عمدت مطاعم مدن ولاية المسيلة منذ مدة من الزمن على ترقية الطبخ التقليدي لهذه المنطقة ولغيرها من خلال إدراج مختلف الأطباق الضاربة في القدم في قائمة ما تقترحه على زبائنها. وهكذا احتلت تدريجيا أطباق (الشخشوخة والزفيتي أو سلاطة المهراس وأيضا اللحوحة والكمونية والدوبارة ) واجهات هذه المطاعم ولم يعد طبق الشواء هو المزين الوحيد لموائد هذه الفضاءات . وفي هذا السياق، يقر السيدان ناصر وأحمد وغيرهما من أصحاب المطاعم بعاصمة الحضنة أنهم كانا إلى وقت غير بعيد يفتحان مطعميهما لأجل بيع الأطباق معروفة والتي هي مزيج من أطباق لمناطق مختلفة من العالم ليضحى نشاطهما في الوقت الحالي مقتصرا على بيع الأطباق التقليدية التي "تلقى رواجا كبيرا لدى جميع الفئات ". ويقصد هذه المطاعم أيضا المسافرون وعابرو السبيل والذين يجدون ما تشتهي أنفسهم في مطاعم المسيلة وبوسعادة وسيدي عيسى وغيرها من المدن الواقعة خصوصا على محاور الطرقات الوطنية التي يزيد طولها عبر ولاية المسيلة عن 900 كلم. "الشخشوخة" و"السفيتي" الحار لمن استطاع وفي هذا السياق، يشرح باعة "الشخشوخة" و"سلاطة المهراس"(أو السفيتي) الذين اختصوا في هذه الأطباق - ومنهم ناصر ومحمد وأحمد وهو "شخشوخ الشخاشيخ" كما يحلو للبعض مناداته كونه مشهورا بالشخشوخة التي يستهلكها على وجه الخصوص عمال وموظفي الإدارات القريبة من هذا المطعم -كيف يتم تحضير طبق الشخشوخة بعناية من قبل مختصات في هذا الشأن يسهرن على أن تتطابق مع تلك التي تقدم للضيوف في المواسم والأعراس. ويختلف "رقاق" الشخشوخة من منطقة لأخرى ."فشخشوخة أولاد دراج تختلف عن المسيلة وعن بوسعادة فالأولى لا تشوى على الطاجين باستعمال الزيت فيما تستعمل المسيليات الزيت لطهي الرقاق فيما تعمد البوسعاديات إلى طهيه بالماء تفاديا لامتصاصه للمرق عند تقديمه للمستهلكين" يقول هؤلاء المتخصصون في هذا الطبق التقليدي اللذيذ . ويوضحون كيف أن "مرق الشخشوخة يختلف حسب الأذواق حسب استعمال أما لحم صغير البعير أي المخلول وهو مرق لم يقدم إلى حد الآن في المطاعم كونه يحتاج تحضيرا مميزا غير كتوفر حاليا في المطاعم فضلا عن نقص لحم البعير في السوق وما توافر منه يخشى أن يكون لبعير مسن لا يطهى مهما كانت الوسائل المستعملة في الطهي." و"سيعى العديد من مسوقي الشخشوخة إلى تحضير مرق الدجاج أو الضأن بل أن الأول أكثر طلبا من الثاني فيما يعد على الأصابع من يجيد تحضير مرق الشخشوخة بالأرانب في منطقة بوسعادة تحديدا" حسب الشروحات المقدمة من طرف ناصر وأصدقائه. وبالرغم من غلاء سعر الصحن الواحد من الشخشوخة "الذي لا يقل بدون لحم عن 150 دج" فان الإقبال على مطاعم الشخشوخة يعد منقطعة النظير خصوصا في خلال فترة منتصف النهار .وهذا الطبق مطلوب من جميع فئات الناس من بطالين إلى إطارات سامية إلى مقاولين وأصحاب رؤوس الأموال. أما طبق الزفيتي أو "سلطة المهراس " - الحار لدرجة عالية جدا تجعل متناوله يتصبب عرقا كأنما جلس في حمام الصونا -فقد عمد أصحاب المطاعم إلى تحضير له موائد خاصة حيث يتوسط كل طاولة أكل ثقب يمكن من وضع المهراس الخشبي الذي يحمل طبق "الزفيتي" .ويلزم صاحب المطعم عديد الدقائق ليضع أمام زبونه مهراسا خشبيا فوهته كأنما مدفع الهاون يثبت بشكل جيد على المائدة ليبدأ متناوليه (يتلذذون ويتأححون) جراء الفلفل الحار الذي يدخل في تركيبة هذا الطبق الذي يختلف تحضيره قليلا من منطقة الى أخرى حيث يقلل البعض من كمية الفلفل ويزيد من البندورة فيما يتم العكس بالنسبة للبعض الآخر . وعلى كل فإن "سلاطة المهراس" أو "الزفيتي" التي يتناولها المسيليون ومن عاشرهم من الناس طبق له نكهة خاصة يتم تناوله في كل وقت وحتى بعد وجبة الغذاء وهو معروف كونه غذاءا ودواءا لبعض الأمراض الموسمية كالزكام الذي سرعان ما يشفى منه المصاب بعد أن يتناول كمية منه . وينصح من يتناول لأول مرة " سلاطة المهراس" أن يجتنب شرب الماء بعد ذلك رغم قوة الرغبة نظرا للحرارة التي يتسم بها الطبق الناتجة عن الاستعمال الشبه مفرط للفلفل الأخضر الحار وينصح مرافقة أكل هذا الطبق مصحوبا بكمية من زيت الزيتون أو "الدهان" وهو زبدة الغنم التقليدية . و"سلاطة المهراس" عبارة عن مزيج من الكسرة المحضرة على التو تضاف اليها الطماطم الطازجة والفلفل الأخضر الحار والكمون الأخضر حيث تهرس كل هذه الكميات وتمزج ببعضها البعض لتصبح أكلة تقليدية هي أيضا ما يعرف ب"السفيتي". ويدرك من قام بزيارة بعض المطاعم الصغيرة بمدينة المسيلة مدى تفنن البعض من أصحاب هذه الحرفة ليصبحوا منافسين لبعض الأطباق العالمية على غرار "الشورمة" التركية و"الهامبورغر" و"الشيزبرغر" الأمريكيين. "الكمونية "و"اللوحة" أكلات خفيفة لها أيضا صداها ونفس الصدى يعرفه طبق "الكمونية" الذي يحضر بكبد الدجاج والكمون وبعض من التوابل ليصبح الطبق جاهزا للأكل حيث أن لهذا النوع من الأطباق رواده كونه سهل التحضير والوضع في شكل سندوتشات قابلة لنقلها إلى المكاتب أو أماكن العمل. أما بمدن سيدي عيسى وعين الحجل وسيدي هجرس فينتشر طبق "اللوحة "وهو عبارة عن أحشاء الضان أو الماعز صغير السنو التي تشوى على الجمر رفقة قطع من الفلفل والطماطم لتقدم كطبق يستهلكه بكثرة المتسوقون القادمون من مختلف مناطق الوطن إلى السوق الأسبوعية لكل من عين الحجل وسيدي عيسى. ويعود اسم "اللوحة" الى كون هذه الأكلة تقدم بعد الشواء على لوح وليس في صحن كما هو معتاد حيث يقوم مقدم الطبق أمام نظر المستهلك بتحضير هذا الطبق وشوائه على الجمر ثم يقدم بعد دقائق لطالبه . ويشير البعض ممن تعودوا على استهلاك هذا الطبق أنه فضلا عن قيمته الطاقوية والغذائية فهو ذو مذاق خاص يجلب إليه كل عابر سبيل. وقد أصبحت وجبة "اللوحة" تعرف إقبالا عليها كبيرا خاصة خلال الأسواق الأسبوعية. أما أكلة "الدوبارة "فقد زحفت هي الأخرى على المسيلة من ناحية بسكرة . وقد دخل هذا الطبق -الذي هو مزيج من الحمص والفول المطهيين يضاف إليها مكونات عديدة مثل الكمون وزيت الزيتون والفلفل الحار -يوميات المستهلك المسيلي عموما والموظفين والعمال خصوصا الذين يعمدون إلى تناوله في فترة الغذاء وذلك كون سعره منخفض من ناحية وقيمته الغذائية حسب البعض من هؤلاء هامة . وللعلم، فإن هذه الحرفة تقتصر فقط على القادمين من ناحية بسكرة كونها الأكلة الوحيدة التي لها خفايا التحضير لا يمكن لأي كان أن يقرصنها حتى باستعمال التكنولوجيات الحديثة. ويؤكد البعض من العارفين في هذا المجال أنه لو أعطي أي كان نفس المقادير التي تدخل في تحضير طبق "الدوبارة" لفشل في ذلك وفي حالة العكس فان الدوبارة ستتحول إلى طبق في متناول الجميع تحضيره . ونفس التحدي يرفعه البعض ممن يحترفون "الشواء" في المطاعم أو ينقلون أمتعهم ما بين الأسواق لأجل تقديم هذا الطبق مفاده انه لو سلم شخص عادي نفس الكمية من اللحم والكبد التي يقوم بتسويقها المختص في الشواء لما أمكن له أن يسوقها سوى بالخسارة حيث لا يمكنه أن يسترد تكاليف شراء اللحم والكبد . وهذا التحدي حسب أصحاب الشواء حرفة العديد من الناس في ولاية المسيلة أنهم يجيدون خفايا هذه الحرفة حيث يقدمون طبقهم في أحسن أحواله وبأسعار تعتبر في متناول الجميع كونها لا تتعدى ال15 دج للعصا الواحدة من الشواء وهم بذلك يسترزقون من هذه الحرفة سواء كان في المطاعم التي تختص في هذا الشأن والموجودة في أزقة وشوارع المسيلة العتيقة أو في الأسواق.