تعرف مختلف المدن التونسية منذ اسابيع احتجاجات متعددة الاوجه ومختلفة الابعاد ترجمت في شكل مظاهرات يومية ومسيرات متتالية واعتصامات متعددة الا ان اسبابها ودوافعها واهدافها تظل مختلفة تماما من مسيرة لاخرى ومن اعتصام لاخر مثلما تختلف مواقف الاحزاب المعارضة وتتعدد تحليلاتها ازاء الوضع الامني والسياسي في البلاد. واذا كان الشارع التونسي قد عرف خلال الاسابيع الاخيرة اندلاع احتجاجات مناوئة للحكومة القائمة ومسيرات موالية لذات الجهاز التنفيذي فانه شهد ايضا اضطرابات اخرى ذات البعد الاجتماعي والمهني المحض فيما برزت اطياف اخرى مؤخرا تتمثل انشغالاتها في التشبت بالنظام العام وضمان استقرار البلاد. وهكذا فان عدة اطياف اجتماعية وتيارات سياسية ماانفكت تطالب عبر المظاهرات برحيل حكومة الوحدة الوطنية الانتقالية الائتلافية بسبب انضمام وزراء سابقين محسوبين على النظام القديم مستنكرة سلوكات النظام البائد وما ارتكبه من اعمال " ديكتاتورية " خنقت فيها الحريات الاساسية وسلط فيها القمع ضد حرية الفكر والتفكير وضد حرية ابداء الراي والتعبير. واعتبر هؤلاء ان استمرار رموز النظام القديم في ممارسة انشطتهم السياسية في واقع الامرهو بمثابة تواصل لحكم الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي بل اصروا على حل حزب "التجمع الدستوري الديموقراطي " وشطبه بشكل نهائي من الخريطة السياسية للبلاد كون الساسة السابقين هم من خريجي هذه التشكيلة السياسية التي ماانفكت تزرع الرعب والهلع في صفوف المواطنين عبرالاستغلال والاضطهاد والمحاباة والمحسوبية. لكن بالمقابل اكتسحت شوراع عدة مدن تونسية تجمعات بشرية كبيرة ضمت مختلف شرائح وفئات المجتمع التونسي للتعبير عن موقفهم ازاء الاجواء المشحونة التى تعيشها البلاد وما ينجر عنها من تعطيل لمسيرة الاقتصاد الوطنى وشل جل القطاعات الانتاجية والخدماتية والحاق الضرر بمختلف المؤسسات وتجميد مسار الاقتصاد الوطني التونسي. و دعا هؤلاء إلى الكف عن الاخلال بالنظام العام وضمان احترام القوانين السارية المفعول حفاظا على استقرار وامن وسلامة البلاد فانهم ذهبوا إلى ابعد من ذلك عندما انتقدوا الاحزاب السياسية انتقادا لاذعا وطالبوها بعدم تسييس المطالب الاجتماعية للعمال وعدم الزج بالطبقة الكادحة فى " صراعات خفية " هي في غنى عنها كون مطالب الفئات العاملة تبقى مهنية بحتة واجتماعية محضة لا تتعلق بالحراك السياسى لا من قريب ولا من بعيد ولا تمت بصلة للتجاذبات التى تشهدها الساحة السياسية فى تونس. ويرى هذ الفريق ان تونس في الوقت الراهن هي في غنى عن اعمال الشغب وانها في حاجة ماسة للسكينة والطماننية وان الانتفاضة لا تعني الفوضى وزرع البلبلة وانما تعني الحفاظ على مصالح افراد الشعب وتعني ضمان تكثيف العمل ومضاعفة الانتاج لاخراج البلاد من الوضعية المزرية التي تعيشها. الا ان اسباب المظاهرات واهدافها لم تتوقف عند هذا الحد حيث خرجت اطياف اخرى للشوراع للتعبير عن مساندتها للحكومة القائمة بقيادة الوزيرالاول التونسي السيد محمد الغنوشي فالح الموالون للجهاز التنفيذي القائم على ضرورة فسح المجال امام الحكومة التونسية الانتقالية الائتلافية لمزاولة مهامها وممارسة صلاحياتها واتاحة الفرصة امامها للعمل قبل محاسبتها لاسيما وأنها حكومة مؤقتة ستنتهي مهامها بمجرد تنظيم الانتخابات الرئاسية والتشريعية القادمة. وتضمن موقف الموالون للسلطة التنفيذية انتقادا لاذعا لموقف المناوئين لحكومة الوحدة الوطنية حيث اتهموهم باثارة الشغب والبلبلة ومحاولة المساس باستقرار البلاد محذرين من مغبة ترك اي فراغ سياسي قد يستغل لضرب امن البلاد وسلامتها معتبرين ان الحكومة الحالية قادرة على التصدي للازمة الحالية. الا ان تيارا اخرا ماانفك يبدي في كل مناسبة عبر المسيرات والمظاهرات معارضته للتوجهات السابقة بل يصر على انشاء مجلس تاسيسي يتالف من شخصيات مستقلة وشخصيات تكنوقراطية بغية ضمان تسيير المرحلة الانتقالية قبل الاقتراع العام وبالتالي اخراج البلاد من مخلفات السلطة القديمة. وهنا عبرت عدة اطراف عن دعمها لمبادرة تشكيل مجلس وطني للوفاق والإنقاذ يضم الأحزاب السياسية والمنظمات الفاعلة من أجل حماية الثورة الشعبية والحفاظ على مكتسباتها. واذا كانت الاوضاع الاجتماعية قد ازدادت تفاقما فان مكونات الطبقة الكادحة ما فتئت تغزوبدورها شوارع شتى ارجاء البلاد اذ تضاعفت شكاوى المهنيين بسبب ضعف المرتبات والاجوراو بسبب تعسفات المسؤولين في استعمال السلطة او من جراء غلق الشركات واعلانها عن الافلاس فيما واصل العاطلون عن العمل احتجاجاتهم التي اندلعت من اجلها الانتفاضة مطالبين السلطات التونسية بتنوفير مناصب العمل للعاطلين لضمان لقمة عيشهم. وعلى هذا الاساس يتجلى بوضوح ان المظاهرات اليومية والاعتصامات المتتالية تختلف اسبابها وتتعدد اهدافها وهي ان ازدادت عن المعتاد فان ذلك يعود إلى السنوات الطوال التي كان فيها التعبير عن هذه المطالب من المستحيلات السبعة ابان عهد الاستبداد في النظام البائد وبالتالي فان كل النوايا السياسية والمطالب الاجتماعية كانت مكبوثة ومستترة إلى ان اندلعت الانتفاضة الشعبية التي مكنت جل الاطياف من التعبير عن معاناتها وطموحاتها والافصاح عن انشغالاتها وتطلعاتها.