من المثير جدا أن نجد رئيس أعظم دولة في العالم المعاصر لم يبحث ويفكر في المخاطر الطويلة أمام الولاياتالمتحدةالأمريكية في كل من أفغانستانوباكستان والعراق، هذا مع القضايا الجوهرية التي ينبغي طرحها في الولاياتالمتحدة الزمريكية اليوم وهي: 1 مكانة الولاياتالمتحدة على الساحة العالمية في القرن ال ,21 فهذه الجهود المبذولة من طرف الرئيس باراك أوباما ستخضع لتفحص وثيق من قبل المسؤولين من شتى دول العالم من موسكو وبكين ومن العناصر الثورية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية حتى قراصنة الصومال بهدف تقييم تصرفاتهم وردود أفعالهم وتفاعلاتهم مع واشنطن بناء على النتيجة التي تتمخض عنها جهود أوباما· ومن شأن إخفاق القوة العسكرية العظمى عالميا مدعومة بأكبر تحالف عسكري في اجتثاث طالبان، وهي جماعة تفتقر إلى قوة جوية وفيالق مدرعة ومدفعية قوية وثقيلة وبعيدة المدى واستخبارات تعتمد على الأقمار الصناعية، وداعم أجنبي قوي، فالواضح جدا إذن أن حقبة العالم أحادي القطب قد انتهت فعليا لكن الإخفاق الأمريكي في أفغانستانوباكستان والعراق سيكتب نهايتها الرسمية مثل ما حدث مع حقبة العالم ذي القطبين عندما انسحب الإتحاد السوفياتي من أفغانستان· في الواقع يمكن النظر إلى الفترة ما بين المشاركة في فيتنام وأفغانستان بما فيها الانسحاب أمام متطرفي حزب الله في لبنان، ولو دارت الحرب في الصومال باعتبارها بداية انحسار القوة الأمريكية· ولم يقتصر الأمر على القوة العسكرية فحسب، وإنما من المفترض أن القوة الأمريكية في جوهرها تحمل طابعا أخلاقيا يدور حول فكرة استخدام القوة في مواجهة أو احتواء أو منع الأنظمة الاستبدادية أو الظالمة من الإقدام على أعمال عدوان أو قمع أو ظلم غير مقبولة، فالملاحظ أن القوة الأمريكية أسيء استغلالها· ورغم أنه ليس هناك طرف يتميز بالنقاء الكامل، فإن قليلا فقط من الدول الأخرى أبدت استعدادها أو قدرتها على الاضطلاع بهذا الدور· علاوة على ذلك، يتهدد الخطر مكانة واشنطن داخل العالم الإسلامي، والمعروف أن أحد القواعد التي تحكم مسار التاريخ تقوم على أن المنتصر يحظى بالنفوذ بينما يخسره المهزوم، ويقوم المنتصر بفرض معاييره الخاصة وتكتسب أفكاره مزيدا من الاهتمام ويفوز قادته بسطلة أكبر· وعليه، فإن نتيجة المواجهة بين الولاياتالمتحدة وفروع القاعدة وطالبان، تحمل أهمية كبرى لمستقبل العالم الإسلامي، فبعد قرابة عقد من هجمات 11 سبتمبر يقف العالم الإسلامي عند مفترق الطرق، وتكشف استطلاعات الرأي العام الدولي أن مجتمعات مسلمة بالغة الأهمية تبدي رفضا متزايدا للتطرف حتى وإن ظلت توجهات المشاركين في الاستطلاع سلبية تجاه الولاياتالمتحدةالأمريكية· الآن، تدرك أعداد وجماهير غفيرة من المسلمين أن فكر أسامة بن لادن لا يوفر حلولا للتحديات اليومية التي يجابهونها مثل التعليم والإسكان والوظائف والرعاية الصحية، وهذا مما جعل في الوقت الحاضر البحث عن توجه جديد، وهذا مما جعل الولاياتالمتحدةالأمريكية تعتمد استراتيجية جديدة وهي ليس محاربة القوى المتورطة في هجمات 11 سبتمبر وإنما السعي لبناء بدائل لأيديولوجيات القاعدة وطالبان، كما لا ننسى بأن الخطر الذي يتهدد المصالح الأمريكية في جنوب آسيا بصورة واسعة خصوصا على جبهتين، فمن ناحية ستترك استراتيجية الولاياتالمتحدةالأمريكيةالجديدة على