عندما نتكلم عن الصحة في الجزائر، لابد لنا وأن نسترجع سياسة الصحة وإلياذة الطب المجاني التي عايشناها منذ الاستقلال بتسميات متعددة، وممارسات مختلفة، لكنها بفشلها وبنجاحها تركت لنا صورة واحدة تقشعر لهائ إنسانية الجزائري، إن كانت بقصد أو بغير قصد· فعندما أسمع اليوم بأن السيد وزير الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات جمال ولد عباس، قد ألح على ضرورة تحسين ظروف الاستقبال على مستوى الهياكل الصحية·· أتعجب إن لم أقل أضحك، لشيء بسيط وهو أن هذا الكلام كنا قد سمعناه منذ عشرين سنة أو أكثر وفي كل مرة يسوء القطاع أكثر·· فلماذا يا ترى··؟ وكم كنت أتمنى أن أسمع أن السيد الوزير قد ذهب بقرار يجبر فيه مسيري القطاع المسئولين على حسن الإستقبال، وعن العقوبة لكل من لا يطبق القرار·· ويضيف الخبر: ''أشار ولد عباس خلال زيارة مستشفى ''زميرلي'' بالحراش، إلى أن ''استقبال المرضى بمدخل الهياكل الصحية غير مرضي''·· هل هذا معقول·· لم لا يقول غير مقبول نهائيا، فمثلما للطبيب أن يطالب بتحسين وضعه المهني والمالي رغم أنه ليس ملزما بالعمل في ذات المستشفى، عليه كذلك أن يعمل على تحسين وضعية المريض، الذي هو مجبر على التوجه إلى المستشفى· جملة أخرى: ''ولتدارك الوضع أكد ولد عباس أن وزارته قامت في إطار مخطط عمل حول الاستقبال بتوظيف 1200 طبيب نفساني ومختص في علم الاجتماع لا سميا من فئة النساء الذين سيوجهون نحو المؤسسات الصحية''·· أنا آسفة، فإن كنت قد فهمت المعالجة النفسية وهو أمر جميل جدا ونبيه، لكن المعالجة الاجتماعية لم أفهمها، هل لأني لست من عالم الطب، أو لأن السيد الوزير قد اختلطت عليه الأمور، فأراد أن يحل مشكلة البطالة التي لم يستطع حلها في وزارة التضامن، وحتى هذا فإن فيه ما يقال·· ولربما سيحظى المريض بمعالجة نموذجية تطغى على سوء معاملة المريض وسوء معالجته·· ثم هذه الجملة: ''بعد تنقله عبر العديد من المصالح بمستشفى ''زميرلي'' التزم ولد عباس بمضاعفة عدد الممرضين في هذا المستشفى الذي يستقبل سنويا عددا كبيرا من المرضى لا سيما الجرحى الذين تعرضوا لحوادث مرور··''، في هذه النقطة بالذات كنت أنتظر أن يذهب الوزير بقرارات ردعية صارمة تثلج صدور المرضى وتخفف معاناتهم·· لقد مرضنا وعولجنا في الجزائر وفي مستشفيات أجنبية، ورأينا الفرق الشاسع·· وكيف أنك تكون إنسانا هناك وتكون حيوانا هنا، ليس من حيث نوعية الأدوية أو عبقرية الطبيب فحسب، ولكنها في إنسانية الممرض، الذي كان يقال عنه ملاك الرحمة، فتحول عندنا إلى ملاك الرهبة والخوف والإهمال· وبدون تعليق أترككم مع هذه القصة كنا قد سافرنا في قافلة تطوع لمدة عشرة أيام في ولاية أدرار، كانت قد نظمتها جمعية المرأة في اتصال سنة ,2008 وكان من ضمن الموجودين في القافلة مختصون في الطب والتطبيب، فأردنا زيارة بعض القرى بإحدى البلديات، فصادف أن طلب منا أحد السكان زيارة نسيبته المريضة في البيت وهي أم لخمسة أطفال·· ولما كان هذا هو هدفنا قبلنا الدعوة، ولكنها كانت المفاجأة·· كان جلد السيدة ملتصقا بعظمها، لا تستطيع الكلام ولا الأكل ولا حتى شرب الماء، جف جسمها من اشتداد علتها، وكانت مرمية في ركن بالبيت تنتظر الفرج بالموت·· اندهشت البروفيسور التي كانت معنا ''من مستشفى بارني''، وقالت للزوج هذه السيدة لا بد وأن تنقل حالا للمستشفى، قال السيد: لقد أخذناها لأكثر من مرة، وفي كل مرة يرجعونها لنا، ولما سألنا لماذا؟ قال لنا بأنه قيل له أنه عليها أن تعود للمستشفى مع أحد أفراد عائلتها لخدمتها، فالممرضون لا يقومون بذلك·· مضيفا، إنه لا يمكنني أن أترك لها زوجتي لأنها تقوم على أولادي وعلى أولاد هذه السيدة في البيت·· ولما توجهنا بالسؤال لرئيس البلدية الذي طلبناه كي يتدخل لإعادتها للمستشفى، أكد لنا نفس الشيء··؟