لا تزال حكومة الدولة العبرية، مستمرة في مطاردة فرضيات التسوية، وتقطع طريق الجنوح الفلسطيني إلى السلم، وتفاقم عوامل الانفجار في وطننا، وهي تعرف أن لا حول لنا ولا قوة، وأن خيار الذهاب إلى المواجهة، بدون عُدة، وبدون خطة، وبدون وفاق وطني، سيجعلنا نأكل العلقة، ثم يكون الحق علينا، في أحكام وآراء كل الأبعدين، وحتى في أحكام بعض الأقربين· إننا في محنة· ومن يرى ما يجري على أرض وطننا، حيث لا يكتفي المحتلون بكل ما فعلوا، ولا بما انتهبوا وما خنقوا به حياتنا، ولا بما أنكروا فيه حقوقنا، يشعر ببؤس الطرح التسووي· لقد أصبحنا، رُغماً عنا، نطرب لسماع كل متزيّد ولو من باب الإشباع النفسي· فهذا طبيعي، ونتذكر في ذروة الإحساس بفداحة الهزيمة، أن أغنيات الشيخ إمام الشبيهة بدروشات الصوفيين، كانت تشبع روح المهزومين، فتنعش أرواحنا بفخيم الكلام وعلو الشأن وطول الباع في النصوص الثورية· فأنا واحد من الناس، استحسنت الروح التي تحدث بها الرئيسان السوري والإيراني صباح الخميس الماضي، حتى وإن كنت على يقين، بأن ما قاله الرجلان، لا يغير من واقعنا شيئاً· إن كل ما قالاه، لا يزيد عن حقهما في التأكيد على أن بلديهما لن يقفا مكتوفي الأيدي إن تعرضا لهجمات، وأنهما على غير قناعة أن أمريكا ينبغي أن تُطاع، حتى عندما تهذي وتتحامق· ربما نكذب على أنفسنا، إن قلنا بأن الخطاب الخانع الضعيف، سيلقى احتراماً لدى الشعوب، أو أنه مقنع· فالمنطق المسمى حكيماً، بات مذموماً ومشكوكاً في ذكوريته، لأن المحتلين شرشحوا المعتدلين في المنطقة العربية، وجعلوهم بلا مؤاخذة خيخة أمام شعوبهم، لا يستطيعون إثبات أن لهم ثقلاً، على أي صعيد، أو أنهم قادرون ولو بالود وبالسلم والتطبيع على أن يمنعوا واحدة من السفالات الجانبية، أو أن يقولوا لنتنياهو همساً وعلى سبيل المثال: دعك من حكاية إدراج الحرم الإبراهيمي في سجل المواضع الأثرية· فالحرم الإبراهيمي تحت احتلالكم، وليكن سجلكم في سركم، لكي لا تحرجونا· لعل من فضائل التشدد الاحتلالي الخبيث على التشدد الوطني الحميد، هو أن سفالة الأول تخدم الثاني وتغذيه وتتكفل بإسقاط نقيضه المنطق السلمي· يتبقى على التشدد الحميد، المرتكز إلى حقائق ومدركات التاريخ والجغرافيا والقانون الدولي، أن يكون فعالاً في السياسة، طالما أن أوضاعنا وحصاراتنا ومعادلات الأمن في الإقليم، لا تسمح لنا بأن نكون فاعلين في الحرب· وفي هذا السياق، هناك عتب أو لوم، أو قضية، داخل الأسرة المشدودة في المشرق العربي: لماذا لا ترسمون استراتيجيتكم، لكي يكون التهيؤ للقتال، انطلاقاً مما تيسر من أراض مفتوحة على خطوط التسلح والتذخير؟ إنني هنا لا أمزح وأسأل فعلاً: لماذا لا تضم بُنية المقاومة الكامنة في جنوب لبنان، كل عناصر الأسرة من الجهاديين والثوريين الفلسطينيين الذين نسمع طنينهم عبر الشبكة العنكبوتية؟ ولماذا لا يُطلب من الجولان وبنت جبيل، ما يُطلب من غزة وقلقيلية؟ فلكي يكون التشدد نبيلاً وعملياً، ينبغي أن يكون عادلاً وأن يوسع خارطته وأن يوسع سرواله، وله علينا حين يفعل ذلك، أن نضرب معه عن قوس واحدة، كل المراحل والأوضاع والأسماء التي دونه، من يمين ومن شمال! لك الخزي أيها الاحتلال· لقد ذهبت بنا كوابيس أيامك وعربدتك، إلى التفكير في بدائل غير عادية، وما زال التفكير جارياً حتى إعداد هذا البلاغ·