يبدو أن حمى التنقيب عن الذهب التي أصابت المئات من الشباب الموريتاني الذين شدوا الرحال منذ أسابيع إلى شمال البلاد, قد خفت وطئتها بعد عودة العديد منهم بخفي حنين, وما ولده من حالات التذمر والاستياء لكثير من الذين كلفتهم هذه المغامرة خسائر مادية كبيرة. فالإقبال الكبير الذي عرفته الإدارات المعنية بعملية الترخيص والجمركة و محلات بيع أجهزة التنقيب في الأسابيع القليلة الماضية شهد تراجعا ملحوظا صحبه هبوطا حادا لأسعار تلك الأجهزة في اليومين الأخيرين مما أدى ببعض العائدين من شمال البلاد إلى عرض أجهزتهم للبيع بنصف أسعارها الأصلية للمساهمة في التخفيف من خسائرهم التي بلغت ملايين الأوقية. وان ارجع عديد من المراقبين والمتتبعين لهذا النشاط الجديد في موريتانيا هبوط الأسعار إلى زيادة العرض مع انخفاض شديد في الطلب بسبب وصول أعداد هائلة من أجهزة التنقيب من دول مختلفة فان آخرين اجمعوا على أن الأمر يعود لعودة عشرات المنقبين من منطقة التنقيب صفر الأيدي بعد أسابيع من العمل الشاق تحت شمس صحراء إنشيري الحارقة وحديثهم عن خلو المنطقة من أي علامة للذهب. "أنا هنا منذ عدة أيام يقول الشاب مولاي ل"صحراء ميديا" اشتريت جهازا للتنقيب ولدي رخصته ومخالصة الجمارك حتى الآن يبدو الأمر أشبه بمطاردة السراب لم أحصل على أي شيء". وأضاف الشاب القادم من مدينة كيفة " كل يوم يتبخر لدينا الأمل بالحصول على كميات من الذهب كل ما شهدته هنا هو قطع صغيرة نطلق عليها اسم "الذبابة" نظرا لصغر حجمها المحظوظ هو من يتمكن من الحصول على ثلاث منها أو أربع يوميا". خيبة أمل وإحباط والسلطات تعزز إجراءاتها الأمنية في مناطق التنقيب وأفادت وسائل الإعلام المحلية إن منطقة التنقيب عن الذهب بصحراء تازيازت تعيش وضعية كارثية بفعل انهيار معنويات المنقبين خلال الفترة الأخيرة مشيرة إلى أن الآلاف أنفقوا ملايين الأوقية دون جدوى بينما لاتزال الكميات المكتشفة محدودة ولبضعة أفراد فقط. وفي هذا الصدد قال الناشط الحقوقي محمد فال ولد القاضي "إن المنقبين في صحراء (تازيازت) تركوا للإهمال الصحي والأمني وإن الوضعية قلقلة بفعل تواجد آلاف الأشخاص في صحراء قاحلة وغياب أي نقاط للماء أو متاجر أو نقطة صحية يمكن اللجوء إليها وقت الحاجة". وقد تصاعدت وتيرة الغضب بين المنقبين وارتفعت الدعاوى مطالبة بدخول "تازيازت" التي تشهد توترا أمنيا حيث يهم عدد من المنقبين باقتحام مناطق غنية بالذهب تقول االسلطات إنها مرخصة لجهات أجنبية ولا بد من حمايتها. وأفادت مصادر إعلامية أن السلطات الأمنية الموريتانية قد عززت قواتها المتواجدة في مناطق التنقيب عن الذهب بعد تداول أخبار عن دخول رجال الدرك في شجار مع المنقبين الذين يحاولون تجاوز حدود المنطقة المخصصة للتنقيب الفردي إلى منطقة الذهب الصناعي. وأضافت نفس المصادر أن عشرات السيارات رباعية الدفع تحاول تجاوز حدود المنطقة المخصصة للتنقيب الفردي وأصبحوا على بعد كيلومترات فقط من حدود المنطقة لمخصصة لشركة تازيازت بعد تأكدهم من خلو مناطق البحث الفردي من المعدن النفيس (مناطق الدواس وأحميم وفصك وتجيريت ونقطة ساخنة). ورغم فتور حمى التنقيب عن الذهب في موريتانيا وتزامنها مع مواعيد سياسية هامة عرفها المشهد السياسي في موريتانيا مؤخرا إلا أنها لازالت تشغل الرأي العام في البلاد واستحوذت على اهتمام وسائل الإعلام المحلية وشكلت مادة لابرز المواضيع والتدوينات عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وتحت عنوان "الكارثة الصفراء " لخص احد المدونين ما حدث في الأسابيع الماضية بالقول " السماء أمطرت ذهبا على خزينة الدولة وعلى شركات أجهزة التنقيب وعلى ممثليها وسماسرتها في موريتانيا وذلك في الوقت الذي تعرض فيه آلاف المواطنين لخسائر فادحة بسبب التنقيب عن الذهب".