تضمن التعديل الدستوري الذي وقع رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، بشأنه المرسوم الرئاسي، عدة محاور ترمي الى تكريس مبدأ الدولة الحديثة وبناء الجزائر الجديدة التي يطمح إليها الشعب الجزائري. وقد وقع رئيس الجمهورية المرسوم الرئاسي الخاص بتعديل الدستور الذي كان محل استفتاء شعبي يوم 1 نوفمبر 2020 ليكون القانون الاول في البلاد لبنة أساسية لبناء جزائر جديدة تناسب وتتسع للجميع ولا تقصي أحدا. وشمل التعديل محاور أساسية تمثلت في الحقوق الاساسية والحريات العامة، تعزيز الفصل بين السلطات وتوازنها، المحكمة الدستورية، الوقاية من الفساد ومكافحته وكذا السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات. ومن بين ما تضمنه الدستور المعدل فيما يخص محور الحقوق الاساسية والحريات العامة، إلزام السلطات والهيئات العمومية باحترام الأحكام الدستورية ذات الصلة بالحقوق الأساسية والحريات العامة والنص على "عدم تقييد الحقوق الاساسية والحريات العامة إلا بموجب قانون ولأسباب مرتبطة بحفظ النظام العام أو حماية حقوق وحريات أخرى يكرسها الدستور". وفي مجال تعزيز الفصل بين السلطات وتوازنها، يكرس الدستور الجديد مبدأ عدم ممارسة أكثر من عهدتين رئاسيتين متتاليتين أو منفصلتين وتعزيز مركز رئيس الحكومة وإقرار حق المحكمة الدستورية في رقابة القرارات المتخذة أثناء الحالة الاستثنائية. كما اقترح تحديد العهدة البرلمانية بعهدتين فقط والتمييز في الاستفادة من الحصانة البرلمانية بين الأعمال المرتبطة بممارسة العهدة وتلك الخارجة عنها مع إلزام الحكومة بإرفاق مشاريع القوانين بمشاريع النصوص التطبيقية لها وإلزام الحكومة بتقديم المستندات والوثائق الضرورية الى البرلمان لممارسة مهامه الرقابية. وفي مجال السلطة القضائية، تم تعزيز مبدأ الاستقلالية، لاسيما عن طريق دسترة مبدأ عدم جواز نقل القاضي والضمانات المرتبطة به ودسترة تشكيلة لجنة المجلس الأعلى للقضاء، فضلا عن إسناد نيابة رئاسية المجلس الأعلى للقضاء إلى الرئيس الأول للمحكمة العليا الذي يمكن له أن يرأس المجلس نيابة عن رئيس الجمهورية وإبعاد وزير العدل والنائب العام لدى المحكمة العليا من تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء. كما تم إقرار المحكمة الدستورية بدلا من المجلس الدستوري وتعديل تشكيلتها، لاسيما طريقة تعيين أعضائها وتوسيع الرقابة الدستورية إلى الأوامر وإلى رقابة توافق القوانين والتنظيمات مع المعاهدات. وتم أيضا إقرار الرقابة الدستورية البعدية على الأوامر والتنظيمات وإقرار حق الهيئات في طلب رأي تفسيري من المحكمة الدستورية، فضلا عن تكريس اختصاص هذه الاخيرة بالنظر في مختلف الخلافات التي قد تحدث بين السلطات الدستورية بعد إخطار الجهات المختصة وتوسيع رقابة الدفع لتشمل التنظيم إلى جانب القانون. وبناء على التعديل المذكور، تمت دسترة السلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته وإدراجها ضمن الهيئات الرقابية والتصريح بالممتلكات في بداية الوظيفة أو العهدة وعند انتهائها لكل شخص يعين في وظيفة عليا في الدولة أو منتخب أو معين في البرلمان أو منتخب في مجلس محلي، علاوة على دسترة السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات وتعزيز مهامها وتشكيلتها وتنظيمها وعملها. كما يضمن القانون الاول للبلاد حرية الصحافة بكل أشكالها ومنع الرقابة القبلية عليها وكذا حماية الأشخاص الطبيعيين عند معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي وإلزام الدولة بضمان جودة العلاج واستمرارية الخدمات الصحية وتكريس مبدأ حياد المؤسسات التربوية. وأدرج مشروع التعديل الدستوري من جهة أخرى مادة جديدة تتعلق بالمرصد الوطني للمجتمع المدني، وهو هيئة استشارية لدى رئيس الجمهورية، ومن بين مهامه الأساسية تقديم آراء وتوصيات متعلقة بانشغالات المجتمع المدني. وتطرق كذلك إلى الدور المنوط بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي الذي أضيف الى اهتماماته مجال البيئة، حيث تم ترقية هذه الهيئة لتتمكن من لعب دور استشاري رائد في صناعة القرار وتعزيز الحوار بين مختلف فئات المجتمع. وتضمن التعديل إنشاء الاكاديمية الجزائرية للعلوم والتكنولوجيا والتي تعد بمثابة هيئة مستقلة ذات طابع علمي وتكنولوجي. ونص الدستور الجديد في ديباجته على دسترة الحراك الشعبي ليوم 22 فيفري 2019 وحظر خطاب الكراهية وإدراج الأمازيغية ضمن الأحكام التي لا تخضع للتعديل الدستوري. للتذكير، فإن التعديل الدستوري قد تمت تزكيته من قبل الشعب الجزائري في الاستفتاء الذي جرى يوم الفاتح نوفمبر 2020. وبعد التوقيع على المرسوم الرئاسي الخاص بهذا التعديل، سيصدر النص الجديد في الجريدة الرسمية ليكون بذلك بداية لمسار التغيير الديمقراطي الذي نادى به الشعب الجزائري.