يبقى ارث زعيم الكفاح ضد نظام الابارتايد نيلسون مانديلا الذي ووري الثرى أول أمس الأحد بمسقط رأسه كونو (الجنوب الشرقي لبلاد) مصدرا للوحدة بالنسبة لسكان جنوب افريقيا الذين يريدون تخليد القيم التي كان يدافع عنها الزعيم. وغداة تشييع جنازته التزم سكان جنوب افريقيا بالسير على درب ذلك الرجل الذي ناضل طيلة حياته من أجل قضية المظلومين وازالة الفوارق. إن رحيل "ماديبا" كما يسميه الجنوب افريقيون لم يعد مصدرا للحزن بل يحتفل به كحدث يذكر ب"عظمة أمة متصالحة مع نفسها". وقد ابرز المسؤولون السياسيون ارث مانديلا الذي كرس عهدته الرئاسية (1994- 1996) لمصالحة الجنوب افريقيين وتضميد الجروح بعد نهاية نظام الابارتايد. وأثناء مراسم التشييع طلب الرئيس جاكوب زوما من مواطنيه تخليد ارث مانديلا مؤكدا أن "الدرب الطويل نحو الحرية" لماديبا انتهى لكن درب الجنوب افريقيين سيتواصل. —ما بعد مانديلا محل نقاش غير أن وفاة مانديلا أثارت تساؤلات حول مستقبل جنوب افريقيا الجديدة التي صنعها بنفسه من خلال مساهمته في فرض التعايش بين القبائل المختلفة. وقد أعرب المحللون عن بعض المخاوف حول مستقبل النموذج الذي شيده مانديلا خلال حياته في بلد متعدد الاعراق حيث تبقى الجروح لم تضمد بعد حتى وان كان رحيل ماديبا بالنسبة لعدد كبير منهم بدون عواقب على مصير البلاد. وقد أبعد الرئيس السابق ثابو امبيكي المخاوف من أن رحيل "أب الأمة" سيؤدي الى اضعاف الانسجام الوطني. وقال "البعض منا" يلحون على أن "أمور سيئة ستحدث" لأن ماديبا رحل. "لا شيئ سيحدث" كما اكد في خطاب في جوهنسبورغ. وأضاف أن "الشيئ الوحيد الذي يجب علينا انجازه هو استكمال المصالحة الوطنية" التي بادر بها مانديلا. وتساءلت وسائل الاعلام بدورها عن قدرات سلطات البلاد تحت رئاسة جاكوب زوما على الاستجابة لتطلعات السكان الذين يبحثون عن حياة افضل. الحكومة امام تطلعات كبيرة وعلى الصعيد الاجتماعي والاقتصادي فان الجروح التي تركها نظام الابارتايد لم تضمد بعد والبلاد تشهد نسبة بطالة جد مرتفعة (حوالي 25 بالمئة في نهاية 2012) والفوارق الاجتماعية تبقى حادة : ربع السكان تقريبا يعيشون اليوم بأقل من 25ر1 دولار في اليوم. ان اقتصاد البلاد الاول في افريقيا الذي سمح لجنوب افريقيا في بضع سنوات بالتمركز ضمن الدول العظمى الناشئة يعاني اليوم من اثار التوتر الاجتماعي (احتجاجات اضرابات) والازمة المالية العالمية لسنة 2008. واعتبرت وسائل الاعلام حصيلة الرئيس زوما الذي انتخب سنة 2009 ضعيفة في حين تعتبر المعارضة التي توجه له انتقادات حادة أن رئيس الدولة الحالي لم يف بالتزاماته لا سيما فيما يخص مكافحة الفساد والفوارق الاجتماعية. وامام الانتقادات حول كيفية تسييره لشؤون البلاد التزم السيد زوما بمواصلة عمل مانديلا و بالعمل من اجل الاستجابة لحاجيات السكان. وأكد أن "الاطفال الجنوب افريقيين يجب أن يعيشوا في بلد خال من الجريمة والفقر والجهل والمرض". ستنظم جنوب افريقيا انتخابات عامة في افريل 2014 الشهر الذي يصادف الذكرى ال20 لاقرار الديمقراطية. وتريد المعارضة استغلال هذه الفرصة لازاحة الحزب الحاكم المؤتمر الوطني الافريقي عن السلطة. ويبقى الرهان صعبا طالما تتمتع هذه الحركة بشعبية كبيرة في مدن البلاد الاكثر كثافة سكانية. وبامكان جاكوب زوما كرئيس للمؤتمر الوطني الافريقي الترشح لعهدة ثانية.