صرف أكثر من ألفي مليار على مشاريع التحسين الحضري دون أن يتغير وجه قسنطينة تشهد أغلب مشاريع التحسين الحضري التي شملت 98 نقطة بولاية قسنطينة حالة جد متدهورة إلى درجة أن مختصين دعوا إلى تحسينها مرة أخرى بعد أن استهلكت مبلغ 10 ملايير دينار و احتاجت إلى برنامج تكميلي للأربع سنوات مقبلة برخصة 18.5 مليار دينار. ففي استطلاع لنا رفقة مهندسين معماريين في عدد من أحياء مدينة قسنطينة لاحظنا أنه لا يكاد يخلو حي من الغبار و الأوحال رغم خضوعه للتحسين الحضري و مثال ذلك حيي 20 أوت و زواغي و بوالوصوف الذي وجدنا مدخله و أسفل العمارات المتواجدة به في حالة مزرية وكارثية نتيجة تراكم الأوحال و القاذورات، ما يعطي الانطباع بأنها لم تخضع للتحسين الحضري، إضافة إلى إهمال استغلال المساحات الخضراء التي أضحت مصبا للقمامة و الأكياس البلاسيتكية، ما أرجعه مرافقونا إلى ندرة المهندسين المختصين في تصميم المناظر ببلادنا. الطرقات هي الأخرى التي تم تزفيتها في إطار مشاريع التحسين الحضري لا يمر على استعمالها أشهر قليلة حتى عادت إلى التآكل من جديد و هو الملاحظ في أغلب طرقات الأحياء التي خضعت للتحسين الحضري، و قد أرجع المهندسون ذلك إلى عدم تقشير الطريق جيدا من المواد التي أنجزت بها قبل تعبيدها، بحيث توضع عليها مباشرة مادة الزفت ما ينتج عنه تحول الطرق إلى طبقات تنفصل عن بعضها بمجرد مرور المركبات فوقها. و في ظاهرة غريبة رأينا أرصفة أنجزت بمادة الزفت و أخرى بنيت عليها هضبات صغيرة أشبه بالممهلات مثلما هو موجود بحي الزيادية، ما يحيلنا إلى تساؤلات عن سبب هذه الأعمال الترقيعية التي يذهب ضحيتها كبار السن و الأطفال، أما بحي بوالصوف فيلفت انتباه المارة نمو شجيرات داخل حواف الأرصفة فيما انكسرت أخرى لمرور الشاحنات فوقها كحال المتواجدة بحي الصنوبر، لكن أكثر ما يثير الدهشة بناء حواف أرصفة يزيد طولها عن علو 20 سنتيمترا المتعارف عليه دوليا، مثلما هو الحال بحي 20 أوت، بعد أن بنيت فوق الحواف القديمة، ما منع أصحاب السيارات حتى من التمكن من فتح أبواب مركباتهم لوصول ارتفاع الرصيف إلى قرابة 30 سنتيمترا. من جهة أخرى يستغرب المواطنون عدم استفادة وسط عاصمة الولاية بمشاريع للتحسين الحضري التي بدأت سنة 2004، بالرغم من الحالة التي وصفوها بالمتدهورة جدا لأرصفته و مسالكه و أزقته التي امتلأت بمياه الصرف الصحي المتفجرة من كل اتجاه، مع غياب التناسق الجمالي بين الأسوار و الأرصفة المنجزة حديثا و التي لا تعكس خصوصية وسط المدينة، فيما تساءل آخرون عن الدافع وراء حرمان أحياء مثل القماص و "واد الحد" من مثل هذه المشاريع التي هي في أمس الحاجة إليها، كونها تشكو من نقائص كبيرة بدء من رداءة و انعدام الأرصفة، مرورا ببشاعة الواجهة المعمارية و انتهاء بالحالة المتردية للطرقات. و قد جاء في تقرير صدر مؤخرا عن مديرية البناء و التعمير بأن "العجز" في تهيئة مختلف الأنسجة العمرانية التي يقطنها قرابة نصف مليون ساكن بالولاية، لا يتوقف عن الاتساع بحيث مسّ 70 بالمائة من التعداد العام للسكان، "ما نشأ عنه نسيج عمراني هش لكون أغلب شبكاته الحيوية إما لا تتماشى مع المقاييس التقنية المعمول بها أو تدهورت لقدمها"، حسب نفس التقرير الذي جاء فيه أيضا بأن هذا العجز "شكّل بؤرة توتر اجتماعي و عامل لتشجيع الظواهر الاجتماعية السلبية". أحد المهندسين المعماريين الذي يعمل كأستاذ جامعي، كشف للنصر بأن كراس أعباء موحد أصبح يستعمل في جميع مشاريع التحسين الحضري بقسنطينة، دون مراعاة لخصوصية كل حي عن الآخر و اختلاف متطلبات السكان من منطقة إلى أخرى، متحدثا أيضا