يبدو أن الأسطورة دييغو مارادونا كان واثقا تماما من عناصره ومن نفسه عندما أعلن قبل ساعات من مباراة الأرجنتين - كوريا الجنوبية أن فريقه سيكون الفائز، وهو ما حصل بالفعل، فبعد أن تخطى عقبتي نيجيريا وكوريا الجنوبية، كان فريق التانغو قد قطع تذكرته للدور الثاني لفعاليات كأس العالم ومعها قطع النجم الذهبي دييغو مارادونا تذكرتيه، الأولى للعودة إلى الواجهة بقوة في عالم الكرة المستديرة، والتذكرة الثانية للانضمام إلى النادي المصغر من نجوم الكرة الذين تمكنوا من إحراز اللقب العالمي لاعبين ومدربين وهو ما نجح في تحقيقه اثنان فقط من النجوم العالميين، البرازيلي ماريو زاغالو (1958 لاعبا، و1970 مدربا) والقيصر الألماني فرانتس بكنباور (1974 لاعبا و1990 مدربا)· لقد بقي دييغو مارادونا خلال العشريات الأخيرة من القرن الماضي النجم الأكثر جلبة وبروزا في الإعلام، ليس بسبب قدمه الذهبية وحسب، وإنما لكثرة المشاكل وعدم الانضباط الذي يعد أحد أسباب شهرته بعد مداعبته السحرية للكرة طبعا· من ملاعب الأحياء الفقيرة إلى نادي الشباب ولد دييغو ارماندو مارادونا في 30 أكتوبر 1960 في واحد من الأحياء الفقيرة الأرجنتينية القريبة من بيونس ايرس، ويعد الابن الذكر الأول للأسرة التي كان لديها ثلاث فتيات قبله، بدأ مارادونا مداعبة الكرة في سن مبكرة جدا في شوارع المدينة مثل معظم أبطال أمريكا اللاتينية وإفريقيا، وكانت البراعة سمته منذ بدء لمس الكرة في نادي ريد ستار مع فريق الصغار الذي أسسه والده من أجل أطفال الحي، وهناك جاءت فرصته الذهبية عن طريق أحد الأصدقاء الذي كان يلعب بنادي ارجونتينيوس جونيور للفئات العمرية الصغيرة وأخبر أحد مسؤولي هذا النادي عن مهارات مارادونا، ومن هنا كانت بدايته نحو الاحترافية بنادي ارجنتينيوسو وهو يبلغ سن ال,11 وبعد قرابة الخمس سنوات ''''1976 لعب أول مباراة رسمية له وحمل خلالها الرقم 16 وبدأ فعلا في لفت الأنظار نحو براعته رغم أن ناديه ارجنتينيوسو لم يكن في المراكز الأولى في الدوري الأرجنتيني، ولم تشفع له هذه البراعة في إقناع المدرب سيزار لويس مينوتي لإدراج اسمه ضمن تشكيلة الفريق التي مثلت الأرجنتين في كأس العالم ,1978 لكن بعدها بعام واحد عين مارادونا كابتن لمنتخب الشباب الذي شارك في كأس العالم باليابان، وهنا أعلن هذا اللاعب رسميا عن قدراته التي لا تقهر وقاد فريقه لإحراز لقب كأس العالم للشباب بفضل توقيعه لستة أهداف، لينتقل بعد هذا النجاح الباهر إلى بوكا جونيور سنة 1981 بعد مفاوضات طويلة· من الأرجنتين إلى ملاعب العالم الكبرى لم يدم بقاء دييغو طويلا في بوكا، حيث انتقل في سنة 1982 إلى نادي برشلونة في صفقة قدرت بقيمة 12 مليون دولار حصل عليها ناديه ''بوكا'' مقابل التخلي عنه، وهناك حظي بشعبية عارمة في إسبانيا خصوصا بعد مشاركته في مونديال 1982 الذي أقيم على الأراضي الإسبانية، ومع هذا لم يستمر مارادونا طويلا في هذا النادي الذي لم يكن منسجما تماما فيه وغادره سنة 1984 بعد معركته الشهيرة مع المدافع ''أندوني'' الذي كان قد تسبب في إصابته وكانت المعركة بينهما في نهائي كأس ملك إسبانيا تحت أنظار هذا الأخير، سببا كافيا ليقرر مارادونا الالتحاق بالملاعب الإيطالية وتحديدا مع نادي نابولي، وهنا يبدأ رحلة جديدة في المجد العالمي، حيث كان سببا رئيسيا في ذهاب نادي نابولي إلى التتويج بلقب الدوري الإيطالي لأول مرة في تاريخه موسم 1986 - 1987 متمكنا من هزم العملاقين الميلان والجوفنتوس، وبهذه الخطوة بات مارادونا الأسطورة التي لن تنساها ذاكرة عشاق نابولي، الذي أحرز معه أيضا لقب الدوري الإيطالي سنة 1990 وكأس إيطاليا سنة 1987 وكأس الاتحاد الأوروبي سنة 1989 وكأس السوبر الإيطالية سنة .1990 مارادونا وكأس العالم مونديال مكسيكو 1986 يبقى مونديال مارادونا دون منازع، إذ تمكن القائد الشاب من قيادة منتخب التانغو لإحراز اللقب العالمي، وحققت الأرجنتين الفوز في أول مباراة أمام كوريا بنتيجة 1 - ,3 وتعادلت مع