يرى العديد من المحللين السياسيين أن الظروف الجيوسياسية الدولية الحالية ملائمة جدا للاتفاق حول صياغة اتفاقية لمكافحة الإرهاب وهي المبادرة التي دعت إليها الجزائر منذ سنوات التسعينات ولم تجد الصدى الدولي والإقليمي اللازم، ولكن حديث السيد مراد مدلسي وزيرنا للخارجية الأسبوع الماضي عن إمكانية صياغة الاتفاقية في 2009 وهو التصريح الذي أعقب مشاركته في أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة ويعكس التصريح مدى المؤشرات الايجابية لصدى الاتفاقية لدى عديد الدول وهو ما قد يؤدي لأن تكون 2009 سنة صياغة الاتفاقية والمصادقة عليها. برز مشروع الاتفاقية الدولية لمكافحة الإرهاب التي دعت إليها الجزائر مجددا الى السطح بعد تصريحات السيد مراد مدلسي وزير الخارجية مؤخرا ويكون التحول في العلاقات الدولية وبروز بعض الخلافات بين القوى المتحالفة وقرب الانتخابات الرئاسية الأمريكية وغموض مصير الحروب التي باشرتها الولاياتالمتحدةالأمريكية وحلفائها ضد الإرهاب في العراق وأفغانستان وغيرها من الدول وامتداد أثار الأزمة المالية العالمية أوراق استدعت تبني دعوة الجزائر. وما زاد في أهمية مشروع الاتفاقية العالمية لمكافحة الإرهاب التي تناولتها حصة تصريحات وآراء للقناة الإذاعية الأولى أمس هو قرب الانتخابات الرئاسية الأمريكية وما يصحبها من تصريحات حول سحب القوات الأمريكية من أفغانستان والعراق ويلعب المرشحان »أوباما« و»ماكاين« ورقة السلام لإزالة الصورة القاتمة عن الولاياتالمتحدةالأمريكية وما خلفه الرئيس بوش في فترة حكمه التي كانت من أكثر الفترات الرئاسية دموية في تاريخ الولاياتالمتحدةالأمريكية وهو ما خلق متاعب كبيرة للأمة الأمريكية في ظل استمرار حالة الطوارئ لسنوات طويلة وجعل الأمريكان يعيشون حالة ذعر أثرت على السير الحسن لحياتهم العادية وهو ما جعلهم يمشون في مسيرات ضخمة ضد ما يسمى الحرب على الإرهاب التي أصبحت حربا على العرب والمسلمين. وما قد يعزز مبادرة الجزائر بروز الخلاف الأمريكي الروسي حول الحرب في القوقاز وما حدث بين أوسيتيا الجنوبية وجورجيا حيث خلفت الحرب دولة روسية تسعى لاسترجاع مجدها الضائع وتقويم العلاقات الدولية ومحاولة التأثير فيها لعدم ترك الساحة فارغة أمام القوى الامبريالية التقليدية التي تبقى وراء انشاء ظاهرة الإرهاب لتبرير تدخلاتها في الشؤون الداخلية للدول ونهب الثروات وتكون روسيا التي تساند دول العالم الثالث والشعوب العربية والإسلامية بحكم العلاقات التاريخية قد قدمت ضمانات بمساندة الاتفاقية في ظل تقربها من منظمة الأوبيك لتعزيز قوة سلاح النفط لتحقيق توازن دولي في العلاقات الدولية. وتصب الخلافات الأوروبية الأمريكية مع الصين حول عديد القضايا وخاصة ما حدث في التبت وقضايا حقوق الإنسان في العملاق النائم في مصلحة مشروع الاتفاقية الخاصة بمكافحة الإرهاب كرد فعل على السلوكات الأمريكية التي لم تتوقف عند الدول المستضعفة ويحاول ترويع حتى الدول التي لا تقل شأنا عن الدول الغربية والتي لها حق الفيتو واقتصاديات قوية . وبالموازاة مع ذلك تكون مختلف دول العالم التي تأكدت من نوايا بوش في شن حرب جديدة على إيران وكوريا الشمالية باسم الإرهاب ولو بعد تنحيه من الحكم وهو ما قد يدخل العالم في متاهات أخرى هو في غنى عنها ستعمل الاتفاقية