كلما ارتبطت أسماعنا بفنانين نحبهم ونعشقهم، ويهذبون أذواقنا يرحلون عنا·· ذلك أمر طبيعي ومحتوم، لأن الأمر قضاء وقدر، فالفنانة نادية وقبلها عبد المالك إيمنصوران -رحمهما الله- رحلوا في صمت، ولم نشهد أن كرمت من قبل ''ماما نادية'' التي عوضت ''ماما نجوى'' التي ألفناها ونحن صغار، وهي تقص لنا حكايات وأساطير جزائرية محضة ونستمع لها بشغف، ننتظر فسحة أخرى للإثنين علنا نعيش أحلام أبطال هذه الأساطير، وحتى المطربون ذوي ''الريتم السريع'' أو من يسمون ب ''النيو شعبي'' الذين أدوا وأعادوا غناء أغلب أغاني الفنانة نادية بعد إجراء تعديلات فيها، لم نسمعهم وهم يرددون عباراتهم المشهورة ''في خاطر''، ''··· في خاطر الفنانة نادية'' أو العملاقة نادية· هذه العملاقة التي أدت أغاني لكبار الملحنين الجزائريين كميسوم وشريف قرطبي أو نوبلي فاضل، الذين أبدعوا في أغاني نرددها في أيامنا هذه أيام ''الديسك جوكي'' بإيقاعات سريعة··· وتناثرت نادية كما تتناثر أوراق الخريف ويرحل عنا الصوت الإذاعي المتميز والغناء والطرب الجزائري الأصيل والممثلة المبدعة في مسلسل ''زينة'' الذي يتذكره جيدا جيل السبعينيات· في حين أن صاحب روائع مدح الأنبياء أو بغداد يا نور العين والأداء المتميز ب ''سبحان خالق لكوان'' عبد المالك إيمنصوران، فحدث ولا حرج·· فنحن الذين ألفناه في نهاية الثمانينيات وأصبحنا متعلقين بالغناء الشعبي العامي الأصيل كدنا أن ننساه، واعتقد الكثير بأن إيمنصوران انضم إلى قافلة ''الفنانين المعتزلين'' أو الراحلين عن هذا الكون·· لكن الأكيد أن إيمنصوران لم يرحل بل همش وحرمنا من مشاهدة أغانيه في التلفزيون وفتح المجال واسعا للأداء الرديء لمن يسمون بنجوم ''النيو شعبي'' لولا أن أمثال المرحوم كمال مسعودي أو مهدي طماش حفظا ماء الوجه لبضع سنوات·· وراحت أيام إيمنصوران وراحت معها حفلاته الشعبية الساهرة في الموفار وابن خلدون أو في المسارح المختلفة بولايات الوطن·· رحل إيمنصوران ابن المدنية، كما رحل معه ابن حيه العملاق السعيد بوقطاية الذي أدى بطريقة أروع من الروعة أغنية ''الحراز'' التي انبهر بأدائه لها الفنان الراحل الهاشمي فروابي، وقالت عنه الفنانة القديرة فتيحة باربار لو كتب العيش لبوقطاية لأحدث ثورة في الشعبي''·· لن ننساك يا إيمنصوران، وستبقى آذاننا التي هذبت مسامعها تستمتع إلا بأغاني مثل تلك التي أدبتها· إنهم يتساقطون كتساقط أوراق الخريف ويرحلون في صمت دون أي تكريم أو التفاتة لأوضاعهم، وهم الذين يعانون في صمت كما هو الحال بالنسبة للشيخ ''الحسناوي أمشطوح '' أو بوجمعة العنقيس الذي فضل العيش بعيدا في مرتفعات أزفون أو الفنانة القديرة نورية والقائمة مفتوحة لعشرات الفنانين الذي يعانون في صمت، نخاف من أن تحمل الرياح والسيول هذه الأوراق المتناثرة وتنساكم الأجيال القادمة، أما نحن فسنظل نتذكركم ونكتب عنكم لأننا لن ننساكم·