الجزائر - يتجه المشهد في الصومال بابعاده السياسية و الامنية و الانسانية نحو مزيد من الغموض والمخاوف في ظل حالة الفوضى و دوامة العنف المتواصل و شبح المجاعة الى جانب ظاهرة القرصنة المستتشرية مما يضع البلد و منطقة القرن الافريقي برمتها في منعرج "غير مسبوق" وسط تجاذبات التفجر و الانهيار. الوضع في الصومال بات يدور في "حلقة مفرغة" بسبب تعقيدات الازمة وتشابك خيوطها وتناقضاتها لارتباطها بقوى دولية واقليمية و محلية لكل منها اجندتها الخاصة مما ابقى الوضع على اشتعاله و هذا بالرغم من كل المحاولات الدولية و الاقليمية لاحتواء الازمة. وسعت الاسرة الدولية من خلال اتفاقية "جيبوتي" الى تشكيل حكومة مركزية تضم كلا من المعارضة و الحكومة وانهاء كل اشكال العنف و نشر قوة اممية لحفظ السلام لتحل محل القوات الاثيوبية التي انسحبت بالفعل من البلاد. الا ان مساعي الحكومة الفدرالية في تعزيز وجودها على الرض من خلال بناء لمؤسساتها الامنية والتواصل مع القوى المعارضة من موقع كونها "دولة وحدة وطنية" تسعى الى تسهيل مصالحة وطنية شاملة لم تحقق الهدف المنشود. و انغمست البلاد في مستنقع من الدماء في ظل الازمات السياسية المتعاقبة بسبب غياب المؤسسات الحكومية و الارتباك في تسيير الاعمال فيما زادت ازمة الجوع و المجاعة و القرصنة لتثقل كاهل البلد الممزق و تحجب عنه نور الانفراج. فطيلة عشريتين متتاليتين لم يشهد هذا البلد الافريقي الفقير "اي تقدما يذكر" في مشهديه الامني و السياسي فكانت الاحداث التي ميزت العام الحالي "اكثر دموية" في تاريخ الصومال حيث كثفت حركة الشباب المتمردة من هجماتها حتى خارج الحدود و هذا بالرغم من الدعم الذي تتلقاه الحكومة الانتقالية من طرف قوات الاتحاد الافريقي "اميصوم" و القوات الكينية/ مؤخرا/ لدحر المتمردين. ومما زاد الوضع توترا التدخل العسكري الكيني في الحرب التي تعتبر" اطول حرب اهلية" في تاريخ افريقيا و العنف المحلي حول الماء و موارد الرعي بسبب النزوح الداخلي. ومع تدخل كينيا عسكريا في النزاع الصومالي تحت ذريعة درء بلادها عن تهديد حركة "الشباب" المتمردة التي اتهمتها باختطاف السياح و عمال الاغاثة من المخيمات الللاجئين داخل حدودها في الجزء الشمالي و الشرقي ازداد المشهد اشتعالا حيث وسع المتمردون/الشباب/ من هجماتهم ليتستهدفوا عمال الاغاثة الانسانية و الممتلكات. و تسبب القتال الشرس في تجدد النزوح من العاصمة مقديشو الى المدن الاخرى التي امتدت اليها فيما بعد اعمال العنف و الى باقي الاقاليم الاخرى عندما دخلت المجموعات المتناحرة في اشتباكات للسيطرة على الاقاليم جنوب ووسط الصومال مما اثر على جهود المساعدات الانسانية وجعل ايصال الغذاء والمؤن الى المتضررين في هذه المناطق "امرا مستحيلا". و صرحت حركة "الشباب" اكبر مجموعة متمردة التي تسيطر على هذه الاقاليم علنا بانها تحظر على بعض الوكالات الاممية الانسانية العمل في المناطق التي تخضع لسيطرتها كما اجبرت برنامج الغذاء العالمي و اليونيسيف على وقف المساعدات التي تقدمها للنازحين في اجزاء التي تخضع لسيطرتهاجنوب ووسط البلاد/. وفي خضم هذه التوترات عمت الانتهاكات التي شملت ايضا تجنيد الاطفال وقصف المناطق المدنية بدون تمييز ارتفع عدد النازحين ليبلغ 500 الف بسبب الحرب الدائرة بين الحكومة الفيدرالية و حلفائها "اميصوم" و "اهل السنة و الجماعة" من جهة و المجموعات المتمردة و ابرزها حركة "الشباب"و" الحزب الاسلامي"من جهة اخرى و فيما بين المجموعات ذاتها. واشارت تقارير الى انتهاكات للقانون الانساني الدولي و قانون حقوق الانسان في المناطق الاهلة بالسكان النازحين حيث اثارت منظمة حقوق الانسان و مصادر الاممالمتحدة الانتباه الى حالات تجنيد الاطفال من هذه المخيمات من قبل المتمردين للقتال في صفوفهم الى جانب حالات الاغتصاب و الاعتداءات. وزادت موجة الجفاف التي لم يشهدها البلد "الممزق" منذ اكثر من 50 عاما من معاناته حيث دمرت المحاصيل و اتلفت الماشية و اضنيت قدرة الناس على ايجاد اليات للتغلب على هذه الماساة الانسانية فاضحى حوالي 400 مليون /اي نصف عدد السكان/يعتمدون على المساعدات الغذائية. وامام هذه الكارثة الانسانية تكاثفت الجهود الدولية لمساعدة الالاف الصوماليين لدرء شبح الموت التي حصدت المئات من الارواح اغلبهم من الاطفال و بات 4 ملايين اخرون يعيشون في ضنك شديد في عموم البلاد من بينهم ثلاثة ملايين جنوب الصومال. وبالموازاة مع هذه الاحداث طغت ظاهرة القرصنة على الواجهة في السنوات الاخيرة اذ تحول قادة عشرات العشائر و الفصائل المسلحة الى "امراء حرب" و لم تتمكن الحكومات الانتقالية المتعاقبة "الهشة" على كبح جماحها في ظل الفوضى و الانفلات مما وفر لهم "ميلاذا امنا" لاحتراف القرصنة دون حساب او عقاب. وتصاعدت وتيرة القرصنة بعد الزلزال الذي ضرب المحيط الهندي و احدث موجة تسونامي عارمة 2004 دمرت عددا من القرى الساحلية و قوارب صيدها فسرعان ما تحولت هذه الظاهرة الى "مصدر للربح الوفير" الامر الذي اصبح دافعا لقوتها واستمرارها لحد الان. وبلغت هجمات القرصنة ذروتها حيث بلغت رقما قياسيا في الربع الاخير من عام 2011 مما سبب للاقتصاد العالمي خسائر جسيمة قد تبلغ 15 مليار دولار امريكي عام 2015 اي حوالي ضعف الخسائر المسجلة العام الماضي حسب توقعات المتخصصين في هذا المجال اذا لم يوضع لها حدا. و لتدارك مخاطر هذه الظاهرة المستشرية و عواقبها السلبية يبذل المجتمع الدولي جهودا على الصعيدين السياسي و العسكري حيث ارسلت العديد من الدول اساطيلها الى المياه الصومالية لحماية السفن التجارية العابرة الا ان هذه الجهود لم تحقق التطلعات المرجوة. و على الصعيد الدبلوماسي تم عقد العديد من المؤتمرات الدولية لتعزيز جهود مكافحة القرصنة و بحث السبل الكفيلة بالقضاء عليها الا انها بقيت محدودة حيث تبقى هذه الظاهرة تمثل احد اكبر التحديات التي تواجه النشاط البحري الدولي.