تعد ظاهرة تفشي المخدرات في صفوف الشباب والاطفال بالمغرب معضلة تهدد مستقبل أجيال وتضع مستقبل البلد على المحك, مما صعد موجة الانتقاد لسياسات الحكومة ولفشلها في اتخاذ تدابير لمكافحة الآفة في ظل شح مراكز العلاج و اعادة التأهيل للمدمنين بالمملكة. و أمام هذا الوضع طالب الفريق الدستوري الديمقراطي الاجتماعي بمجلس النواب, وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت بالكشف عن الإجراءات التي ستتخذها الوزارة لتعزيز آليات محاربة تفشي المخدرات في صفوف الشباب والأطفال. و أعرب الفريق الدستوري الديمقراطي الاجتماعي عن مخاوف جمة ازاء استمرار انتشار و استشراء هذه الظاهرة بشكل خطير ومقلق في صفوف الشباب والشابات, منبها إلى أن الأمر يتعلق "بالمخدرات القوية (الكوكايين, الهيروين, الأقراص المهلوسة...) ذات التأثير الخطير والمدمر للصحة الذهنية والبدنية, والخطير في هذا الامر هو استعمال الأطفال القاصرين كوسيلة لنقل وترويج هذه المخدرات لأن الأطفال ليسوا موضع شبهة بالنسبة لرجال الأمن". و أضاف ان "ما يزيد الطين بلة, هو إدمان الأطفال على هذه الأنواع من المخدرات, مما ينذر بخطر كبير يهدد مستقبل بلادنا", مطالبا بالكشف عن الإجراءات التي ستتخذها الوزارة "بهدف تعزيز وتقوية آليات محاربة ظاهرة تفشي المخدرات في صفوف الشباب والأطفال". ويعد المغرب من أكثر المجتمعات التي تعرف انتشار إدمان المخدرات بين صفوف الشباب والذي بلغ المؤسسات التعليمية بشكل مخيف, وهو ما كشف عنه التقرير الاخير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي المغربي. التقرير حذر من الخطر الذي يسبب الإدمان في أوساط الشباب و أطفال المؤسسات التعليمية وعلى المجتمع, في ظل الصمت الرهيب للسلطات والحكومة, ودعا الى "ضرورة توفير الحماية الاجتماعية للمدمنين, و اهتمام طب الشغل بالإدمان, وبتحيين الإطار القانوني من أجل الارتقاء بجهود الوقاية من المخاطر المرتبطة بهذه الظاهرة المجتمعية وتقليصها". وقال تقرير المجلس الذي يرأسه أحمد رضا الشامي إن دراسة مختلف مظاهر الإدمان بالمغرب تكشف أنها ظاهرة متفشية ومتعددة الأشكال, مشددا على ضرورة مراجعة الإطار القانوني من أجل حماية ورعاية الأشخاص المدمنين وتعزيز منظومة العقوبات ضد المتاجرين في المخدرات والمواد المحظورة. وكان مكتب الأممالمتحدة المتخصص في قضايا المخدرات والجرائم, كشف في تقريره لسنة 2019 حول المخدرات عن مدى انتشار تعاطي مخدري الكوكايين و"الكراك" (مشتق كيمياوي من مادة الكوكايين) داخل المؤسسات الثانوية بالمغرب, وذلك في صفوف الذكور والإناث على حد سواء. و استنادا لما ترصده الهيئات المغربية المعنية بمتابعة إدمان المخدرات والوقاية منها, فإن الأجهزة الحكومية في المغرب لا تبدل أية جهود من أجل محاربة تعاطي القصر للمخدرات في ظل انتشار هذه الظاهرة بين تلاميذ المدارس الإعدادية والمعاهد الثانوية. ورغم تصنيف المنظمة العالمية للصحة لحالات الإدمان ضمن الأمراض, مما يتطلب التكفل بها, إلا أن التقرير المغربي كشف عن ضعف هذا الجانب بالمملكة, حيث أكد أن "هيئات الحماية الاجتماعية لا تتكفل بما يكفي بهذه الحالات", مشددا على أن سلوكات الإدمان "تتطلب علاجا قابلا قانونيا للتكفل به من طرف هيئات الضمان والحماية الاجتماعية". لا مبالاة الدولة تعمق من المعضلة وبخصوص اجراءات مرافقة المدمنين نحو التشافي, كشف حسن البغدادي, رئيس الجمعية المغربية لمحاربة التدخين والمخدرات, أن مسألة العلاج في المغرب تظل معقدة في ظل وجود ثلاثة مراكز لعلاج الإدمان فقط, في كل من فاس وسلا والدار البيضاء, و أن الطاقة الاستيعابية لكل مركز لا تتجاوز 12 سريرا, وبالتالي يجد المواطن البسيط المنحدر من مدينة أخرى, صعوبة بالغة في الحصول على العلاج. و اوضح ان ما يعقد الامر أيضا, هو أن الاستفادة من العلاج ليست بالمجان, إذ تصل تكلفة العلاج إلى حوالي 600 درهم لليلة الواحدة (حوالي 60 يورو), إلى جانب الاستشارة الطبية التي يؤدى عنها رغم أن هذه المستشفيات تابعة للدولة والمفروض أن تكون بالمجان. ويرى المتتبعون أن ظاهرة الادمان بالمغرب من بين الآفات المستعصية التي تنهش جسد المجتمع المغربي وما تخلفه من جرائم, إلا أنه لا يبدو سبيلا في الافق لاستئصالها بالنظر الى الانتشار الواسع لزراعة الحشيش بالمملكة و اعتماد الكثيرين على بيعها لتحصيل لقمة العيش وسط تغاضي السلطات عن ذلك. يشار الى ان مجلس النواب المغربي (الغرفة الأولى من البرلمان) صادق شهر مايو الماضي على مشروع قانون يقنن استخدام "القنب الهندي", رغم الجدل الكبير الذي أثاره المشروع في الأوساط السياسية والشعبية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي. وحذر المناهضون لمشروع القانون من تأثير تقنين زراعة "القنب الهندي" على زيادة مساحات زراعة المخدرات وتفاقم ظاهرة الاتجار فيها داخل البلاد. وكان تقرير"المخدرات العالمي 2021", الذي أصدره مكتب الأممالمتحدة المعني بالمخدرات والجريمة, قد كشف عن أن معظم كميات "القنب الهندي" التي تصل إلى أوروبا, تأتي من المغرب. وتنتشر زراعة "القنب الهندي" في المغرب, خصوصا بالمناطق الشمالية للبلاد بشكل واسع. وعن هذا الموضوع, نقلت المجلة الشهرية الفرنسية "جيو" عن جغرافيين و باحثين ان "السلطات المغربية تغض الطرف عن زراعة القنب الهندي في جبال شمال المغرب, حيث يتم زراعة هذه النبتة في وسط عائلي وتنمو مثل الاعشاب الضارة, و أصبحت حتى مصدر دخل اساسي لأهل الريف".