الهند تأثيرا عميقا أكبر ديمقراطية في العالم· والمعروف أن التوترات بين الهند وباكستان دفعت العالم بدرجة أقوى إلى حافة الحرب النووية عن أي صراع آخر منذ الحرب العالمية الثانية، ولا يزال هذا الأمر ممكنا نظرا لإخفاق باكستان في احتواء ما يسمى بالمتطرفين المسؤولين عن العمليات الإرهابية في الهند، هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإنه من المفارقات الغريبة في هذه العشرية الأخيرة هو ما جمع الجمهورية الإسلامية الإيرانية وتركيا اللائيكية والولاياتالمتحدةالأمريكية في وصول أصحاب القرار إلى السلطة إذا انتخب الإيرانيون عمدة طهران محمود أحمدي نجاد صديق الشعب وصديق الفئة الفقيرة من الشعب الإيراني رئيسا للجمهورية الإسلامية الإيرانية بهدف انتشال الفقراء من فقرهم ولإعادة توزيع الثروة النفطية، وهي الطريقة نفسها التي انتخب بها الشعب التركي رجب طيب أردوغان عمدة إسطنبول سابقا، رئيسا لوزراء تركيا بهدف محاربة الفساد وإعادة توزيع الثروة· كما انتخب الإيرانيون أيضا بطريقة مشابهة لاختيار الأمريكيين الرئيس المتشدد جورج بوش كنوع من الرد على التهديدات الخارجية الإرهاب في حال الولاياتالمتحدةالأمريكية والضغوط على الخيار النووي في حال إيران· وإذا كان أحمدي نجاد هو الرئيس التاسع في عهد الثورة الإسلامية الإيرانية وأول رئيس مدني من خارج سلك رجال الدين والمرجعية الشيعية منذ 30 عاما، فضلا عن كونه الضابط السابق في حرس الثورة المعجب بنقاوة السنوات الأولى للثورة الإسلامية وانتصاره في الانتخابات على خصمه، يعني اكتمال سيطرة المحافظين على كل مؤسسات الدولة والبرلمان والرئاسة والمجالس المحلية، فمن المتوقع أن تشهد إيران في هذا العهد عودة إلى جذور الجمهورية الأولى بمزيد من الالتزام بالقيم الإسلامية والثورية والتشدد مع الدول الغربية خصوصا في قضية البرنامج النووي السلمي الإيراني· ولاشك في أن وراء وصول أحمدي نجاد إلى الرئاسة سببين أساسيين سينعكسان على سياسته الداخلية كما الخارجية، الأول أنه فاز بأصوات الفقراء والمتدينين خشية أن يؤدي فوز هاشمي رفسنجاني، وهو من تجار البازار الأغنياء المشهورين إلى استمرار سيطرة الأغنياء على المجتمع الإيراني، وأن يميل رفسنجاني إلى مصالح الأثرياء على حساب مصالح الفقراء· أما الثاني فهو تصويت العاطلين من الشباب عن العمل لجانبه خصوصا أنه صغير السن (53) سنة ويتفهم مشكلاتهم على عكس رفسنجاني (75 عاما)، إضافة إلى تصويت القوى الثورية الدينية له من حراس الثورة بغية وقف موجة العولمة والتغريب التي دخلت إيران في عهد الإصلاحيين· ولهذين السببين يمكن القول أمام الرئيس المعاد انتخابه ملفات داخلية مهمة اقتصادية واجتماعية وسياسية أبرزها خطط التنمية الجديدة والتنمية ومكافحة البطالة والفساد وتنشيط برامج التصنيع خصوصا العسكري والصاروخي في ظل تصاعد التهديدات الغربية وأسلوب إدارته لهذه الملفات سيحدد مستقبل سياسته، هل هي مجرد عودة للجمهورية الأولى أم مزج بين قيم الثورة والتحديث والإصلاح الاقتصادي· ففي المجال الداخلي، من المتوقع أن يسعى الرئيس المنتخب للمرة الثانية إلى ثورة داخلية في مؤسسات الدولة الاقتصادية والاجتماعية بدعم من مجموعة التنمويين الشباب الذين ينتمون إليه، وتنفيذ خطة على غرار ما فعله في بلدية طهران عقب رئاستها عام 2003 تقوم على تنفيذ مشروعات شبابية وأخرى تستهدف رعاية آلاف الأسر الفقيرة وضحايا حروب إيران والثورة تتشجع بنوع من الاشتراكية، وأن يسعى في خط مواز لمنع مظاهر الانحلال المناهضة لقيم الثورة بمعاونة أنصاره من الحرس الثوري القديم والشباب المتدين· وأبرز ما سيواجه الرئيس الإيراني في الملفات الخارجية الملف النووي وبالتالي علاقة الجمهورية الإسلامية الإيرانية مع أوروبا عموما والولاياتالمتحدةالأمريكية خصوصا، وعلى رغم وجود نظريات غربية تقول إن فوز أحمدي نجاد لعهدة ثانية معناه إغلاق الباب تقريبا أمام حدوث انفراج في العلاقات الأمريكيةالإيرانية، وربما تصعيد خطير في المستقبل في المواجهة في ما يخص البرنامج النووي الإيراني، إلا أنه في المقابل تشير سوابق أخرى إلى أن السياسيين المتشددين الفائزين في الانتخابات هم الأكثر قدرة تاريخيا على حسم نتائج أي خلافات خارجية بتفويض كامل من شعوبهم، وهو ما يعني احتمال حسم مسائل العلاقات مع أمريكا والخيار النووي الإيراني خلال فترة حكم الرئيس في العهدة الثانية هذه· وإذا أجرينا مقارنة ومقاربة مواقف أحمدي نجاد من الملف النووي، فنشير إلى أنه سيواجه هذا الملف بشيء من الحزم مع الغرب، وبمعنى آخر قد تشهد فترة حكمه الثانية هذه عودة إلى التوتر القديم بين الغرب وإيران، خصوصا وأن رد الفعل الغربي على انتخابه كان سلبيا من البداية لحد التشكيك في صحة فوزه كالحديث عن التزوير، إضافة إلى الحديث الأمريكي عن تدهور الحريات في إيران· ومن الأمور التي يمكن أن تزيد من سوء العلاقات الإيرانيةالامريكية، أن الرئيس المنتخب لعهدتين هو أحد الطلاب الذين هاجموا السفارة الأمريكية في إيران عقب الثورة واحتلوها· أما فيما يخص العلاقات مع الدول العربية والإسلامية، من المرجح أن يلجأ الرئيس في عهدته الثانية هذه إلى تحسين علاقاته مع دول العالم العربي والإسلامي خصوصا الأطراف الكبرى المؤثرة كتركيا وباكستان والسعودية، باعتبار أن فكر نجاد يقوم على السعي إلى التنشيط والترويج لنموذج الإسلام العالمي في العالم· وإذا كانت هذه الفكرة ستلقى تحفزا ومخاوف غربية، فهي في المقابل ربما تلقى تشجيعا عربيا أو على الأقل توافقا في الفكرة وعدم المعارضة لها· وما يميز أحمدي نجاد عن أقرانه من الإصلاحيين، أن فكرة الإسلام العالمي تعني الانفتاح على بقية المسلمين وعدم التعويل والتركيز على فكرة الإمبراطورية الفارسية في مواجهة الأمة العربية، وهي فكرة يتبناها حزب الله في لبنان في توحيد الأمة العربية والإسلامية تحت شعارات غير طائفية· كما لا ننسى بأن هدف أحمدي نجاد ''جعل العالم الإسلامي'' قطبا في عالم متعدد الأقطاب، يعني التوجه بانفتاح كبير على الدول العربية من خلال علاقات سياسية واقتصادية قابلة للحياة والتطوير على قاعدة إيجاد مظلة لحماية الدول العربية من تداعيات الاحتلال الأمريكي للعراق، وما ستؤول إليه الأمور لاحقا، ولكن هذا لن يكون سهلا لاعتبارات كثيرة لأن معظم هذه الدول العربية واقعة في خانة حلفاء واشنطن، وهو ما يصعب على الجمهورية الإسلامية الإيرانية تشكيل قطب إسلامي من هذه الدول· هذا من جهة، ومن جهة ثانية، فإن إيران تقف على مفترق طرق خطير، فالأجندة الأمريكية والإسرائيلية حافلة بمشاريع التغيير، فالمهم هو عدم امتلاك إيران التكنولوجيا القادرة لنقلها إلى الدول الأخرى، يعني دول التكنولوجية النووية·