إيطاليا ب 1 - 1 وخلال هذا اللقاء كان مارادونا هو من سجل هدف الأرجنتين قبل أن تتأهل هذه الأخيرة إلى الدور الثاني بعد الفوز عليبلغاريا ب .02 في الدور الثاني فازت الأرجنتين على الأورغواي بصعوبة بنتيجة 01 وخلال هذا اللقاء رفض هدفا لمارادونا بسبب لمسه الكرة باليد، قبل أن تأتي مباراة دور ربع النهائي، التي بقيت محفورة في ذاكرة الشعوب، وقاد مارادونا الأرجنتين للفوز على إنجلترا ب ,12 وسجل فيها الهدف الذي أثار جدلا كبيرا لأنه سُجل باليد دون أن يراه الحكم، وتمكن لاحقا من قيادة منتخب بلاده لإحراز اللقب الثاني في تاريخها على حساب ألمانيا، ليفعلها مرة أخرى خلال مونديال 1990 والذي أقيم بإيطاليا، وتمكن المبدع دييغو من قيادة منتخب بلاده لنهائي ثانٍ على التوالي، وهذه المرة أمام الخصم الأزلي البرازيل، ثم إقصاء المستضيف إيطاليا خلال مباراة نصف النهائي التي احتضنها ملعب ناديه نابولي، وقد عانى مارادونا والمنتخب الأرجنتيني جراء ذلك خلال النهائي الذي عرف هتافات من طرف الجماهير الإيطالية اتجاه النشيد الوطني الأرجنتيني، المباراة كانت مثيرة وحسمها الألمان بواسطة ضربة جزاء· وشارك مارادونا في مونديال 1994 لكن ليس بنفس القوة لأن مسيرته كنجم كانت بدأت في التعثر· الكوكايين وسنوات الضياع في العام 1991 بدأ بريق النجم الأرجنتيني يتراجع خصوصا بعد إيقافه من طرف الشرطة الإيطالية في قضية تعاطي الكوكايين، وتم ايقافه عن اللعب 15 شهرا، وبعد العودة لم يكن بقوته المعهودة في الميدان، وقرر الانتقال إلى نادي إشبيلية الإسباني، لكن الحالة البدنية التي عاد بها منعته من التألق، ومع ذلك سجل 4 أهداف خلال 25 مباراة ومن ثم عاد مرة أخرى إلى الأرجنتين وتحديدا للعب لنادي نيوز اولد بويز ثم إلى نادي بوكا جونيور من جديد لكنه ظل بعيدا جدا عن مستواه المعهود، وخلال لعبه للمنتخب الأرجنتيني في كأس العالم ,1994 جاءت الضربة القاضية لمسيرة مارادونا مع المنتخب، إذ تأكد بعد إجراء الاختبارات عليه أنه تعاطى مادة ممنوعة من طرف الاتحاد الدولي للكرة القدم، واتخذ قرار إيقافه، وبالتالي عدم العودة إلى صفوف منتخب التانغو، ورغم هذه الحادثة إلا أن مارادونا الذي عانى المدربون من عدم انضباطه طوال مساره لم يقلع عن الإدمان ودخل في دوامة مظلمة واجه خلالها مرض السمنة وخطر الموت عدة مرات كان آخرها في العام .2007 دييغو المدرب بعد توقف نجمه عن السطوع، قرر مارادونا مغادرة ملاعب كرة القدم كلاعب رسميا سنة ,1997 وكانت آخر مبارياته الرسمية بقميص بوكا جونيور، لكن شخصا مثل الأسطورة مارادونا من الصعب أن ينسحب من المشهد وهو مدمن ومقضي عليه في برواز السمنة، ولذلك قرر أن يناضل لهزم الإدمان والأمراض التي واجهته، ورغم أنه كان في كل مرة ينتكس ويعود إلى سابق عهده، إلا أن الأزمة القلبية الأخيرة التي أصابته سنة 2007 ساعدته كثيرا في مواجهة ضعفه ونجح بالفعل، لينخرط بعدها ضمن فئة المدربين، وها هو مدربا للفريق الوطني الأرجنتيني رغم أن مسيرة مارادونا المدرب لم تكن مشجعة أبدا، إلا أنها اقتصرت على بضعة أشهر مع ناديي مانديوو كورينتيس وراسينغ كلوب الأرجنتينيين، في منتصف التسعينيات من القرن الماضي، لكن رغم هذا ورغم أن مارادونا المدرب عانى كثيرا على رأس الجهاز الفني للمنتخب الوطني وتعرض فريقه لهزائم تاريخية أبرزها سقوطه أمام بوليفيا 6-1 ولانتقادات لاذعة، لكنه نجح في قيادة السفينة إلى بر الأمان في المباراة الحاسمة ضد الأوروغواي ليشارك في العرس العالمي، وأظهرت النتائج الأولية في فعاليات مونديال جنوب إفريقيا التي كانت الأرجنتين أول المتأهلين فيها إلى النصف الثاني، أن مارادونا كان واثقا مما يفعله عندما فتح النار على النجم البرازيلي السابق بيلي ورئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم الفرنسي ميشال بلاتيني جراء انتقادهما لأداء مارادونا كمدرب، وها هو يعلن عودته إلى عالم كرة القدم من أوسع الأبواب، وربما هي الأساطير هكذا من الصعب أن تموت·