تقع مدينة الوادي إلى الجنوب الشرقي من الجزائر العاصمة، وهي قريبة من العرق الشرقي الذي يمتد على مئات الكيلومترات عبر الصحراء وتحيط بها كثبان رملية ضخمة الحجم تتجاوز السبعين مترا في بعض الأمكنة، جوها ذو طابع صحراوي بحيث تصل درجة الحرارة في الصيف إلى أكثر من 45 درجة مئوية، وفي الشتاء فالجو يبقى لطيفا في النهار وباردا في الليل، مما يشجع تنظيم رحلات سياحية واستكشافية إلى كل المناطق المحيطة بالمدينة، ما يفسح المجال للسياح الجزائريين وخاصة الأجانب منهم للتمتع بمعالم المدينة وضواحيها. تشتهر مدينة وادي سوف بمعالمها وتراثها العربي الإسلامي، وقد عرفت بمدينة ألف قبة وقبة، كما زارها العديد من الكتاب والمؤرخين والخبراء في العمارة والتراث للاطلاع على خصوصيتها العمرانية. وفي ذات الصدد يقول ولد عيسى عبد الرحمان أستاذ التاريخ والجغرافيا متقاعد جمعوي ناشط في لقاء خص به »صوت الأحرار« أن المدينة ألهمت العديد من الشعراء والكتاب والعلماء والمتصوفين الذين قدموا إليها من أرجاء الجزائر وخارجها، فأصبحت مدينة الوادي العريقة مقصد الطريقة الصوفية منذ عدة قرون فسكانها يشتغلون في التجارة والفلاحة خاصة وأن ولاية واد سوف أكبر منتج للتمور في الجزائر وبالتحديد في جنوبها الشرقي واشتهرت أيضا بطريقة فريدة من نوعها في العالم باستغلال النخيل بحيث شيدت غيطان »إزالة الرمال من مناطق واسعة وزراعة النخيل والأشجار فيها« لتحمي الأشجار المثمرة من الزوابع الرملية وتجعل عروق الأشجار تتغذى مباشرة من طبقات المياه الجوفية، وهذه الطريقة الوحيدة في الصحراء أدهشت العديد من الزوار والمختصين في مجال زراعة النخيل على مدى الأزمنة. حي الأعشاش يروي تاريخ المدينة وحاضرها وفي حديثه عن المدينة القديمة والأسواق الحديثة والشعبية وكذلك الصناعات التقليدية، اعتبر الأستاذ حي الأعشاش مركز مدينة الوادي وأقدمها، وقد أسس في نهاية القرن السادس عشر بعد حروب قامت بين طرود وقبائل زناتة انتصر فيها الطرود ليقيموا بعد ذلك مساكن لهم كما حفروا الغيطان بالقرب منهم مثل غوط السردوك، غوط امهيريس، غوط القروي، وأقيم السوق في المكان الحالي. ويبقى حي الأعشاش من أكبر التجمعات السكانية وأقدمها، كما توجد عدة أسواق شعبية فيها لما يحتاج إليه المواطن والزائر، من ألبسة ومأكولات غذائية وتتميز هذه الأسواق بطابعها المعماري التقليدي من ناحية الأورقة والمحلات بأشكالها الصغيرة فكل صباح تكتظ هذه الأسواق بالمواطنين والسياح، حتى فترة صلاة الظهر ويزورها كذلك المواطنون العابرون إلى الشمال والقادمون من البلديات والقرى المجاورة للمدينة، كما أن هاته الأسواق تشكل احتكاك كبير وواسع لدى سكان المنطقة الحدودية مع تونس فيها تباع وتشترى كل المنتوجات الجنوبية من الخضروات والفواكه وخاصة التمور لجودتها. كما تتميز المنطقة بتقاليدها في الصناعات التقليدية وهي تحاول الاحتفاظ بها لحد الآن وتختص بفن إنتاج الزرابي من حيث طبيعة اللون والملابس الصوفية »كالبرنوس والعباءات وغيرها«، كما أن صناعة الفخار أصبحت تسترجع مجدها في المدينة على الرغم من اندثارها خلال السنوات الماضية، مع العلم أن مدينة الوادي تشتهر بصناعة الجبس وزخرفته التي تستعمل كثيرا في تزيين البيوت والمساجد، وهذه الحرفة ذات طابع