تحيي جنوب إفريقيا يوم الاحد "يوم الحرية" الذي يشكل فاصلة في تاريخ الميز العنصري في هذا البلد الذي شهد في 27 أبريل من عام 1994 أول انتخابات ديمقراطية متعددة الاعراق وسط جملة من التحديات بشأن مستقبلها لا سيما وأنها مقبلة على إجراء انتخابات عامة الشهر المقبل. و أنهت جنوب إفريقيا منذ تاريخ 27 أبريل 1994 الذي أجريت فيه الانتخابات العامة سياسة الفصل العنصري حيث أهم ما ميزه ذلك اليوم التاريخي اندفاعا شعبيا "غير مسبوق" على صناديق الاقتراع التي حسمت اختيار ناخبي "امة قوس" لزعيم الحزب المؤتمر الوطني الراحل نيلسون مانديلا ليصبح أول رئيس أسود يقود البلاد. و من المقرر أن تجرى احتفالات كبرى في بريتوريا و جميع ربوع البلاد تميزها حفلات لاستذكار الساعات التاريخية للاقتراع الذي أرسى قواعد الديمقراطية في جنوب افريقيا. و منذ ذلك الوقت أصبح يوم 27 أبريل من كل عام /يوم الحرية / تحتفل به كعيد وطني و بما انه صادف هذا العام يوم الاحد و هو أصلا يوم عطلة في جنوب افريقيا فسيعوض بيوم الاثنين لاطالة مدة الاحتفالات. أول انتخابات حرة تقود البلاد الى عهد جديد و كللت الانتخابات مفاوضات صعبة بين المؤتمر الوطني بزعامة الزعيم الراحل نيلسون مانديلا وسلطات نظام الفصل العنصري سمحت لجنوب افريقيا بالخروج من الفوضى والحرب الاهلية و صياغة دستور جديد يعتبر من بين "الاكثر تقدما في العالم". و للمرة الاولي في تاريح البلد سمح للسود الذين يشكلون الاغلبية من التصويت بعد ان منعوا من هذا الحق لسنوات عديدة. ووقف مانديلا بعد فوزه أمام جحافل الشعوب و خاطبهم قائلا "اليوم يوم ليس كسواه..ان اول انتخابات حرة و عادلة قد بدأت... اليوم فجر حريتنا". بعدما كانت جونب افريقيا تحت حصار اقتصادي بسبب سايسة الميز العنصري المنتهجة آنذاك انضمت بعد اختبار للنهج الديمقراطي بعد انتخابات عام 1994 الى المجموعة الدولية و برزت كأكبر قوة اقتصادية في القارة الافريقية وأصبح اقتصادها يصنف كأحد الاقتصاديات الواعدة في العالم فازداد اجمالي الناتج الداخلي الى الضعف خلال 20 عاما. الى جانب جهودها في دمقرطة الحياة السياسية و الحكم الرشيد. و بعد خمس سنوات من الازدهار في ظل سنوات حكم الزعيم الراحل مانديلا بدأت الغيوم تتلبد مجددا حيث سائد واقع جديد وقف فيه المواطن في جنوب افريقيا أمام جملة من العراقيل قلبت الموازين رأسا على عقب. تحديات و رهانات تضع السلطة الحاكمة على المحك وأمام الصعوبات التي يواجهها البلد كشفت حكومة الرئيس جاكوب زوما عن مخطط "تنموي وطني" يمتد الى غاية عام 2030 يهدف أساسا الى امتصاص البطالة و تقليص نسبتها الى 6 بالمائة وتحسين المستوى المعيشي للسكان و تعبئة جميع قطاعات المجتمع حول "رؤية وطنية". و يرمي البرنامج الذي وصف ب"مهمة كبيرة جدا" أيضا الى مكافحة الفساد وتحسين نوعية المنظومة التربوية و ضمان خدمة صحية فعالة و مجانية للجميع على مدى 15 عاما من أجل بلوغ الأهداف المسطرة. وتأتي هذه الخطة لمواجهة أعباء النمو الاقتصادي التي أعاقت آفاق انتعاش الانتاج وقللت من فرص العمل لدى 5ر4 مليون شخص مما أبقى نسبة البطالة في هذا البلد من بين الاعلى في العالم اذ بلغت 25 بالمئة في نهاية سنة 2012 حسب تقرير الهيئة العمومية للاحصائيات. و تشير بعض الاحصائيات الى أن قرابة ربع السكان يعيشون اليوم بأقل من 25ر1 دولار في اليوم في هذا البلد "الفتي" حيث متوسط العمر عام 2012 يقدر ب 3ر25 سنة علما أن واحدا من 3 جنوب افريقيين يقل عمره عن 25 عاما. هذا الوضع المعقد الذي تواجهه "جنوب افريقيا الجديدة" حال دون تمكنها من تحقيق التنمية المستدامة المنشودة حيث أضحى المجتمع طبقي انتشرت فيه ظاهرة الفساد التي اصبحت تهدد النسيج الاقتصادي والاجتماعي وعمقت الفوارق الاجتماعية. و بعد وفاة الزعيم نيلسون مانديلا "صانع السلام و المصالحة" نهاية العام الماضي أصبحت التساؤلات بشأن مستقبل "جنوب افريقيا الجديدة" ولاسيما انها تستعد لتنظيم انتخابات عامة في شهر مايو المقبل يتوقع فيها المراقبون ان تحدث مفاجآت في ظل حالة الاحتقان السائدة و نداءات المقاطعة المتواصلة. و ففي الوقت الذي ينشط فيه حزب المؤتمر الوطني الحاكم و رئيسه جاكوب زوما الحملة الانتخابية تمهيدا للاستحقاق الانتخابي المقبل دعت بعض الاطراف الفاعلة في الساحة السياسية الى مقاطعته والعزوف عن التصويت في بلد دفع ضريبة انتزاع حقه الانتخابي بالدم و الموت و الدموع.