بوفاة الشاعر الكبير محمد حسيب القاضي، تفقد فلسطين علمًا بارزًا من أعلامها، الذين دونوا بمداد أقلامهم، وبتضحيات سنين أعمارهم، سيرة الوطن وهمومه· لا شيء في الأفق فارس الكلمة الأوحد· فقد المُرشد بوصله سفره، وهجرت الكلمات الألواح· رحل من توكأ على عصا الشعراء العظماء· رحل عنا شاعرنا الكبير، ملك الحرف والكلمة المرحوم محمد حسيب القاضي· غادرنا حاملاً معه تحت الثرى غير حسراته على وطنه الذي عشقه واهباً له جهده وفكره· من الطبيعي أن يعتل قلبه ويصيبه المرض، وهو الذي حمل هموم الوطن ومصائبه بقلبه وبجوانحه· قلبه المرهف، قلب شاعر رقيق، لم يكن قادرا على احتمال كل ما أصاب وطنه، حتى توقف قلبه، ليغادرنا بجسده تاركاً إرثه، من أفكار متقدة وكلمات وهاجة ستظل فينا وبيننا أبدا· قد آن يا شاعرنا للقلب الجريح أن يستريح. رحيل الشاعر الكبير محمد حسيب القاضي، خسارة كبيرة للحركة الثقافية الفلسطينية والعربية. لقد نقل القصيدة العربية إلى مستويات متطورة· وأصبح علامة مهمة في الأدب العالمي ككل· وعبر عن قضية شعبه العادلة بلغة إنسانية وأدبية رفيعة، ولذلك سيبقى أدبه خالدا بعده، وسيصبح جزءا مهما من التراث الأدبي الفلسطيني والعربي والإنساني· أشعر بالخسارة والفقدان على الصعيد الشخصي وعلى الصعيد الأدبى والثقافي بفقدان شاعر كبير، كان شاعرا وطنيا مميزا، وكان حالة تمثل الأكثر شفافية والأكثر نبلا والأكثر إبداعا· إن فقدان قامة عالية مثل محمد حسيب القاضي، سيترك أثرا بالغا في حركة الشعر العربي الحديث. لقد كان اختراقا شعريا وحالة استثنائية، واستطاع بإبداعه العالي أن يجر الجمهور إلى مساحاته الإبداعية وتخومه ضمن شروطه هو، لا شروط الجمهور· إن رحيله خسارة كبرى لثقافة الشعب الفلسطيني وللشعر العربي، وأنت يا محمد تموت منفيا عن وطنك فلسطين مثل كل المنفيين من أبناء الشعب الفلسطيني، ولكن اسمك قد دخل في سجل الخالدين الذين أعطوا لشعبهم الكثير، وستبقى حيا في ضمير محبيك في كل مكان· لقد تعرَّض الشاعر محمد حسيب القاضي للتحقيق والإعتقال والسجن والتعذيب، خلال فترات هامة من عمره، بسبب قناعاته الفكرية وأشعاره الوطنية وتغنيه بالحرية، على أيدى القوات الإسرائيلية''النازيين الجدد'' وذلك بعد احتلالها لقطاع غزة في العام 1967م· غادر قطاع غزة بعد ذلك إلى القاهرة، حيث ساهم بإنشاء إذاعة صوت العاصفة، ثم صوت فلسطين· وعمل لاحقا مديرا لإذاعة فلسطين في الجزائر وصنعاء· ترأس مهمة تحرير جريدة ''الأشبال'' التي صدرت في تونس وقبرص· ترجمت قصائده للغات الإنجليزية، الإيطالية، الفارسية، والبلغارية·وحاز على جائزة القلم الدولي للشعر عام 1995 إلى جانب عدد من الجوائز الأخرى في تونسوالقاهرة· كتب محمد حسيب القاضي عدداً من نصوص أناشيد الثورة الفلسطينية منها: المجد للثورة، بإيدي رشاشي، حرب الشوارع، حنا ثوارك يا بلادي، يا شعبنا في لبنان، يا غاصبا حقنا· وصدر له : فصول الهجرة الأربعة عام ,1974 نشيد للرجل والبندقية عام ,19851975 مريم تأتي ,1983 أربعاء أيوب ,1983 أقبية الليل 1985 ، إنه الصراخ وأنا فيه 1989 ، الرماد الصباحي ,1989 قمر للعواء ,1996 ثم رمادك في رقصة 1997 ، السدى قاطرة·· قطرة ، دولة أيوب - مسرحية شعرية 1997 ، شمهورش - مسرحية شعرية .2001 يا شاعرنا الكبير (رب موتك جاء إلينا كالحريق، يا من نفخ في الأجداث روحه، ويا من أحال العتمة السوداء نورا، ويا من تغنى للملايين الفقيرة كي تثور· بيننا ستظل قوافيك العنيدة توقظ أحلامنا الميتات) اللهم هذا عبدك جاء رحابك فأرحمه واغفر إليه، وأحسن إليه بقدر ما أحسن إلينا وللعلم وللثقافة وللأدب وللغة· اللهم أجب دعوات الباكين الذين حملوه على الأعناق من بسطاء شعبه وتلاميذه وأحبابه، الذين سقوا جثمانه وقبره دموعا، لحظة توديعه الوداع الأخير· لحظة بكته المدينة وبكاه الوطن وكل من سكن في قلبه نقش حروفه وكلماته· ولئن حزنت عليه قلوبنا لفراقه، فإننا يا الله عبيدك ناصيتنا بيدك، لن نعترض على حكمك، راضون بقضاؤك·