عربي إسلامي. تتناقل من جيل إلى آخر منذ قرون عدة، وتشتمل على الإشارات والرموز والرسوم من المساجد العتيقة لتطويرها وإدماجها في المساكن من أجل المحافظة عليها. للنساء نصيب من الصناعات التقليدية كما أن للنساء نصيبا في الصناعات التقليدية خاصة اللباس التقليدي النسوي بكل أشكالها وهو يلقى رواجا كبيرا خلال فترة الأعراس في الصيف والخريف، ونظرا إلى جمال الوادي الذي يستهوي شخصيات من كل أقطار العالم للاطلاع على سحر وجمال وحسن ضيافة أهلها وأشكال بنيانها وطرازها الهندسي المتميز، فإن مدينة الوادي لا تغري السياح فقط فحتى السينمائيين والفنانين والعلماء بشكل كبير كذلك لحد الآن فهي بمثابة صورة حية حول الحياة الصحراوية في ألوانها وجمالها وطبيعتها الخلابة ومأكولاتها الشهية وكرامة سكانها الذين أصبحوا غيورين على مدينتهم وجمالها العمراني، ولذلك استطاعوا ربط الحاضر بالماضي والحياة البدوية المتمدنة والعصرية وهي تمد يد الكرم دائما وحسن الضيافة إلى كل من زارها أمانا بحثا عن الجمال والحضارة الصحراوية. كما تشتهر مدينة الوادي بعلمائها الأجلاء في عدة تخصصات، وخاصة في الفقه والحديث والسنة كما أنها تحتضن عدة زوايا مختصة في حفظ القرآن الكريم والبحث العلمي منها زاوية سيدي سالم الموجودة بقلب المدينة والتي يرجع تأسيسها إلى قرون عدة وهي مرتبطة بالزاوية الرحمانية الموجود مقرها بالشمال الجزائري، كما ن الزاوية القادرية وهي أعرق الطرق الصوفية في الصحراء لها امتدادها التاريخي والديني والعلمي بوادي سوف، ولازالت تحيي الحفلات الدينية كالمولد النبوي الشريف ويقام من خلال نشاطاته أيام دراسية حول التصوف والعلماء الطرقيين الذين عرفتهم المدنية. ويعتبر المتحف البلدي ذاكرة وادي سوف ويعود تاريخ إنشائه إلى الحقبة الاستعمارية ويحتوي على أجنحة تشمل الصناعات التقليدية والفنون الشعبية، والحيوانات والنباتات الصحراوية والملابس والزرابي وعدد كبير من الأواني المستعملة حتى الآن عند البدو الرحل والمواطنين الذين يقطنون مدينة الوادي وإن متحف الوادي هو شبه نافذة على تاريخ وادي سوف وحضارته، أما متحفها الصحراوي الذي يجذب الزوار في فصل الشتاء فيعد من أصغر المتاحف في العالم، كما توجد عدة معالم أثرية وتاريخية منها زاوية سيدي سالم ومنارتها الفريدة في شكلها المعماري الذي سحر المختصين في فن العمارة كالفرنسي جاك بويو، ومن المعالم التاريخية الأخرى والتي تعود إلى الحقبة الاستعمارية »الترانزات« ومحطة القطار التي تتميز بطابعها العربي الإسلامي. أما بخصوص المنشآت السياحية والخدماتية فإن مدينة الوادي بها عدد من الفنادق السياحية التي تستجيب لطلب الزوار بدءا من الفنادق الصغيرة المصنفة إلى الفنادق الفاخرة وتحتوى هاته الفنادق على المرافق التي يحتاج إليها الزائر من غرف مكيفة ومطاعم مختصة إلى المطابخ وأماكن التسلية، فالزائر يجد في المدينة كل ما تحتاج إليه الحياة الصحراوية، كما أن الوكالات السياحية المحلية تنظم رحلات سياحية إلى عدة أماكن أثرية وتاريخية وطبيعية توجد على مشارف المدينة، ولاشك أن الزائر يجد نفسه في مدينة صحراوية تتوفر فيها كل المرافق الحياتية اليومية التي يحتاج إليها، وهذا هو سر جمال هذه المدينة العريقة بتاريخها وحضارتها وكرم سكانها.