يعتقد الكثير أن استرجاع المحطات الكبرى في تاريخ الاشخاص أمرا يسيرا وهينا خاصة إذا كان الامر يتعلق بوجوه معروفة بماضيها المشرق لكن هذا الاعتقاد سرعان ما يتلاشى عندما تحاول استقراء التاريخ مع قامة رياضية كبيرة من شاكلة محمد لزهاري الملقب حاليا بيمني محمد. فمحمد يمني(لزهاري) هذه القامة الرياضية الكبيرة المعروفة لدى الجميع بكونه الرياضي الاول الذي مثل الجزائر المستقلة "الفتية" في أولمبياد طوكيو 1964 يدهشك عند حديثك معه ببساطته و تواضعه و اكثر من هذا وذاك حسه المرهف جدا الذي تعكسه بوضوح الدموع التي تملأ عيونه وهو يتحدث عن ماضيه رغم محاولاته اليائسة لكبتها. فهذا الرجل الذي اختزلت فيه الرياضة الجزائرية بعد الاستقلال عقب اختياره من قبل وزارة الشباب و الرياضة الجزائرية من أجل تمثيل الرياضة الوطنية في أولمبياد طوكيو 1964 لا يزال لحد اليوم يتذكر تلك المرحلة بكل حيثياتها وبأدق تفاصيلها لانها ببساطة مرحلة غير قابلة للنسيان. مشاركتي في أولمبياد طوكيو بالوان الجزائر أهم محطة في حياتي فبخطوات أكيدة و ملامح مرهقة تتحداها بصمود نظرات ثاقبة يعود بنا السيد يمني الى ذكريات بعيدة قياسا بتاريخ حدوثها وقريبة دوما الى القلب بمدلولها و قيمتها التاريخية. منحدرا من عائلة كبيرة العدد(12 طفلا) يتذكر محمد يمني المولود في 28 افريل 1938 بحي القصبة العتيق انه لما بلغ سن الثانية عشرة طلب منه والده الذي لم يكن يميل الى الرياضة كثيرا ممارسة اي نشاط رياضي "يقتل"به الفراغ ويزيد من لياقه جسمه وهو الامر الذي تجسد فعلا بالتحاق يمني -الطفل- بقاعة "باتريوت" الكائنة بالقصبة السفلى. وفجأة ودون أدنى حسابات أصبح لزهاري محمد الرياضي الناشط بالوان فرنسية جزائري "قح" سينفرد فيما بعد بشرف تمثيل الجزائري في أولمبياد طوكيو 1964 بعد أن تقمص ألوان فرنسا في أولمبياد روما 1960. البداية الحقيقة لقصة محمد يمني مع الالوان الوطنية تعود الى سنة 1962 اين خيره النادي الفرنسي الذي كان ينشط في صفوفه"نادي بوتو" بين البقاء معه أو العودة لتقمص الوان وطنه الاصلي(الجزائر) وبالتالي العودة الى نقطة الصفر وحينها لم يفكر محمد كثيرا ليجيب بكل عفوية انه يفضل "طبعا الانتماء و العودة الى الوطن" باعتبار انه كان في تلك الفترة يجري تدريبباته العادية بباريس مع فريقه الذي توج معه بلقب البطولة الفرنسية. فمباشرة بعد الاستقلال قاده اختيارة الى وزارة الشباب و الرياضة بصفة مستشار رياضي وهو المنصب الذي مكنه من الاحتفاظ بصفة رياضي النخبة لينتقل بعدها مجددا الى باريس لمواصلة تحضيراته تحسبا لالعاب طوكيو الاولمبية. طوكيو.... رحلة الحلم الكبير ومن هنا بدأت رحلة محمد لزهاري الطولية في البلاد التي لا تغيب عنها الشمس وكانت مشاعره آنذاك تمزج بين الاعتزاز و الخوف الاعتزاز لكونه الرياضي الاول الذي سيمثل الجزائر في الاولمبياد و الخوف لكونه كان يعي جيدا ثقل هاته المهمة على كاهله لانه ببساطة كان مطالبا بالتعريف بالجزائر في وقت كان الكثير من المشاركين في تلك المنافسة يجهلون حتى القارة التي تقع فيها". وبهذا الخصوص يتذكر لزهاري" كان بعض المشاركون يستوقفونني و يسالونني عن موقع الجزائر و لغتها الرسمية وغيرها من المعلومات باعتبار ان المعلومة الوحيدة التي كانوا يعرفونها عن الجزائر انها بلد الثورة بل كان اسم الجزائر مرادف لمصطلح "ثورة". "أتذكر أنني كنت وحيدا في القرية الاولمبية و كنت أحاول التغلب على عزلتي خوفي بالتركيز على التدريبات و التفكير في المهمة الصعبة التي اوكلت لي وفي هذه الفترة زارني العديد من الاشخاص اللذين كانوا يتوقون للحصول على معلومات عن الجزائر" كما يتذكر محمد . في هاته الفترة اتذكر ان سفير الجزائر بطوكيو قام بزيارتي بمقر اقامتي في القرية الاولمبية وبطريقة ديبلوماسية للغاية قام