منذ أسابيع لبّيت دعوة المنتدى الإعلامي العربي بالكويت الذي بادر بتنظيم ندوة حول قادة الإعلام العربي بالتعاون مع مكتبة الإسكندرية بهذه الأخيرة، كنت رفقة نائب رئيس التحرير بجريدة الخبر·· تمحور النقاش حول الإعلام العربي والسلطة، والإعلام والعلاقات بين الدول العربية بشكل خاص·· وفي طريق عودتي من الإسكندرية تعرّفت على مثقفين عرب من ليبيا ومصر·· وقضيت لحظات جميلة مع صديقي خالد زغلول الذي تعرّفت عليه منذ 5 سنوات بمعرض الكتاب بالجزائر·· خالد زغلول صحفي بجريدة الأهرام، وصاحب دار نشر جريئة تحمل اسم المحروسة··· كان خالد من الأصدقاء الحقيقيين للجزائر، كانت له مواقف مشرّفة أيام الحملة الإعلامية التي شنتها الميديا المصرية ضد الجزائريين·· ووقفات إلى جانب الجزائريين في القاهرة·· لدى عودتي اتصلت بي الصديقة راشا عمران لأؤكد لها مشاركتي بندوة ثقافية في دمشق، انخرطت لدى عودتي في إعادة ترتيب العديد من النصوص التي كانت عبارة عن ورشة كبيرة، وهي متعلقة بتجربة الإسلام الراديكالي بالمغرب العربي، وتجربة المثقفين وتطور مواقفهم من السلطة، إضافة إلى عملين سرديين·· وفي نفس الوقت استغرق في التحضير لبرنامج رمضان الثقافي الذي سننطلق فيه ابتداء من الأسبوع الثاني من رمضان وقتا مضنيا··· وإلى جانب القراءات المنظمة المتعلقة بمشاريعي في الكتابة آنفة الذكر، قرأت سيرتين مهمتين، الأولى تحت عنوان تنشئة جزائرية للمثقفة النسوية وسيلة تمزالي، كانت النبرة إنسانية وحزينة وهي تحاول الاقتراب من جديد من سيرتها العائلية ومن حميمية اللحظات التي عاشتها في جزائر تبحث عن طريقها·· الكتاب أثارني أسلوبه الدافئ، والنظرة المليئة بالقلق والشك التي رافقت شهادة صاحبة تنشئة جزائرية عن اللحظات العميقة التي عاشتها الجزائر، وذلك منذ لحظة مقتل والدها في فترة حرب التحرير إلى لحظة صعود الحركة الإسلامية الراديكالية وانتهاء بإيقاف المسار الانتخابي وما ترتب عن ذلك من سجالات وصراعات دموية وريبة شديدة اندلعت كالنار في الهشيم في نفوس الجزائريات والجزائريين تتعلق بسؤال، أي طريق تتجه نحوه الجزائر··· السيرة الثانية التي انتهيت من قراءتها، هي الجزء الثاني من مذكرات الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي، تحت عنوان ''مذكرات جزائري'' وهي تمتد من 1965 إلى ,1978 يمكن تقسيمها إلى قسمين، تمحور القسم الأول حول حوصلة النشاط الوزاري والديبلوماسي الذي قضاه الإبراهيمي في حكومة بومدين، وهو أقرب إلى التقارير العامة التي لم تكن ذات معلومات جد مهمة على المستوى التاريخي، أما القسم الثاني وهو المهم في نظري، يتعلق بالشهادة التي قدمها ابن البشير الإبراهيمي عن العلاقة التي كانت بينه وبين بومدين، وتمكن من خلالها من التعرّف على الملامح الشخصية وطريقة بومدين في ممارسة السلطة والصراعات التي كانت تدار في الكواليس بين الفرق المختلفة حول بومدين، لكن تبقى الشهادة التي قدمها طالب، حول الأيام الأولى من مرض بومدين وذهابه إلى الإتحاد السوفياتي ثم وفاته كانت غنية بالمعلومات ومفيدة كثيرا، لأنها كانت صادقة وحية وجريئة، وهذا ما كان ينقص الأجزاء الأخرى التي مارس الدكتور طالب نوعا من الرقابة الذاتية ونوعا من التكتم· وننتظر أن يكون الدكتور طالب أكثر حرية في القسم الثالث من مذكراته التي وعدنا بها وهي تتعلق بفترة خليفة هواري بومدين الرئيس الشاذلي بن جديد الذي عرفت مرحلته تحوّلات عميقة، وذلك ابتداء من الانتقال إلى الليبرالية على الصعيد الاقتصادي، وانتهاء بأحداث أكتوبر 88 التي كانت مقدمة للدخول في التعددية الحزبية والإعلامية، لكن أيضا مقدمة لدخول في حرب أهلية، كان الشاذلي بن جديد إحدى ضحاياها سياسيا···