مازالت حالة اللاأمن تميز الوضع في الشمال المالي وسط استمرار التفجيرات والاشتباكات بين الإرهابيين و القوات الفرنسية و المالية وما إنجرعن ذلك من موجات النزوح و تدنى الوضع الإنساني في المنطقة. وتجددت المعارك بين الجيش المالي المدعوم بالقوات الفرنسية والإرهابيين يوم الجمعة في عديد المناطق المحاذية لمدينة غاو كبرى مدن الشمال كما وردت أنباء عن إحراق الارهابيين لقصر العدل في هذه المدينة التي تشهد توترا أمنيا مستمرا. وفي أنحاء مدينة غاو لقي مالا يقل عن 15 إرهابيا مصرعهم خلال اشتباكات وقعت يوم الخميس بينما أصيب عسكريين فرنسيين وأربعة جنود ماليين بجراح حسبما أعلنته هيئة أركان القوات المسلحة الفرنسية اليوم الجمعة مشيرة إلى أن "عناصر من سلاح المهندسين (الفرنسي) تدخلت لتفكيك عدد من العبوات الناسفة ما أدي إلى إصابة جنديين فرنسيين خلال العملية بجروح طفيفة". وشن الإرهابيون يوم أمس هجمات استهدفت وسط مدينة غاو شمال شرقي مالي ومنفذيها الشمالي والجنوبي تصدى لها جنود ماليون وفرنسيون وآخرون من النيجر باستخدام الأسلحة الثقيلة كما شهدت مدينة كيدال (أقصى شمال شرق) تفجير سيارة مفخخة على بعد 500 متر من معسكر يتمركز فيه جنود فرنسيون وتشاديون ما أدى إلى مقتل شخص وجرح آخر. يأتي هذا قبل ان تتمكن القوات المالية المدعومة بالقوات الفرنسية من طرد الارهابيين من بلدية و إقامة حاكم مدينة غاو امس بعدما احتلوها لفترة قصيرة حيث تم قتل خمسة منهم على الأقل. كما يأتي هذا التصعيد الأمني بعد انتشار ميداني ل 4300 جندي افريقى في مالي من بينهم 1800 تشادي فيما يرتقب انتشار نحو ثمانية الاف جندى افريقى فى اطار المهمة الدولية لدعم مالى برعاية المجموعة الاقتصادية لغرب افريقيا(ايكواس) في حين يبقى من المقرر ان تشارك قوة اضافية من ألفي جندى تشادى فى العمليات العسكرية بالتنسيق مع المهمة الدولية في البلاد. وعلى خلفية هذه التطورات أكد وزير الدفاع الفرنسي جان ايف لودريان ان قواته أمام "حرب حقيقية " سواء في عموم الشمال المالي أو في المدن التي تم تحريرها بينما يرى محللون ان "الإرهابيين انسحبوا من المدن التي كانوا يسيطرون عليها إلى المناطق الوعرة لتفادي الضربات الجوية الفرنسية و التخطيط لعمليات أكثر دقة". مخاوف من "تجاوزات عنصرية "في الشمال والنازحون يعيشون"عوزا شديدا" في غضون ذلك أعرب رئيس الوزراء المالي ديانغو سيسوكو عن أمله في إطلاق حوار مع سكان شمال البلاد وبينهم الطوارق بدءا من مارس المقبل علما أن (الحركة الوطنية لتحرير أزواد) أعلنت دعمها للعمليات العسكرية الفرنسية لكنها رفضت دخول الجنود الماليين أو الأفارقة إلى مناطق كيدال "خشية ارتكاب تجاوزات عنصرية ". نفس المخاوف أعرب عنها متظاهرون ماليون يوم أمس امام مقر برنامج الأممالمتحدة للتنمية في العاصمة الموريتانية نواقشط حيث دعوا" الأممالمتحدة والمنظمات الإنسانية الدولية إلى وقف المجازر الوحشية ضد العرب في شمال مالي". و تؤكد الأوضاع هذه المخاوف حيث نفذ الإرهابيون اليوم الجمعة هجوما بسيارة مفخخة إستهدفوا من خلاله مدنيين وعناصر من الحركة الوطنية لتحرير الأزواد بمنطقة (إنهاليل) الشمالية ما أدى إلى مقتل خمسة أشخاص على الأقل من بينهم إنتحاريين إثنين حسبما أكدته مصادر عسكرية مالية. و في سياق متصل أعربت منظمة الأممالمتحدة للأمومة والطفولة (يونيسيف) اليوم عن قلقها إزاء تداعيات الوضع في البلاد على العملية التعليمية حيث أكدت أن "النزاع فى مالى أصبح يؤثر سلبا على العملية التعليمية لما يقارب 700 ألف طفل مالى فى الوقت الذى يتسبب هذا النزاع فى حرمان ما يقارب 200 ألف طفل آخر من الوصول إلى المدارس فى شمال البلاد وجنوبها". و أشارت إلى انه "منذ شهر جانفي الماضي فإن حوالى 115 مدرسة فى شمال مالى أغلقت أو دمرت أو تم نهبها" وأن " المدارس فى جنوب مالى أصبحت مزدحمة للغاية وليس لديها القدرة لاستيعاب المزيد من التلاميذ". و أكدت المتحدثة باسم المنظمة الدولية فى جنيف ميريكسى ميركادو اليوم "إن العملية التعليمية فى مالى بالكامل أصبحت مهددة وذلك بسبب خوف المدرسين من القيام بعملهم وخوف التلاميذ من الذهاب إلى المدارس" مؤكدة في ذات السياق إلى ان "النداء الذى كان قد وجه إلى مجتمع المانحين من قبل المنظمة الدولية وشركائها من المعنيين بمساعدة التعليم فى مالى لتوفير مبلغ 8ر18 مليون دولار لم يصل منه أى شىء على الإطلاق". نفس المستوى من القلق أبدته اللجنة الدولية للصليب الأحمر خاصة وان "النازحين في شمال شرق البلاد يواجهون نقصا حادا في الماء والغذاء" مشيرا إلى ان اللجنة تبذل جهودا كبيرة من أجل توفيرالاحتياجات الانسانية الملحة للسكان المتأثرين بالوضع في البلاد. وفي بيان لرئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى مالي والنيجر جان نيكولا مارتي تم التأكيد أن "النازحين في الداخل اضطروا إلى ترك كل شيء وراءهم وهم يعيشون في عوز شديد. فالناس يعيشون تحت الأشجار وفي المنازل المهجورة أو في المركبات المحترقة ولا يستطيعون الحصول على الغذاء". وفي ظل صعوبة الحصول على أرقام دقيقة أكد مكتب الأممالمتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) أن الوضع في مالي أدى إلى نزوح 14,242 شخصا إضافيا إلى الجنوب والمناطق الوسطى كما أجبر 21,986 آخرين على النزوح إلى الدول المجاورة. وكانت الأممالمتحدة قد قدرت في بيان لها حول الوضع الإنساني في مالي ان "أكثر من 4.3 مليون شخص في مالي يحتاجون إلى المساعدات الإنسانية معظمهم من النازحين الفارين من الحرب والأسر التي تستضيفهم" كما حذرت مفوضية الأممالمتحدة لشؤون اللاجئين من إنعاكاسات "الظروف الأمنية السيئة" على جهود الإغاثة في المنطقة.