باعطائي بعض التوجيهات لكي لا ارتكب اي انزلاقات في تصريحاتي و تعليقاتي. وأصعب فترة كنت امر بها في القرية الاولمبية هي فترة التدريبات لأنني كنت اتدرب بشكل انفرادي "كنت أجد نفسي وحيدا مثقلا بالافكار المتظاربة كنت افتقد للدعم و التوجيه هذه الوحدة دفعتني للتقرب من بعض زملائي من المنتخب الفرنسي للعمل معهم لكنني تراجعت عن هذه الفكرة لانني أحسست ببرودتهم و فتورهم في تعاملهم معي فادركت حينها أنه لا يمكنني أبدا الاعتماد عليهم . ورغم الارادة و العزيمة أنهيت الدورة في المركز ال91 في الترتيب العام لمسابقة الجمباز وكان بامكاني تحقيق نتيجة أحسن من هذا بكثير لو أستفدت من تدريبات عالية المستوى" مستطردا" لم أكن محكوم بتحقيق نتيجة جيدة لان مشاركتي في حد ذاتها لم تكن من اجل النتيجة بقدر ما كانت من أجل "اشهار" استقلال الجزائر و تاكيد تواجدها على الساحة الرياضية الدولية". التواضع من شيم الكبار"مقولة تنطبق على محمد يمني " ومن الأمور التي تفرض عليك احترام هذا الرجل الرمز في الرياضة الجزائرية هو تواضعه الكبير بدليل انه لا يزال يؤكد في كل مرة يستجوب فيها عن مشاركته في أولمبياد طوكيو انه "لا يدرك لماذا وقع الاختيار عليه (...) " كنت اعرف في ذلك الوقت اسماء رياضية قوية ادرك انها كانت أحسن مني وكان بامكانها تحقيق نتيجة أحسن من تلك التي حققتها مستشهذا في هذا السياق على سبيل المثال لا الحصر بالعداء براكشي حامل لقب البطولة الفرنسيةآنذاك و جمبازي من وهران لا يزال يتكلم عليه بكثير من الاعجاب دون ان يتمكن من استرجاع اسمه . وبالحاح كبير منا لاعطاء تقييمه للرياضة الجزائرية اليوم توقف محمد برهة ليسترجع انفاسه قل الخوض فيها وبكل عفوية وجد نفسه يقارن بين رياضي الامس و نظيره اليوم فبالامس كان الرياضي يلعب من أجل الالوان الوطنية في المقام الاول و الاخير لكن اليوم الامور تختلف كثيرا و هذا الامر لا يرجع للرياضي فقط بل للظروف المحيطة به. "أصبح الرياضي اليوم يفكر في ضمان مستقبله قبل كل شيء وهذا امرا مشروعا لانه لا يرغب في الاصطدام بنكبات الدهر ويجد نفسه دون سند"يضيف لزهاري بلهجة الشخص المدرك لما يقول . مشاركتي في أولمبياد طوكيو كانت تشبه بداية النهاية وبفضول صحفي مشروع كذلك قادنا هذا الرد الى سؤال يمني عن مدى رضاه عن مشواره الرياضي فكانت اجابتة حزينة عكستها ملامح وجهه قبل كلامه. "صدقوني ان قلت لكم أنني كنت اعتقد ان كوني الممثل الاول للجزائري في الالعاب الاولمبية سيفتح امامي كل الابواب لكنني اصطدمت بعدها بواقع مر فايقنت بعدها ان تلك المشاركة بالنسبة لي كانت بمثابة البداية و النهاية" يضيف السيد يمني بمرارة. لا أكشف سرا ان قلت لكم ان تواصل تواجدي على الساحة الرياضية الدولية من خلال المناصب التي شغلتها طيلة مسيرتي المهنية هون عليا كثيرا من "الاجحاف" الذي عشته وما زلت ببلادي (....) انا لا ازال اشعر بالتقدير و الاحترام متى وجهت لي الدعوة لاكون ضيف شرف في عديد المناسبات بالخارج في حين أنني اعامل بتجاهل كبير داخل وطني "يصرح يمني بتاثر كبير. وعليه فانا مقتنع انه من اجل استرجاع التفاني في العمل و نكران الذات عند الرياضي الجزائري يتعين على الجهات الوصية ضمان التأطير الجيد و تحديد القوانين التي تحمي الرياضي وتضمن مستقبله". "الرياضة تبقى المجال الوحيد الذي تجد فيها المادة التي تملأ بها صفحتين يوميا على الاقل في مختلف الصحف لان مادتها دسمة ومتجددة دائما وهي وحدها القادرة على اخراج الجماهير للاحتفال في الشارع بشكل عفوي وهي وحدها القادرة على التعريف باي دولة مهما كان موقعها في الخريطة بمجرد حصول احد رياضييها على ميدالية في المحافل الدولية(...)كل هاته المعطيات تعطي الحق للرياضي للاستفادة بأكبر قدر من الاهتمام والرعاية و المتابعة. بقلم رزيقة قراش