عرفت أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة التي أدركت يومها الثاني اليوم الثلاثاء شبه إجماع بين زعماء الدول على المنصة الأممية حول ضرورة حل الأزمة السورية سلميا في أقرب الآجال ووضع حد للدمار الذي لحق بالبلاد وفتح الطريق أمام تحالف دولي "حقيقي" من شأنه أن ينهي إرهاب ما يسمى ب"الدولة الإسلامية" (داعش). فقد أكد الأمين العام للأمم المتحدة، بان كيمون، خلال كلمته الافتتاحية لأشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها ال70 أن مسؤولية إنهاء الصراع في سوريا "تقع بالأساس على الفرقاء السوريين"، داعيا كافة الأطراف ومجلس الأمن الدولي لاضطلاع بدورهم في حل هذه الأزمة. وفي هذا الصدد استعرض كل من الرئيس الأمريكي باراك أوباما والروسي فلاديمير بوتين والفرنسي فرانسوا هولاند خلال كلمتهم سياسة بلداهم تجاه هذه الأزمة التي تنصب في مجملها في اتجاه واحد ولو اختلفت الأراء و المصطلحات بخصوص مصير الرئيس السوري بشار الأسد. والمتتبع للملف السوري من شأنه أن يلاحظ التغيير الطارئ مؤخرا على الموقف الغربي تجاه الأزمة السورية والذي بات "أكثر ليونة" وينبئ ببوادر لحلحلتها بعد خمس سنوات من الصراع الدامي الذي حصد أرواح أكثر من 240 ألف سوري وخلفت أكبر أزمة نزوح في العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. بوتين والموقف الروسي الداعم للشرعية في سوريا كلمة الرئيس الروسي أمس الاثنين أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة لم تشكل مفاجأة كونه جدد من خلالها الموقف الثابت لبلاده الداعم للسلطة الشرعية في سوريا، المستبعد لأي حل عسكري للأزمة، والرافض لأي تحالف دولي لمواجهة (داعش) دون إشراك النظام والجيش السوري. وحذر بوتين في خطابه أمام الجمعية العامة من أن تسليح الارهابيين في الشرق الأوسط وإفريقيا قد يؤدي إلى انتشارهم في مناطق أخرى من العالم، مؤكدا أن "لا أحد يقاتل تنظيم داعش الارهابي في سوريا بشكل حقيقي من غير الحكومة السورية وقوات حماية الشعب الكردية"، معتبرا في هذا الصدد، أن ما تسمى ب"المعارضة السورية المعتدلة" توجد بجانب تنظيم داعش الذي يهدد العالم بشكل مباشر. وعشية خطابه أمام زعماء العالم انتقد بوتين السياسة الأمريكية في سوريا واعتبر أن الدعم الذي تقدمه واشنطن لبعض المتمردين الذي يحاربون الحكومة السورية "غير شرعي". وبخصوص بقاء الرئيس بشار الأسد في الحكم جدد بوتين التأكيد على أن الشعب السوري وحده من يحدد مصيره. وفي هذا الشأن ووفقا لمصادر دبلوماسية أمريكية فإن الرئيسين أوباما وبوتن قد اختلفا - خلال لقاء لهما على هامش الجمعية العامة الأممية أمس الإثنين - حول الدور الذي يمكن أن يلعبه الأسد في تسوية الصراع السوري، ففي الوقت الذي يرى الجانب الروسي في الأسد "حصنا منيعا ضد المتطرفين" يعتقد الأمريكيون أنه "لا يزال يعمل على إشعال الصراع في البلاد". وبالرغم من الاختلافات حول الأسد أكد الرئيس الأمريكي خلال كلمته في الأممالمتحدة "إستعداد بلاده للعمل مع روسيا وإيران من أجل إيجاد حل للأزمة السورية ومكافحة الإرهاب بالمنطقة". أوباما وبوتين وأولوية مكافحة الإرهاب ورغم الاختلافات الملموسة في مواقف الزعيمين الروسي والأمريكي بخصوص حلحلة الأزمة السورية المستفحلة التي اتخذت بعدا أكثر شمولية إلا أن هناك إجماع بينهما على ضرورة مكافحة الإرهاب والقضاء على مسلحي تنظيم داعش الإرهابي الذي بات يهدد أمن واستقرار العالم. فقد دعا أوباما الدول الأعضاء في الأممالمتحدة إلى تعزيز التعاون والتنسيق لمواجهة تحديات العصر، وأبرزها الإرهاب والتطرف، وشدد على أهمية احترام القوانين والمبادئ الدولية باعتبارها الوسيلة الوحيدة لضمان سلامة وازدهار شعوب العالم، مؤكدا استعداد بلاده للعمل مع أي دولة لايجاد حل للصراع في سوريا. ووفقا للخارجية الروسية، فإن الرئيسين بوتين وأوباما أكدا في لقائهما على أن المهمة الرئيسية في المرحلة الراهنة هي منع الإرهابيين من تدمير الشرق الأوسط وإرساء أسس محاربته بالتوازي مع تنفيذ الإصلاحات السياسية. واتفقا الرئيسان على ضرورة الانتصار على تنظيم داعش المتطرف، ومنعه من تنظيم الدولة التي يخطط لإقامتها على مساحة شاسعة. وتعتبر القضية السورية من الخلافات الأساسية بين القوى العالمية العظمى وخاصة بين روسياوالولاياتالمتحدة حيث تعتبر الأخيرة أن لا مكان للرئيس بشار الأسد في مستقبل سوريا فيما ترفض موسكو ذلك مؤكدة أن الشعب السوري وحده من يملك الحق في تقرير مصير الأسد. كما تضع روسيا محاربة داعس في سوريا في مقدمة الأولويات التي يجب التعاطي معها، وتدعو لتوحيد الجهود الدولية في محاربته، وذلك بالتنسيق بين كافة القوى المعنية، إلا أن الولاياتالمتحدة ترفض التعامل مع "سوريا الرسمية"، جيشا وحكومة ورئيسا. وقد دفعت المبادرات الروسية المتكررة واشنطن لاطلاق مبادرة دبلوماسية جديدة لمحاولة وضع حد للحرب وتفضيل الحوار مع موسكو بعد أشهر من برودة العلاقات بينهما. يذكر أنه من المقرر أن يجتمع اليوم على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة وزراء خارجية الدول العظمى الخمس مع المبعوث الأممي إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا، لبحث الأزمة السورية. وللإشارة فإن أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة ستتواصل إلى غاية يوم السبت الثالث من أكتوبر المقبل.