قدم أمس العرض الأخير للمهرجان الوطني الجزائري للمسرح المحترف في طبعته الخامسة؛ وقد شارك المسرح الجهوي لأم البواقي في أول عمل مسرحي له ''البصيص'' الذي قام بتأليفه وإخراجه الهناني جهيد الدين؛ وقد أمتع العرض الجمهو واتضح ذلك من خلال تفاعل الجمهور معه· المسرحية التي فضل المخرج أن تكون من النوع العبثي تحكي أحداثا عن العلاقات الإنسانية الهشة داخل المجتمع الواحد حيث سلط الضوء على أهم المشاكل التي ساعدت على تفكك الروابط الأسرية والعائلية ليصبح المجتمع بعدها يتيما يفتقر لأدنى المؤهلات الإنسانية، والشيء الذي زاد من تشابك الأحداث في العرض تلك الهزة الأرضية التي جمعت بين أفراد المجتمع وجعلتهم يعيشون معاناة حقيقية تحت الأنقاض، وتحت الأنقاض طرح المخرج الكثير من القضايا التي لها علاقة بانحطاط المجتمع حيث سلط الضوء على الأشخاص المرتبطين بالرشوة والخيانة والسرقة، فتلك الشخصيات تصاعدت خصومتها هناك وأخذ كل واحد منهم يرشق الآخر بوابل من اللوم والكراهية والحقد بحكم معرفتهم المسبقة قبل حدوث الزلزال و الشيء الوحيد الذي اتفق عليه هؤلاء هو البحث عن بصيص الضوء الممزوج بالأمل لعله يساعدهم على الخروج والعودة إلى الحياة لكن المخرج تعمد ألا يكون الفرج إلا بعد تحقيق الصلح فيما بينهم ويسامح كل واحد منهم الآخر على ما اقترفه، وبمجرد أن عادت القلوب إلى طيبتها وتجردت من الحقد أخد بصيص الضوء يظهر، وهكذا عم الفرح الجميع بهدف العودة إلى الحب والحياة· ما ميز العرض الذي دام ساعة من الزمن أنه يعتبر أول نص جزائري غير مقتبس يشارك في منافسة داخل المهرجان؛ و رغم أنه ينتمي للمسرح العبثي إلاّ أنه قام بإسقاطات على الواقع الجزائري، كما أن النص رغم بساطته كان يحمل أبعادا عميقة تحمل أكثر من دلالة إيمائية فمثلا ''الكتب والكراريس والأدوات الأخرى؛ هذا غاشي كبير في محفظتي'' ·· ''الوقت عياني والجري عياني ومحفظتي عياتني'' إن هذين المشهدين يطرحان قضية كثافة البرنامج الدراسي المقرر، كما أن هذا الأخير ساهم إلى حد كبير في إرهاق التلاميذ، إضافة إلى مشهد آخر في المسرحية يدل على مدى الإقصاء والتهميش الذي يعاني منه أبناء الطبقة المتوسطة في المجتمع ''حنّا أولاد المساكين ماتنفعنا غير قرايتنا ورغم ذلك لا تستطيع أن تحب، وبالتالي ما تتزوجش علا خاطر ماعندكش السكنة'' والشيء المميز في العرض السينوغرافيا الرائعة التي أدهشت بدورها الجمهور طيلة العرض، فتلك الأخيرة كانت تحمل أبعادا جمالية وفنية في المستوى المطلوب بالمقارنة مع سينوغرافيا العروض السابقة· الممثلون كان لهم حضور فيالمشاهد كلها؛ إلى جانب ذلك تميز أداؤهم بالجماعية غير أن كل واحد منهم كانت له لمسات فنية خاصة به· الإضاءة كانت محكمة وتماشت بإيجابية كبيرة مع كل مشهد· الجمهور شده البصيص طيلة العرض والسبب أنه شاهد نفسه داخل العرض وهذا ما لمسناه· ثلاثة أسئلة إلى: جهيد دين الهناني مخرج المسرحية تعتبر أول مشارك في المنافسة بنص غير مقتبس، كيف كانت تجربة الكتابة؟ والله نص ''البصيص'' لا يعتبر تجربتي الأولى في الكتابة، حيث سبق لي أن كتبت نصوصا مسرحية، فأول تجاربي في هذا المجال تعود إلى سنة 1996 بمسرحية ''الهيام'' ونسجت ذلك النص المسرحي بنمط الكتابة الموجودة في الجزائر ''الفوال والحلقة'' وبعدها كتبت نصا لمسرحية ''اللعنة'' ومسرحية ''النشور'' التي يحكي نصها الحالة التي يعيشها الإنسان في لحظات الإنتحار وحتى يبقى المسرح شاهدا على العصر كتبت مسرحية ''الجحيم'' التي أعطت بعدا لما حدث في العشرية السوداء ثم كتبت منودرام المتمرد الذي لقي هو الآخر نجاحا كبيرا، واليوم شاركت ب ''البصيص''· من بلعباس إلى مسرح أم البواقي، كيف كان الانتقال المفاجئ؟ إنه لشرف عظيم أن أفتتح مسرح أم البواقي ب ''البصيص'' نصا و إخراجا والسبب توجهي إلى مسرح أم البواقي الذي فتح أبوابه وذراعيه للطاقات المسرحية الشابة في بعض المسارح الأخرى، كما وجدت في مسرح أم البواقي ولطفي بن سبع مدير المسرح تفهما وحوارا على جميع الأصعدة، كما شعرت بأن ذلك الرجل يقدر جهود الفرد والجماعة في المسرح· إعتدنا من جهيد هو من يقوم بتكوين الممثلين الذين يشاركوه العمل، فكيف كانت التجربة بأم البواقي؟ هذا صحيح، لكن أعتبر هذه التجربة فريدة من نوعها، بالنسبة لأعضاء الفرقة، لأول مرة، تعاملت معهم، لكن هذا لا يمنع أنهم تجاوبوا معي بسرعة، كما أنني عازم على العمل لتكوينهم أكثر وأكثر حسب تجربتي المتواضعة في عالم المسرح· قالوا عن العرض زينب الأعوج: صراحة أعجبني العرض كثيرا، فالممثلون كانوا متميزين وأتمنى أن ينظر إليهم بعين الاعتبار حتى يواصلوا، بالنسبة للنص أبهرني وأعجبني، فرغم بساطته إلا أنه كان يحمل دلالات عميقة؛ الإضاءة كانت متناسقة مع المشاهد؛ الديكور لعب دورا كبيرا مع النص، والشيء الجميل في العرض هو العمل المشترك بين المسرحيين في مختلف ربوع الوطن· أتمنى لهم التوفيق من كل قلبي والكثير من المشاركة بالمهرجانات بنصوص جزائرية· فروجة إجاد: إخراج العرض كان جد ناجح؛ الديكور حمل دلالات عميقة وفي نفس الوقت مفهومة، ويتجسد ذلك من خلال تعرية واقع المجتمع الجزائري بالرغم من عبثية النص؛ ملابس الممثلين تناسقت بشكل جميل مع أحداث العرض؛ الممثلون تمكنوا من نقل الخوف والقلق الذي كانوا يعشونه تحت الأنقاض إلى الجمهور مما دفع ذلك الجمهور إلى التفاعل مع الأحداث· أنور محمد : العرض جيد؛ الممثلون يملكون طاقات إبداعية؛ طرح الفكرة الإخراجية أعتقد أنه عالج وضعا في المجتمع الجزائري؛ السينوغرافيا أبهرت الجمهور وكل شبر منها حمل دلالة عميقة· ناصر خلاف : فكرة العرض جيدة لأنها تكشف عن الصراع الموجود داخل الفضاء الضيق والمغلق، كما أن النص أعطى أبعادا ذات نطاق واسع؛ الروابط الموجودة في العرض أخذت أبعادا أخرى، السينوغرافيا كانت جميلة، لكن هناك بعض النقائص البسيطة·