في أي عملية تصميمية مستقبلية كانت أو ترميمية. و النمط المعيشي الذي كان مثلا في حي السويقة أو القصبة يؤكد ذلك مقارنة بالأحياء الحديثة، مثلما هو الأمر في المدينة الجديدة علي منجلي، أين ساهم النسيج العمراني غير المتجانس و الناتج عن إسكان الناس بطريقة فوضوية إلى حد كبير و عدم استجابة المباني الحديثة لحاجيات الأسرة القسنطينية ساهم في ظهور سلوكيات غريبة بعيدة كل البعد عن التحضّر، لتمّسك السكان الذين تعوّدوا على نمط معيّن من الحياة في البيوت القديمة بعاداتهم و فشل الكثيرين في التأقلم في الوسط الحديث، فأصبحنا نسجل ظاهرة غسل الزرابي و الصوف و نشرها في قلب الحي..و غيرها من الظواهر التي تؤكد عدم أخذ كل المشاريع في مجال العمارة اليوم خصوصيات المجتمع بعين الاعتبار. و عليه فإن العمارة الحديثة طغت على القديمة شكلا و ليس مضمونا. أما بخصوص مستقبل البيت القسنطيني كتراث فإن قسنطينة بزخمها الحضاري و الثقافي و بما تملكه من موروث ، قادرة على إعادة بعث كل ما صنع تفرّدها عبر العصور و خصوصيتها و قد تساهم تظاهرة عاصمة الثقافة العربية 2015 في إعادة الاعتبار لما اندثر ماديا و فكريا، من مباني قديمة تلائم خاصية مجتمعها. الأستاذ عايش مسعود البيت القسنطيني العتيق سيبقى في الذاكرة الجماعية البيت القسنطيني القديم سيبقى في الذاكرة الجماعية حتى لو اندثر، و حتى لم تمنحه الظروف فرصة كاملة إعادة إحيائه بالشكل الذي يليق بخصوصيته التاريخية. و خلال الملتقى الدولي الرابع حول "العمارة و الفنون الإسلامية" الذي احتضنته قسنطينة راعينا جانب التراث و الحث على إعادة إحيائه، و دغدغة الهوية ببعدها الديني و العربي،و حتى إن لم تكف الذاكرة الجماعية في الحفاظ على البيت ماديا، لكنها كفيلة بالحفاظ عليه روحيا، و قد تأتي أجيال باستطاعتها تحقيق ما فشل جيل اليوم في تحقيقه في هذا السياق و تعيد بعث البيت القسنطيني بكل ما كان يتميّز به من خصوصيات.