تعيش تونس على وقع اضطرابات اجتماعية متتالية طالت العديد من المناطق للمطالبة بالحق في تجسيد المشاريع التنموية والحد من تفاقم البطالة لكن تلك التوترات اخذت احيانا اخرى طابع الخلافات القبلية حسب ما أبرزه المتتبعون للشان التونسي. وفي ولاية القصرين اثار قرار تعيين امين عام خلية حركة النهضة الاسلامية بهذه الولاية على راس شركة المركب الصناعي والتكنولوجي واستبعاد مديرها العام حفيظة عمال الشركة الذين اعتبروا قرار التعيين "فاقد لمعايير الموضوعية والحيادية والكفاءة ". واعربوا عن اعتقادهم بان هذا التعيين يستند إلى "منطق الولاء الحزبي بما لايخدم مصلحة التنمية في المنطقة ولا يؤشر على احداث القطيعة مع التصرفات السابقة التي كان يمارسها حزب "التجمع المنحل والحاكم سابقا "مطالبين بضرورة "عدول الحكومة على هذا القرار " على حد تعبيرهم. وفي هذا المضمار نددت عدة احزاب سياسية تونسية بالتعيينات الاخيرة لحركة النهضة الاسلامية مشيرة إلى " العواقب الوخيمة التي من الممكن أن تنجر عن هذه القرارات الارتجالية". واعتبرت عدة منظمات مدنية ان التعيينات على اساس الولاء الحزبي من شأنها "أن تزيد في تأزم الوضع " وبينت ان التعيين على أساس الكفاءة وخدمة التنمية في هذه المنطقة من تونس " مرحب بها" لكن التعيين على أساس الانتماء الحزبي وعلى حساب حياد الإدارة فذلك "سيغذي الشكوك ويؤثر على الثقة في مصداقية الحكومة". ومن جهة اخرى تعيش مدينة فريانة منذ عدة ايام حالة كبيرة من الاحتقان انطلقت باعتصامات نفذها عاطلون عن العمل لتتحول إلى اضراب عام تلاه اغلاق مصنع للاسمنت وهو التصرف الذي اثار حفيظة سكان المدينة الذين اصبحت لقمة عيشهم مهددة بعد اغلاق هذه الوحدة الانتاجية. لكن المواجهات الدامية بدات باعتراض جماعة من العاطلين عن العمل لشاحنة بضائع لاحد ابناء مدينة فريانة وافتكاكها منه والاعتداء عليه حيث احتمى السائق بمجموعة من عرشه لتبدا المناوشات والمصادمات العنيفة بين العرشين التي استعملت خلالها القضبان الحديدية وبنادق الصيد مما اسفر عن اصابة 26 شخصا قبل ان تتدخل وحدات الجيش التونسي و الحرس الوطني (ما يعادل الدرك الوطني ). وترى شخصيات تمثل المجتمع المدني التونسي ان ما عاشته مدينة فريانة من تصادم بين عرشين وما تعرفه ولاية القصرين من توترات تعد بمثابة " مناورات من طرف قوى خفية لبث الفوضى من جديد والانطلاق من ولا ية القصرين بالذات التي عرفت الانتفاضة ضد النظام السابق لإعادة البلاد إلى نقطة البداية وجعلها تتخبط في دوامة اللا إستقرار. وكانت الحكومة التونسية قد أكدت في وقت سابق ان اجهزتها الامنية ستقوم "بدورها في التصدي" لكل من يهدد أمن البلاد كما انها "ستتولى تطبيق" القانون ضد كل من يضر بوحدة البلاد وبصورتها داخليا وخارجيا ولدى المستثمرين. و وصف وزير الداخلية التونسي التهديدات التي طالت بعض المواطنين والشخصيات السياسية ب "الخطيرة" التي "لا تخدم" مصالح الاقتصاد والسياحة ولا الاستثمارات الأجنبية. وبمنطقة الحوض المنحمي المنتج لمادة الفوسفاط الحيوية بالنسبة لاقتصاديات البلاد والواقعة بولاية قفصة لم تتوقف ظاهرة الاعتصامات والمظاهرات منذ عدة شهور للمطالبة" بمنح الاولوية" في التوظيف لابناء المنطقة مثل مدن المتلوي وام العرائس والمضيلة علاوة على الدعوة إلى الاهتمام بالاوضاع الصحية للعمال والعائلات المتضررة من تلوث البيئة الذي تتسبب فيها هذه المناجم. ولقد تعطلت جراء هذه الاضرابات عمليات انتاج الفوسفاط وغسله ونقله وتسويقه الامر الذي نعكس سلبيا على عمليات التصدير نحو الخارج ومن تم تراجع المداخيل بالعملة الصعبة. وكانت الاضطرابات قد طالت قبل ايام ولاية "توزر" فيما شهدت ولاية "المنستير" إضرابا عاما بينما دخل العديد من سكان ولاية "سيدي بوزيد" في اعتصام مفتوح. واغلقت بلدية ولاية "توزر" في وقت سابق أبوابها تحسبا لتطورات واحتجاجات محتملة إثر وفاة شاب أقدم على حرق نفسه الأحد مما أدى إلى حدوث أعمال شغب وعنف. كما شهدت مدينة "الساحلين" بولاية "المنستير" إغلاق عدد من المؤسسات الاقتصادية احتجاجا على عدم تلبية مطالب السكان في التشغيل والتنمية. أما ولاية "سيدي بوزيد" التي كانت نقطة انطلاق الثورة على نظام بن علي بعد إقدام الشاب محمد البوعزيزي بإشعال النار في نفسه أواخر 2010 فقد شهدت هي الأخرى اعتصاما مفتوحا للعدد من اسر شهداء وجرحى الثورة حيث طالبوا السلطات المحلية ب"الاستجابة لمطالبهم المتعلقة أساسا بمنحهم بطاقات العلاج والنقل ومنحهم التعويضات المادية وأكدوا دخولهم في اعتصام مفتوح حتى تتم الاستجابة إلى مطالبهم.