أطلقت المرحلة الثانية من المخطط الدائم لحفظ واستصلاح القطاع المحفوظ لحي الأعشاش العتيق الذي يتوسط مدينة الوادي، باعتباره قطاعا محفوظا ومصنفا ضمن التراث الوطني، حسب مرسوم تنفيذي مؤرخ في 28 مارس 2011، مما يستلزم وضع هذا المخطط حيز التنفيذي، حسبما أفادت مصالح مديرية الثقافة بالولاية. ويأتي تنفيذ هذه العملية التي أطلقت في الآونة الأخيرة بعد إعطاء تأشيرة المرحلة الأولى التي تعتمد على إحصاء المرافق العمرانية لهذا الحي العتيق الذي يتربع على مساحة قوامها أزيد من 29 هكتار . ومن شأن تجسيد هذا المخطط في مرحلته الثانية والذي يهدف إلى حماية وإعادة الإعتبار للتراث الثقافي المادي (مدن عريقة وقصور قديمة وقصبات وفضاءات عمرانية تقليدية)، أن يساهم في المحافظة على استدامة هذا الفضاء العمراني العريق، بما يساعد على أن يكون عاملا في مسار جهود تفعيل الحركية السياحية، ومن خلالها الحركية الإقتصادية ليكون رافدا جديدا ضمن المؤهلات السياحية للمنطقة، كما ذكرت ذات المصالح . وذكر السيد محمد الصالح بن علي المختص في التراث بمنطقة سوف، أن حي الأعشاش العتيق يعتبر "النواة الأولى" و أول تجمع سكاني بمدينة الوادي، مشيرا أنه بعد بروز الملامح العمرانية لهذا الحي العتيق نهاية القرن ال 16 م ظهرت في فترات زمنية متعاقبة ملامح باقي الأحياء الشعبية الأخرى التي شكلت فسيفساء التجمعات السكانية لمدينة الألف قبة . ويعتبر هذا الفضاء العمراني العريق نموذجا حيا للعمارة التقليدية الأولى بمنطقة سوف ي والتي تعتمد في تشييدها على مواد بناء محلية، أهمها الجبس المعد في أفران تقليدية، بالإضافة إلى الحجارة من نوع "اللوس" وهو نوع من الحجارة الصلبة تقاوم الماء والرطوبة تستخرج من طبقات الأرض بالمنطقة. وإلى جانب مقاومة مواد البناء المحلية لتضاريس الطبيعة ومتغيرات المناخ بهذه المنطقة الصحراوية، فإنه تم مراعاة الخصوصيات الطبيعة للمنطقة في تصاميم الهندسة المعمارية للحي التي تعتمد على القباب والجدران القصيرة والأزقة الضيقة . وقد أصبحت عديد المرافق العمرانية المختلفة التي يتوفر عليها ذات الحي نظرا لنمطها العمراني المميز وتصاميمها الهندسية الخاصة الذي تعبر عن البعد التاريخي للمنطقة ذات طابع سياحي بامتيازي وغدت قبلة للسياح الذين يقصدونها للتمتع بخصوصيات العمارة التقليدية لمنطقة سوفي سيما منها منارة مسجد سيدي سالم التي تطل على باقي الأحياء السكنية لوسط المدينة . كما يعتبر السوق المركزي الذي يعد القلب النابض لأي حركية تجارية المتواجد في قلب حي الأعشاش أول فضاء تجاري أنشئ بمنطقة سوفي حيث روعي في تصميمه مجاورته للتجمعات السكانية للحي العتيق. ويضمن هذا الفضاء التجاري العتيق التسوق للسكان مترجما طبيعة الأنشطة التجارية والموارد الإقتصادية والمالية للمنطقة، حيث أصبح فضاءا خصبا لأنشطة تجارية متعددة. ويضم أيضا أجنحة لعرض وبيع مختلف المنتجات الحرفية والصناعات التقليدية، لأصبح بالنظر لتوفره على خصوصيات منطقة سوف وجهة مفضلة للسياح الأجانب. و يعتبر حي الاعشاش بالوادي منارة للإشعاع الروحي ومقصدا لتلقين مختلف العلوم الشرعية، مما جعل الكثير يقصدونه للتغذي الروحي و كذا طلب العلم. وعرفت مراحل تشييد حي الأعشاش العتيق وبالإضافة إلى بناء بيوت تقليدية، إنشاء مرافق دينية أيضا لتلبية متطلبات سكانه، والتي أصبحت منارة "حقيقية" للإشعاع الروحي والصوفي، فهو يضم أبرز مراكز زوايا الطرق الصوفية (القادرية والرحمانية و التيجانية)، والتي كانت ولازالت مراكز للإشعاع الصوفي التي ظلت ومنذ نشأة الحي منابر لتدريس مختلف العلوم الشرعية وتلقين مباديء اللغة العربية وغيرها من العلوم الأخرى.