انتهت الجولة الثانية من الحوار الليبي يوم الثلاثاء بالجزائر العاصمة مجمعة حول إيجاد حل سياسي للازمة الخطيرة التي يمر بها هذا البلد مما سيعزز مسعى الجزائر في سعيها الدائم لإيجاد حلول سلمية تفاوضية للنزاعات طبقا للمبدأ الأساسي الذي تقوم عليه دبلوماسيتها المتمثل في الحفاظ على السلم و الاستقرار الدوليين في كل الظروف. و قد اتفق كل من رئيس بعثة الأممالمتحدة للدعم في ليبيا برناردينو ليون و الوزير المنتدب المكلف بالشؤون المغاربية و الإفريقية عبد القادر مساهل على أن نوعية المبادلات بين الأطراف الليبية خلال هذا الاجتماع تفتح آفاقا حقيقية لاتفاق سياسي منقذ. كما يجمع الملاحظون أن الجزائر كقوة إقليمية محاطة ببلدان غير مستقرة أصبحت تعتبر شيئا فشيئا عنصرا محوريا في الحفاظ على الأمن و الاستقرار في منطقتها و هي تساهم بدون أدنى شك و بصفة حاسمة في بداية إيجاد تسوية لازمة تشكل تهديدا لشبه المنطقة بأسرها و ابعد من ذلك. ويجدر التذكير انه منذ اندلاع الأزمة الليبية في 2011 كانت الجزائر من خلال نشاط دبلوماسي مكثف قد دعت إلى الحوار و رفضت التدخل الأجنبي في هذا البلد الذي تتقاسم معه حدودا شاسعة كما حذرت من خطر توسع النزاع إلى منطقة الساحل المنهكة بالنزاعات الداخلية و تنامي الإرهاب العابر للأوطان. وفي وقت غير بعيد و بخصوص الأزمة في اليمن اضطلعت الجزائر بمسؤوليتها من خلال الدعوة إلى الحوار بين الأطراف اليمنية مع التذكير بمبادئ سياستها الخارجية القائمة عل عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول و رفض التدخل الأجنبي في النزاعات الداخلية. في هذا الإطار، لطالما رفضت الجزائر إرسال قواتها العسكرية خارج حدودها الوطنية و بالتالي لم تشارك في التحالف العسكري العربي العامل حاليا في اليمن. أنها نفس المباديء الدبلوماسية التي تجعل من الحوار و المصالحة عنصرين جوهريين لتسوية النزاعات الذي طبقته الجزائر سواء بالنسبة للنزاع القديم في مالي منذ سنوات طويلة حتى التوصل في شهر مارس الأخير إلى "اتفاق تاريخي" بين مختلف أطراف النزاع في هذا البلد الحدودي الآخر. حتى وان كان ينتظر أن يوقع بالأحرف الأولى من جميع الأطراف فانه أصبح يعتبر خطوة هامة نحو تكريس السلم و المصالحة في بلد مهدد -زيادة على ذلك من الإرهاب والتخلف. وعلى حدودها كذلك في الصحراء الغربية لطالما دعمت الجزائر الصوت السلمي للحوار بين طرفي النزاع (المغرب و جبهة البوليساريو) من اجل تنظيم استفتاء لتقرير مصير الشعب الصحراوي طبقا للقانون الدولي و اللوائح الأممية ذات الصلة. كما أن الحرب بين العراق و إيران (1980-1988) و الرهانات الكبيرة على منطقة الخليج قد دفعت الجزائر الى العمل الدؤوب من اجل تحقيق السلم حتى أنها فقدت في حادث طائرة في أجواء المنطقة وزير خارجيتها محمد الصديق بن يحي الذي كان يترأس وفدا يتكون من عشرة أعضاء في مهمة مساعي حميدة بين الطرفين المتنازعين. أما تحرير الرهائن الأمريكيين ال52 في سنة 1980 الذين كانوا محتجزين لأكثر من سنة في إيران بفضل وساطة جزائرية متبوعة باتفاقات الجزائر بين الولاياتالمتحدة و إيران حول هذه القضية فكانت رمزية للدور الحاضر و المستقبلي للجزائر في هذا النزاع المسلح الطويل. وقد انعكس العمل الدبلوماسي للجزائر القائم دوما على ثقافة داخلية للسلام و المصالحة ("السياسة الخارجية للجزائر مرآة لسياستها الداخلية") في نزاعات بعيدة جغرافيا على غرار تيمور الشرقية التي أسهمت في استقلال هذا البلد بفضل استفتاء لتقرير المصير. أما في إفريقيا فان مساهمة الجزائر في تسوية النزاع الترابي بين إريتيريا و إثيوبيا الذي اندلع في سنة 1998 فقد توج نوعا ما مجهودها الدؤوب من اجل السلام والتنمية في إفريقيا منذ تاسيس منظمة الوحدة الإفريقية سنة 1963. ومن خلال ثبات موقفها فيما يتعلق بالأزمات الدولية حيث تبرز رهانات إستراتيجية و اقتصادية معقدة على غرار تلك التي اصطلح على تسميتها "الربيع العربي" فان الجزائر قد فضلت طريق الحوار و التشاور معتبرة -بنوع من الحكمة أثبتتها الوقائع اليوم -أن منطق المناورة و المواجهة لا يؤديان إلا للفوضى.