الدولية لمكافحة الإرهاب على وضع حد للتأويل المغلوط لاستعمال كلمة إرهاب التي يظهر أنها فيروس مخبري وليست ظاهرة طبيعية وبالتالي فالقضاء على أسباب انتشار الإرهاب وتغذيته أولى من القضاء عليه عسكريا لأن تلك المرحلة هي الأخيرة في حياة الإرهاب الذي أصبح زئبقا يصعب تحديد لونه وطعمه. وكشف السيد فوزي أوصديق الأستاذ المختص في العلاقات الدولية أن البيئة الدولية الحالية توفر نوعا من التفاؤل بشأن تجسيد الاتفاقية والوصول إليها من خلال استغلال التراكمات التي نتجت عن الدراسات والملتقيات والتخمينات وحتى الحروب التي اندلعت باسم الإرهاب في حين لم يلق الطرح حماسا كبيرا من السيد مسعود شنان أستاذ مختص في العلاقات الدولية بكلية العلوم السياسية والإعلام بالنظر للظروف الدولية الصعبة والمتشعبة والتي يصعب فيها الحديث عن تنازل الدول الغربية عن أهدافها البراغماتية وهو ما سيجعل مشروع الاتفاقية محفوفا بالصعوبات . وعليه فآفة الإرهاب المصطنعة من قبل الدول الامبريالية والتي تبين من خلال الوقت أنها ورقة للضغط على الدول ونهب ثرواتها وكسب التأييد في الحروب وصناعة رأي عالم دولي حول عديد القضايا كفلسطين والعراق وأفغانستان وغيرها من الملفات وبالتالي لا مناص من الضغط بمختلف الطرق لتمرير مشروع الاتفاقية وإلا فكل يوم يمر ستكون هناك دول جديدة راعية للإرهاب أو إرهابية حسب الرواية الأمريكية. وحمل خطاب الرئيس الأمريكي بوش في ثامن وآخر خطاب له أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 23 سبتمبر الماضي رسائل تشاؤم كبيرة بشأن مستقبل مكافحة الإرهاب التي ستقترن بكل الدول التي تهدد كيان الدولة الصهيونية والتي تسعى لامتلاك السلاح النووي، وكشف الرئيس الأمريكي عن محور جديد في مكافحة الإرهاب وهو تجنيد المنظمات المتعددة الجنسيات من خلاله قوله »...الحاجة الآن ماسة أكثر من أي وقت مضى« لكي تهب المنظمات المتعددة الجنسية إلى مكافحة الإرهابيين والمتطرفين الذين يشكلون خطرا على النظام العالمي. وقال أيضا إنه ينبغي على الأسرة الدولية أن تقف وقفة حازمة ضد المطامع النووية لكل من إيران وكوريا الشمالية. كما انتقد الرئيس الأمريكي بشدة في خطابه الممارسات الروسية الأخيرة في جورجيا، قائلا: »إن ميثاق الأممالمتحدة يحدد الحقوق المتساوية للدول كبيرها وصغيرها وإن غزو روسيا لأراضي جورجيا هو انتهاك لهذا الميثاق. وكشف بوش أيضا أن المخاطر التي كانت تحدق بقيم العدالة وحقوق الإنسان هي التي كانت حافزا لإنشاء الأممالمتحدة، وفي عصرنا الراهن أصبحت مخاطر الإرهاب هي الحافز الأكبر لوحدة الأسرة الدولية. وأشاد الرئيس الأمريكي في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بتضافر عدد لا يستهان به من الدول دون ذكرها في مكافحة وباء الإرهاب منوها بأنه مع تفاقم وحشية الأعمال الإرهابية ليس في أمريكا وأوروبا فحسب بل أيضا في عدد من الدول الإسلامية فإن ائتلاف الدول المناهضة للإرهابيين آخذ في ازدياد مطرد. غير أن الرئيس الأمريكي يكون قد أهمل الانتقادات اللاذعة لسياسته واستراتيجية عسكره من قبل الشعب الأمريكي ومنظماته المتعددة الجنسيات التي أيقنت خرافة الحرب على الإرهاب التي لا يراها إلا ...........؟؟؟ ------------------------------------------------------------------------