سلط تحقيق صحفي مغربي, الضوء على الوسائل التي يستخدمها المخزن لإخراس معارضيه, و قبر الصحافة المستلقة في البلاد, حيث يقبع عدد من الصحفيين في السجون, في حين هاجر كثيرون, ومنهم من غادر مهنة المتاعب وترك الجمل بما حمل, ومنهم من خلد إلى الصمت حيطة وحذرا. و تحت عنوان "مملكة الرعب.."الأسلحة التكتيكية " التي تستعملها "الدولة العميقة" في المغرب لإخراس معارضيها", استعرض الموقع الاخباري المغربي "هوامش أنفو" في تحقيق مطول, قصص متشابهة لثلاث أشهر صحفيين في المغرب, كان مصيرهم واحد. و البداية كانت مع مؤسس صحيفة " أخبار اليوم" ومدير نشرها الصحفي توفيق بوعشرين, الذي تم اعتقاله يوم 23 فبراير 2018 داخل مكتبه, ووجهت له تهم ثقيلة, أدين بسببها ب 15 سنة سجنا نافذا, مبرزة ظروف اعتقاله حينذاك, حيث داهمت "كتيبة" قوامها نحو 40 عنصرا من الامن المخزني, مقر الجريدة و اقتادته الى السجن. و أكد التحقيق, أنه " كلما كان بوعشرين يصعِد نبرة افتتاحياته, كانت آلة التشهير تفتك بلحمه النيئ, عبر مقالات تشهيرية تنضح غلا وحقدا ضده وضد أسرته تنشرها مواقع معروفة بارتباطها بأجهزة الأمن, وخاصة ما ينعت في المغرب ب "البوليس السياسي", تمهيدا للإطاحة به ". و ابرز في السياق, أن " مكتب بوعشرين كان ملغما بكاميرات خفية, لا يعرف من دسها ومتى, وهي مصدر نفس التسجيلات التي ستسعمل ك"أدلة" ضده", و نقل التحقيق عن أحد أعضاء دفاع الصحفي بوعشرين, قوله " إنه لا يمكن لأحد أن يضع تلك الكاميرات غير جهاز منظم, و إلا كيف عثرت عليها الشرطة في أول اقتحام لمكتب بوعشرين؟". و لفت الى أن من بين أهم أهداف التجسس و التنصت لدى المخزن, عبر وضع كاميرات لمعارضي النظام داخل مكاتبهم أو في بيوتهم هو "الابتزاز", و هو ما حدث مع عدة اعلاميين و حقوقيين مثل المناضل الحقوقي المغربي فؤاد عبد المومني, الذي قام بفضح ما كان يتعرض له من ابتزاز من قبل "البوليس السياسي" المغربي على موقع "ذي إيكونوميست" البريطاني. كما اكد أن كل المنظمات الحقوقية التي تابعت المحاكمة الماراتونية لتوفيق بوعشرين, والتي استغرقت سنتين, سجلت بأن المحاكمة كانت "سياسية و انتقامية ", بسبب افتتاحياته الشهيرة, منبها الى غياب كل شروط "المحاكمة العادلة ". القضاء في المغرب أداة في يد السلطة و بعد أربع سنوات سوف يتكرر نفس السيناريو مع رئيس تحرير نفس الصحيفة " أخبار اليوم ", سليمان الريسوني, الصحفي الذي اشتهر ب "الافتتاحيات اللاذعة", و اكد التحقيق انه بعد رفض الريسوني التوقف عن كتاباته المنتقدة للسلطة, قامت فرقة أمنية تتكون من 15 عنصرا بالزي المدني باعتقاله يوم الجمعة 22 ماي 2020, بناء على تدوينة عبر حساب مجهول, لتفتح لهذا الأخير قضية "لا أخلاقية", ليدان وبعد سنتين من الجلسات الماراتونية, ب5 سنوات سجنا نافذا. وابرز التحقيق ذاته, ان الريسوني كان هو الاخر ضحية "صحافة التشهير", بسبب كتاباته, و نضاله المستميت من اجل زملائه الصحفيين المستقلين, الذين تعرضوا للمضايقات أو الاعتقال في السنوات العشر الأخيرة , وعلى رأسهم توفيق بوعشرين, الذي كان الريسوني هو منسق لجنة التضامن معه. و سجلت كل المنظمات الحقوقية المغربية والدولية, عدة تجاوزات في محاكمة سليمان الريسوني, مثل " تناقضات في أقوال المدعي, رفض المحكمة إحضار الشهود الذين طالب بهم دفاع الريسوني, ضعف الأدلة التي تقدم بها دفاع المشتكي". كما اكدت ذات المنظمات, أن " ملف سليمان الريسوني , ملف "سياسي بامتياز ", يستهدف ضرب حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة, خاصة, وأن هذا الأخير معروف بكتاباته اللاذعة والمنتقدة للسلطات العمومية ". هذا و لم يكن مصير الصحفي المستقل عمر الراضي, احسن من سابقيه, حيث تم اختراق هاتفه بواسطة برنامج "بيغاسوس" الصهيوني, قبل أن يتابع قضائيا بلائحة من التهم منها "المس بسلامة الدولة" و"التخابر مع عملاء دولة أجنبية". و من ابرز تصريحات الراضي لصحيفة "لوموند" الفرنسية, تعليقا على التجسس عليه: "البلاد كلها مراقبة, نحن محكومون بعصابة تراقب وتتجسس وتفبرك التهم وتعتقل وتحاكم وتصدر أحكامها النافذة ضد كل صوت مزعج", و اللافت أن هذا التصريح نشر يوم 22 يونيو 2020, واعتقل الراضي, يوم 29 يوليو 2020. ويوم 3 مارس 2022, أدانته محكمة استئناف الدار البيضاء بالسجن ست سنوات نافذة, في محاكمة وصفها أحد أفراد دفاعه بأنها "عبثية" و"سريالية", غابت عنها كل شروط المحاكمة العادلة, وهو ما أكدته تقارير المنظمات الحقوقية المغربية والدولية التي طالبت بإطلاق سراحه وإسقاط كل التهم التي أدين بها. و ابرز "موقع هوامش أنفو", أن القضاء في المغرب تحول إلى أداة في يد السلطة, و هو ما تناولته العديد من التقارير الحقوقية في المغرب والخارج, حيث ان كل التهم الملفقة و على راسها التهم " اللاأخلاقية ", التي لجأت إليها السلطات المغربية, وساندها القضاء فيها, ضد حالات الصحفيين توفيق بوعشرين وعمر الراضي وسليمان الريسوني, ما هي سوى ذريعة لإسكات الأصوات المزعجة, ورسالة لترهيب وتخويف كل من ستسول له نفسه مستقبلا أن ينتقد أو يحتج ضد السلطة في المغرب".