عن نقص في التنسيق بين مختلف الجهات المعنية، و عدم أخذ رأي المواطنين عن ما يحتاجونه من هذه لمشاريع قبل البدء فيها، مثل ما هو متعارف عليه في دول العالم، كما استغرب إهمال المساحات الخضراء بالرغم من أن مناخ قسنطينة أصبح رطبا و يسمح بنمو مختلف أنواع النباتات بسهولة. و خلال حديثنا مع بعض المقاولين بقسنطينة أكد لنا هؤلاء بأن سبب رداءة مشاريع التحسين الحضري و باقي المشاريع عامة، يعود إلى اختيار مديرية البناء و التعمير أو البلدية للعروض الأقل سعرا و تكلفة و هو ما يؤثر على نوعية الانجاز بجلب مواد قليلة الجودة نظرا لسعرها المنخفض، في حين أكد لنا بعض المهندسين المعماريين بأن العديد من مكاتب الدراسات اختارت الخروج من هذه المشاريع بعدما سئمت من العمل بسرعة مبالغ فيها و دون عقود تضمن حقها. و يرى رئيس المكتب الجهوي للمهندسين المعماريين السيد قحّام نبيل الذي رافقنا في استطلاعنا، بأن الجهات المعنية مازالت لا تدرك المفهوم الحقيقي للتحسين الحضري و هو تحسين معيشة المواطن من جميع الجوانب التي تشمل توفير النقل و المراكز التجارية و مساحات الترفيه و هي لا تنحصر بذلك في الأرصفة و الإنارة العمومية و تجديد الشبكات التي قال أنها من البديهيات، مشيرا إلى أن الفرصة أصبحت لا تتاح للمهندس لكي يقدم اقتراحات تخص هذه المشاريع بعد أن أصبح يشترط فيها إنهاء العمل في مدة قصيرة، مضيفا بأن هيئته مستعدة رغم ذلك دائما لإبداء رأيها و المشاركة فيها قبل رسمها. مدير البناء و التعمير بولاية قسنطينة السيد عنّاب و في إجابته عن تساؤلاتنا اعتبر تلف بعض الطرقات المعبدة "أمرا طبيعيا" نتيجة استعمالها اليومي و المتكرر من قبل أصحاب المركبات، نافيا من جهة أخرى بناء أرصفة ذات علو مرتفع، موضحا بأنه يُضطر أحيانا إلى وضع حواف الأرصفة الجديدة بجانب القديمة لصعوبة اقتلاع هذه الأخيرة و التكلفة المالية الكبيرة المنجرّة عن ذلك، و في حال تبين أنها مرتفعة يتم الزيادة في علو الطرق حتى لا يظهر الفرق في الارتفاع، مثلما تم القيام بحي بشارع محمد بلوزداد "سان جان" كما قال. السيد عناب أضاف بأنه قد شرع مؤخرا في أخذ آراء المواطنين عن طريق استقبال لجان الأحياء و الاستماع لانشغالاتهم لتحقيق المعقول منها قبل البدء في أي مشروع للتحسين الحضري بها، رغم أن ذلك من اختصاص مكاتب الدراسات حسب المتحدث الذي وصف بعضها بالغير مؤهلة، نافيا عملها دون عقود بل تحدث عن توقيعها لها بعد بدء المشروع، و هذا لا يعني أنها لا توقّع، مضيفا بأن اختيار العروض الأقل تكلفة لا يعني أيضا بالضرورة رداءة الانجاز لأن المناقصة لا يدخلها إلا المقاولون الذين تتوفر فيهم جميع الشروط التقنية و المالية كما قال. و عن الطريقة المتبعة في اختيار الأحياء التي تخضع للتحسين الحضري قال المسؤول بأن قسنطينة التي لم تستفد من برنامج مماثل منذ الاستقلال تخضع منها و تدريجيا النقاط ذات الأولوية الأكبر لهذه المشاريع، متحدثا عن برنامج "طموح" للخماسي 2010- 2014، يشمل مناطق زيغود يوسف، فج الريح، عين اعبيد، ابن زياد و الغيران، مع برمجة أحياء أخرى مثل القماص و التي تعطلت بها الأشغال بسبب تدهور شبكاتها، مضيفا بأن المشاريع التي انطلقت ضمن الخماسي 2005- 2009 منها ما انتهى و منها ما لازال في طور الانجاز بسبب الصعوبات التي تظهر في التوصيلات كما تحدث عن عرقلة بعض المواطنين لعمل المقاولين.أما رئيس بلدية قسنطينة السيد عبد الرحمان شيبان فقال بأن تهيئة وسط مدينة قسنطينة ليس حاليا من أولوياته كون العديد من أحياء البلدية لا زالت حسبه تحتاج لأبسط ضروريات الحياة من غاز و ماء و الكهرباء.