دخلت الأزمة السورية اليوم الخميس منعرجا هاما في مسارها بعد دخول روسيا على خط الواجهة في مكافحة الإرهاب بالبلاد، ما من شأنه أن يغير العديد من المعطيات ويدفع نحو مسار سياسي جاد يضع حدا للحرب الدائرة في البلاد منذ أكثر من أربع سنوات. فبعد الحصول على تفويض من مجلس الاتحاد الروسي (الدوما) باستخدام القوات المسلحة الروسية في سوريا، بناء على طلب من الرئيس السوري بشار الأسد، شرع الطيران الروسي في شن "غارات دقيقة" ضد إرهابيي "داعش" في سوريا تمكن خلالها من تدمير العديد من الأهداف. ولأسباب تقنية تتعلق بطبيعة المهمة، تم إعطاء الأولوية لسلاح الجو و للطائرات الهجومية تحديدا على غرار طائرات سوخوي، وخاصة الطائرة (سوخوي-25) وكذلك القاذفات بالإضافة إلى طائرات الاستطلاع لتحديد المواقع و المروحيات الهجومية. وبهذا الخصوص، أوضح رئيس لجنة الدفاع في مجلس الدوما الروسي، الأميرال فلاديمير كوموييدوف، أن "المروحيات بصفة خاصة قادرة على ضرب أهداف تنظيم (داعش) الإرهابي الذي لا يمتلك قدرات دفاع جوي باستثناء نظام ستينغر المحمول، وإذا استخدمت الطائرات بشكل صحيح ستكون وسيلة فعالة للتدمير خاصة في الأراضي الجبلية". وتفاديا لأي تصادمات بين التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن في سوريا منذ أشهر لمكافحة الإرهاب وبين سلاح الجو الروسي المتواجد في نفس الفضاء و لنفس الغرض تم الإتفاق بين الجانبين على أوقات و فضاءات النشاط الجوي الحربي. و أكد وزير الخارجية الروسي، سرغي لافروف، أن الرئيسين بوتين وأوباما اتفقا على أن يقوم العسكريون بتنسيق المواقف فيما بينهم حتى يتم تلافى أي صدامات في الفضاء العسكري، مؤكدا أنه ليس هناك من حوادث مسبقة النية للتصادم مع طيران التحالف الدولي. موسكو تؤكد نجاعة ضرباتها الجوية وواشنطن تشكك في نواياها وبناء على هذه الترتيبات، تمكن سلاح الجو الروسي من تدمير أهداف ومراكز قيادة تابعة لتنظيم "داعش" الإرهابي و ذلك خلال 20 طلعة جوية في سوريا قام بها أمس الأربعاء "دون أن يستهدف المدنيين"، حسب تأكيدات المتحدث الرسمي باسم وزارة الدفاع الروسية، إيغور كوناشينكوف، الذي أوضح أن "كافة الضربات وجهت بعد إجراء استطلاع جوي والتأكد من البيانات التي وردت من هيئة الأركان السورية". ودعمت وزارة الدفاع الروسية تصريحاتها بمقاطع مصورة للغارات الجوية على مقار القيادة والتحكم التابعة ل "داعش" في سوريا توضح كيف تم النجاح في تدمير مخازن ذخيرة وأسلحة ومجمعات للعتاد وكيف أن مراكز قيادة لمسلحي "داعش" في الجبال "دمرت بشكل كامل". ولقيت هذه الفعالية الروسية، ترحيب دمشق التي أكدت على لسان وزير خارجيتها، وليد المعلم، عن ثقة بلاده الكاملة بموقف روسيا والرئيس فلاديمير بوتين في مكافحة الإرهاب، مضيفا "أن دمشق لا تثق بالموقف الأمريكي والتحالف الذي دعت إليه واشنطن لمحاربة "داعش"، هذا التحالف -يضيف المعلم - الذي "قام بأكثر من تسعة آلاف غارة جوية في العراقوسوريا بدون جدوى". ولدعم التدخل الميداني الروسي في سوريا، أنشأت موسكو مركزا استخباراتيا في بغداد لتبادل المعلومات بين العراقوروسيا وإيران وسوريا بشأن التنظيم الإرهابي "داعش" يضم ممثلين عن هيئات الأركان في جيوش الدول الأربع. وقد أثار هذا الإجراء حفيظة واشنطن، حيث طالب مسؤولون عسكريون أميركيون إلى أخذ الحيطة والتأكد من أن المعلومات الاستخباراتية التي يتم مشاركتها مع العراقيين لن تقع في أيدي الروس أو الإيرانيين الحليفين الرئيسيين لبشار الأسد الذي عملت واشنطن في الفترة الماضية على إقصائه من الحكم دون جدوى. إلى ذلك، وجهت واشنطن إتهامات إلى موسكو مفادها أن الضربات الجوية التي تفذتها روسيا في سوريا "لم تستهدف تنظيم "داعش" معتبرة أن "روسيا تحاول توفير الدعم للرئيس السوري بشار الاسد"، حسب وزير الدفاع الأمريكي أشتون كارتر. إلا أن وزير الخارجية الروسي سرغي لافروف حث إلى "عدم الاستماع" لتصريحات وزارة الدفاع الأميركية، مؤكدا أن الطيران الحربي الروسي" لا يستهدف سوى تنظيم داعش الإرهابي وغيره من التنظيمات الارهابية في سوريا". كما أوضح أنه "إذا لم نقم بهذا الأمر الآن فإن ذلك سيؤدي إلى زيادة تدفق المقاتلين إلى سوريا". مواصلة تنسيق الجهود لبعث الحل السياسي وحول جهود الحل السياسي لهذه الأزمة أكد لافروف أن "هناك تغيرا في المواقف الأمريكية بشأن رحيل الرئيس الأسد، معتبرا أن خروجه من الساحة السياسية في هذه الظروف "أمر غير واقعي". و قال لافروف أيضا أنه على جميع الأطراف السورية أن يجلسوا الى طاولة الحوار دون استثناء ليتفقوا على الاساس المستقبلي لحياتهم، مبينا أن "بعض الاطراف تطرح شروطا اضافية لحل الازمة بضغط خارجي". وعقب لقاء جمعه مع نظيره الأمريكي جون كيري، قال لافروف أنه تم الإتفاق على عقد مباحثات ،"ربما بداية من يوم غد" الجمعة، لنزع فتيل الأزمة، مشيرا إلى أن تم خلال اللقاء الإتفاق على "بعض الخطوات بالاشتراك مع الدول الأخرى بما فيها أعضاء الأممالمتحدة وعملنا سيكون موجها لتوفير الظروف وصياغة خطة عمل تدعم العملية السياسية في سوريا". من جانبه قال كيري أنه تم الاتفاق على جدول الأعمال في الفترة القادمة حيث سيتم إقامة قنوات اتصال بين وزارتي دفاع البلدين.