أصبحت مختلف المناطق التونسية عرضة لانفلات امني في غاية من الخطورة جراء الاضطرابات المتتالية ذات الأبعاد السياسية والاجتماعية مما اجبر القوات المسلحة التونسية على توجيه الاستدعاء لجيش الاحتياط من المتقاعدين والمجندين التابعين للخدمة الوطنية بغية إحلال الأمن في ربوع البلاد وحماية المنشات الحيوية . ولقد أكدت وزارة الدفاع التونسية أن الاستدعاء الذي وجهته لجيش الاحتياط للالتحاق بالقوات المسلحة هي "عملية قانونية" تمت بموجب القانون الأساسي العام للعسكريين التونسيين مشددة على ان القوات المسلحة التونسية باشرت منذ ستة أسابيع " تأمين وضمان "عمليات حفظ النظام بكافة الولاياتالتونسية وذلك في نطاق مهامها الأصلية التي ينص عليها القانون كما أن نسق تدخلاتها " ارتفع بتطور الأحداث" التي بلغت ذروتها يوم 14 جانفي المنصرم وهو تاريخ الاطاحة بنظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي مبرزة أن الجيش التونسي" واصل "مهامه إلى اليوم . إلا أن الوزارة أوضحت أن العسكريين" يعملون طوال ال 24 ساعة من اجل حماية "الحدود البرية والبحرية والمجال الجوي للبلاد من "التهديدات الخارجية" لذا كان من الضروري "توجيه الدعوة إلى عدد محدود" من جيش الاحتياط من اجل " دعم حماية " الأشخاص والممتلكات العمومية والخاصة والمؤسسات الحساسة وإعادة الطمأنينة في نفوس المواطنين كي يستانفوا عملهم بعيدا عن كل التخوفات . وفي هذه الأثناء، تواصلت الاضطرابات في مختلف الجهات حيث خرج المواطنون للتنديد بالتعيينات الأخيرة في سلك الولاة على خلفية انتماءاتهم لحزب " التجمع الدستوري الديموقراطي " الحاكم سابقا فيما ازدادت المطالب الاجتماعية وتضاعفت حركة الاحتجاجات النقابية والإضرابات عن العمل مما شل العديد من القطاعات . ففي ولاية المنستير انتظمت مسيرات شاركت فيها احزاب المعارضة وجمعيات مدنية ونقابية وحقوقية للمطالبة باقالة الوالي الجديد على خلفية انتمائه لحزب التجمع الدستوري الديموقراطي الحاكم سابقا . وبولاية صفاقس احتج عدد كبير من العاطلين عن العمل من الجامعيين مطالبين بحقهم في العمل والحياة الكريمة وجددوا رفضهم لكل أشكال " توظيف الثورة والحياد بها عن مسارها الصحيح وتهميش قضيتها الأساسية المتمثلة في التشغيل " ورفعوا شعارات تطالب " بالحرية والكرامة" وترفض تهميش أصحاب الشهادات العليا "والمساومة "بحقهم في العمل باعتبارهم" صناع الثورة " وبالنظرإلى موقعهم وثقلهم العددي والنوعي في تركيبة المجتمع التونسي . وأعربوا عن" رفضهم " المنحة المزمع إسنادها لطالبي الشغل من هذه الفئة والمقدرة ب150 دينارتونسي مشيرين إلى أن ذلك يعد " مساسا بكرامتهم وحقهم " في منصب عمل يليق بمستواهم وتحصيلهم العلمي . ولم تكن ولاية سوسة في مناى عن الاضطرابات حيث تعرضت العديد من المنشات والمحلات الى أعمال النهب والسلب والتخريب مما استدعى تدخل قوى الامن والجيش التونسي الذين سيطروا على الاوضاع الامنية فيما اضطر والي ولاية سوسة الجديد الى الانسحاب من منصب عمله تحت ضغوطات المئات من المواطنين الذي تجمعوا أمام مقر الولاية مطالبين بتنحيته على خلفية انتمائه للحزب الحاكم سابقا. بدورها شهدت ولاية بن عروس اعتصامات واحتجاجات تندد" بسياسة التمييز والظلم والرشوة والمحسوبية" فيما طالب المواطنون " بتنحية بعض المسؤولين وابعاد أقارب الرئيس المخلوع " وتمكين كل الموظفين من حقوقهم المهنية والادبية والمادية. وبدورها شهدت ولاية سيدي بوزيد حالات من الانفلات الامني الكبير حيث تم احراق مركز الحرس الوطني (الدرك الوطني ) ومقر ادارة المياه وذلك في اعقاب رفض السلطات المحلية طلبات من المواطنين بتنظيم مسيرات سلمية لتسوية بعض الوضعيات الاجتماعية. وعندما أطلق رجال الحرس الوطني النار في الهواء لتفريق المحتجين زاد غضب المحتجين الذين عمدوا الى نهب وتخريب عدد كبير من الاملاك العمومية فيما استنجد السكان بقوات الجيش التونسي التي ارسلت تعزيزات الى هذه الجهة وقامت بترحيل رئيس مركز الحرس الوطني وهو ما اتاح عودة الهدوء نسبيا الى هذه المنطقة . وكانت الوضعية الامنية في ولاية مدنين متشابهة مع سائر الولايات الاخرى حيث عرفت هذه الولاية إضرابا عاما عن العمل وطالب المضربون بتنحية الوالي الجديد على اساس انتمائه لحزب "التجمع الدستوري الديموقراطي" الحاكم سابقا . ومن جهة أخرى، كثفت قوات الجيش التونسي من انتشارها وسط مدينة مدنين خاصة مع خروج مسيرات طلابية وتجمع مئات من المواطنين أمام مقر الولاية مطالبين بإسقاط الوالي الجديد وبالحق في الشغل والعيش الكريم وتحسين الأوضاع الاجتماعية. وتعرف حاليا مختلف انحاء ولاية مدنين موجة من الاحتجاجات المتواصلة ذات الطابع السياسي والاجتماعي التي ما ان تهدأ لبعض الوقت حتى تعود من جديد وسط مخاوف من استمرار الانفلات الامني الذي لم تعرف تونس مثيلا له من قبل . وأكد العديد من المواطنين التونسيين في ولاية مدنين أن الأوضاع " ستستمر" على هذا الحال ما دامت البلديات والدوائر والولايات " تحت سيطرة أشخاص من بقايا النظام السابق" وشددوا على ان ولايتهم" عانت الكثير من الاقصاء والتهميش في ظل النظام الاستبدادي البائد رغم ما تزخر به من كفاءات هي أجدر بتسيير شؤونها ". وفي ولاية اريانة اقتحم المواطنون مقر الولاية ما اجبر والي الولاية على طلب النجدة وتمكنت عناصر الجيش التونسي من السيطرة على الوضع بعدما اطلقت عيارات نارية في الهواء لتفريق المواطنين واستعمال مكبرات الصوت لإجبارهم على التراجع.