لا يزال البحر الأبيض المتوسط يحصد أرواح العشرات من المهاجرين غير الشرعيين يوميا في واحدة من أكبر الكوارث الإنسانية الراهنة وسط قلق دولي كبير ودعوات أوروبية للتحرك الفوري من أجل وضع حد للكارثة. فقد لقي 24 مهاجرا غير شرعي مصرعهم اليوم الأحد اثر انقلاب القارب الذي كان يقلهم قبالة السواحل الليبية بينما لا يزال حوالي 700 آخرين في عداد المفقودين حسب تقرير للمفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة. ووقع الحادث في جنوب جزيرة لامبيدوزا الإيطالية الوجهة الرئيسية للمهاجرين غير الشرعيين وقد تمكنت القوات المالطية من انقاذ 28 شخصا بينما أطلقت عملية بحرية واسعة للبحث عن ناجين محتملين. ويحاول آلاف الأشخاص الوصول إلى أوروبا كل شهر انطلاقا من السواحل الليبية مستغلين حالة الانفلات الأمني الذي تعيشه البلاد ويشكل سكان الدول الافريقية والشرق أوسطية الغالبية الساحقة من المهاجرين وخاصة الدول التي تشهد حروبا واضطرابات أمنية. عمليات تهريب البشر تبلغ ذروتها خلال شهر أبريل الجاري كشفت المنظمة الدولية للهجرة مؤخرا عن عودة عمليات تهريب المهاجرين غير الشرعيين بقوة بداية شهر أبريل الجاري مع تسجيل وصول أزيد من 8 آلاف مهاجر للأراضي الإيطالية قادمين أساسا من ليبيا. وتشير آخر إحصائيات للمنظمة صادرة الأربعاء الماضي إلى انقاذ 5600 مهاجر غير شرعي من قبل السلطات الإيطالية خلال الفترة الممتدة ما بين ال10 و14 من هذا الشهر مما يرفع العدد الإجمالي للمهاجرين الذين وصلوا إلى إيطاليا منذ بداية العام 2015 إلى 18 ألف مهاجر. ووفقا للمنظمة فإن 480 مهاجر على الأقل فارقوا الحياة في عرض البحر المتوسط خلال الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام من بينهم عدد كبير من الأطفال. ومن جهتها أعلنت قوات خفر السواحل الإيطالية أول أمس الجمعة عن وصول 11 ألف مهاجر غير شرعي إلى إيطاليا خلال الأيام الستة الأخيرة بينما تم انتشال جثث 10 مهاجرين خلال نفس الفترة. وبالمقابل تشير تقارير الاتحاد الأوروبي إلى العثور على أكثر من 7 آلاف مهاجر غير شرعي في البحر الأبيض المتوسط منذ يوم الجمعة الماضية فقط و أن نحو 3500 مهاجر غير شرعي لايزالوا على متن سفن الانقاذ في طريقهم لإيطاليا. وتتصاعد عمليات وصول المهاجرين غير الشرعيين الذين أرغمتهم الأزمات الانسانية والأمنية التي تتخبط فيها بلدانهم الى بلوغ السواحل الإيطالية قادمين أساسا من ليبيا مستغلين الانفلات الأمني الذي تعيشه البلاد. وترجع السلطات الإيطالية أسباب ارتفاع وتيرة الهجرة خلال شهر أبريل الجاري إلى تحسن الطقس في هذا الجزء من حوض المتوسط. استنفار أوروبي لمواجهة الأزمة ودعوات لتوفير الحماية للمهاجرين دفعت العودة المكثفة مؤخرا ل"قوارب الموت" إلى الواجهة الدول الأوروبية إلى إعادة بعث الحديث حول ضرورة إيجاد السبل الكفيلة بوضع حد لهذه المشكلة وكيفية توفيرالحماية للمهاجرين في ظل تنامي عصابات الاتجار بالبشر. فقد دعت الممثلة العليا للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي فدريكا موغيريني اليوم الحكومات الأوروبية إلى دعم العمل لحماية المهاجرين غير الشرعيين في البحر الأبيض المتوسط مشددة على ضرورة إنقاذ جميع المتضررين وحماية حدود الاتحاد ومحاربة الاتجار بالبشر. ومع تسارع وتيرة الهجرة غير الشرعية منذ مطلع العام الجاري دعا الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند اليوم إلى عقد اجتماع أوروبي طارئ على مستوى وزراء الخارجية والداخلية لبحث مشكلة الهجرة عبر المتوسط واصفا مهربي البشر ب"الإرهابيين". وشدد هولاند على ضرورة زيادة عدد المراكب المخصصة لعملية "تريتون" الأوروبية لمراقبة الهجرة غير الشرعية في البحر المتوسط. وبدورها طالبت برلين بإعادة بعث مهمة إنقاذ المهاجرين غير الشرعيين من الغرق المعروفة بمهمة "ماري نوستروم" ب"شكل جديد واعتبرت مسؤولة شؤون الاندماج في الحكومة الألمانية أيدن أزوجوز أنه لا يصح الاكتفاء بالمشاهدة بينما يغرق الناس في البحر المتوسط ومن ثم "علينا أن نعيد الحياة بسرعة إلى المهمة". وكانت وكالة حماية الحدود الأوروبية "فرونتكس" أطلقت خطة "تريتون" للتصدي للمهاجرين غير الشرعيين في خريف 2014 لتحل محل برنامج الإنقاذ الإيطالي "ماري نوستروم" ولم تكن "تريتون" فقط أقل قدرة مالية من سابقتها ولكنها أيضا لم تراقب إلا منطقة محدودة من مياه البحر المتوسط. حل مشكلة الهجرة غير الشرعية مسؤولية الاتحاد الأوروبي واعتبر رئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولتز أن قضيتي الهجرة واللاجئين في منطقة البحر المتوسط لا ترتبطان بدول بعينها وعلى الاتحاد الأوروبي معالجتهما. وجاء ذلك في الوقت الذي تؤكد فيه بعض الدول الأوروبية وعلى رأسها إيطاليا أن تجفيف منابع هذه الظاهرة مرهون بعودة الاستقرار في ليبيا. وترى السلطات الإيطالية أن وضع حد لمشلكة الهجرة غير الشرعية المستفحلة مرتبط بالأساس بعودة الاستقرار إلى الأراضي الليبية باعتبارها مركز انطلاق ل"قوارب الموت" باتجاه الدول الأوروبية في الضفة المقابلة من المتوسط و كذا تنمية المناطق الفقيرة بلدان الساحل و مساعدة دول الجوار على مراقبة حدودها. وأكد وزير خارجيتها باولو جينتيلوني أن حل مشكلة المهاجرين غير الشرعيين مرهون باستقرار الأوضاع في ليبيا, معتبرا أن "إنفاق 3 ملايين دولار شهريا حول هذا الشأن لحالة الطوارئ التي يتحملها الاتحاد الأوروبي غير كاف ويتطلب زيادة مقبولة لتخفيف حدة المخاطر". وقصد بحث سبل حل هذه المشكلة تقرر عقد الندوة الأورو-إفريقية الثامنة حول الهجرة غير الشرعية في الفترة ما بين 21 و 23 أبريل الجاري بلاس بالماس في جزر الكناري بمشاركة ممثلين عن 51 بلدا حيث ستتطرق لمختلف الجوانب المتعلقة بالهجرة غير الشرعية خاصة ما يتعلق بإنقاذ الأرواح البشرية وكذا تدابير إدارة الحدود.